الزلازل نوعان: جيولوجي وسياسي
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
تستخدم الكلمة في وصف الحوادث الكبرى التي لا علاقة لها بالهزات الأرضية

النشرة الدولية –
كنت في إمارة عجمان بالإمارات العربية المتحدة مشاركاً في مؤتمر إعلامي في ديسمبر (كانون الأول) 2013، وأثناء مقابلة تلفزيونية مع مذيعة عربية من إحدى القنوات التلفزيونية التي نسيت اسمها من الخوف، اهتزت الأرض وتحرك المبنى وتمايلت معلقة ضوئية هائلة الحجم (شاندلير) وسط القاعة التي كانت تجرى فيها المقابلة.
لم أكن قد عشت هزة أرضية أو زلزالاً في حياتي، فقطعت المقابلة وحثثت المقدمة على الخروج بسرعة من القاعة، فسارعت المذيعة ورائي متسائلة “خفت يا دكتور؟” “إي والله خفت”، بكل صراحة أجبتها وأضفت “لا يكون على بالك أنا ياباني أعيش كل يوم مئات الهزات في بلدي؟”، فكانت أول مرة أشعر بهزة زلزال وكانت هزة مريعة بحق، فالزلزال كان مركزه بلوشستان بين باكستان وأفغانستان لكن قوته وصلت إلى عجمان.
في عام 2015 كنت وزوجتي نتناول إفطاراً متأخراً في إسطنبول، فاهتزت الأرض وتمايلت تحتنا وكأنما هي تموج وتذهب يمنة ويسرة، ثوان قليلة وإذا بأخي وابنته ينزلان من المبنى الذي نقيم فيه، كانت ابنته ترتدي حذاء واحداً فقط وتركت الآخر من الخوف مسرعة في الخروج من المبنى، وتساءلت “عميـ وقاعد تتريق ولا يهمك؟”، فابتسمت “ماذا يمكنني أن أفعل؟ أمسك الأرض؟ وبعدين صار عندي خبرة من زلزال باكستان”، وحكيت لها القصة.
ضرب زلزال إسطنبول الأربعاء الماضي بقوة 6.2 على مقياس ريختر، ولحسن الحظ لم يكن مدمراً ولم يكن هناك عدد ضحايا كبير، على عكس زلزال غازي عنتاب الذي ضربها في يناير (كانون الثاني) 2023 وتسبب بمقتل أكثر من 50 ألف إنسان بين تركيا وسوريا.
أصل كلمة “زلزال” اللغوي محير، بل إن جذرها أكثر حيرة إذا ما حاولنا تحليله بالمنظور اللغوي الحديث لأصل الكلمات، فالقواميس تقول إن جذرها زلّزل وأن الكلمة رباعية مكررة من “زلّ”، ووردت في القرآن الكريم “إذا زلزلت الأرض زلزالها”، وربما يقصد أن طبقة أرضية زلت ثم زلت بعدها طبقة أرضية أخرى، ووجدت جذرها من “زلل” وهو الخروج عن المطلوب والمألوف، والزلة هي الخطأ، وقال بها الشاعر الشعبي أحمد الشمراني:
كم طمرنا زلة وكم تجاهلنا سفيه ..
وكم حشمنا ناس ما هي والله تنحشم ..
والزلزال يحدث من خطأ زلة أو انزلاق طبقة جيولوجية من مكانها، ويقال “زلت رجله وطاح” أي انزلقت رجله فوقع، وتستخدم كلمة زلزال في وصف الحوادث الكبرى التي لا علاقة لها بالجيولوجيا، فيمكن أن يقال في السياسة مثلاً “يعد دونالد ترمب زلزالاً سياسياً هائلاً”، فهو زلزال مدمر بالنسبة إلى أوكرانيا أو قل بالنسبة إلى الفئة الحاكمة في أوكرانيا اليوم بقيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، لكنه نسيم عليل وحدث جميل بالنسبة إلى روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
كانت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حدثاً هائلاً، مجده بعضهم واعتبره عملاً بطولياً فذاً، لكنه كان زلزالاً مدمراً بالنسبة إلى أطفال غزة ونسائها، زلزال إبادة إسرائيلية قتل أكثر مما قتل زلزال غازي عنتاب في تركيا خلال العام نفسه.
يتوقع خبراء الزلازل وعلماء الجيولوجيا زلازل هائلة في المستقبل في أماكن أنشطة الزلازل في المحيط الهادئ والبلدان الواقعة على شواطئه، وجبال الهملايا وتشيلي وغيرها، لكن أكبر زلزالين متوقعين وهائلين مدمرين دماراً لم يشهد التاريخ مثلهما، كما يتوقع علماء الزلازل، هما زلزال شمال غربي الأناضول في تركيا، إسطنبول وما جاورها، وزلزال كاليفورنيا الذي من المتوقع أن تكون مدينة سان فرانسيسكو مركزاً له.
وبعض الجيولوجيين يتوقع أن يكون زلزال كاليفورنيا هائلاً بحيث يمكن أن يفصل الولاية جسدياً عن باقي الولايات المتحدة الأميركية أو يطمرها بالمحيط الهادئ، لكن الزلزال الكاليفورني الأكبر هو انفصال كاليفورنيا السياسي عن باقي أميركا لو نجحت دعوات الانفصال الكاليفورني CALEXIT واستقلت الولاية احتجاجاً على سياسات الرئيس دونالد ترمب المعادية للهجرة من المكسيك.