العقدة الأساسية في مفاوضات غزة
بقلم: رفيق خوري

النشرة الدولية –
ليس في حرب غزة حل للقطاع وحده بمعزل عن الضفة الغربية، ولا في المفاوضات على وقف النار وتبادل الرهائن قدرة على تجاوز عقدة أساسية يكتفي الوسطاء المصريون والقطريون والأميركيون بالدوران حولها: عقدة النصر والهزيمة.
“حماس” تطلب ثمناً لورقة الرهائن، وهي ورقة قوية جداً في يدها، وقف النار التام والدائم والانسحاب الإسرائيلي الكامل وبدء إعمار غزة. والترجمة العملية لذلك هي اعتراف إسرائيل ضمناً بالفشل والهزيمة بزعم الدمار الهائل، وبقاء الحركة مسلحة وحاكمة في القطاع وملتزمة القتال لتحرير فلسطين.
ونتنياهو يريد “القضاء على حماس” وتسليم أسلحتها وترحيل قادتها وترحيل شعبها كما يريد ترمب، والمعنى البسيط لذلك إعلان نصر إستراتيجي لإسرائيل وهزيمة كاملة للحركة، وهذا مرفوض من الطرفين، بصرف النظر عن الوقائع.
الأولوية لدى “حماس” هي للبقاء والاحتفاظ بالسلاح والقدرة على القتال مهما تكن تضحيات الشعب في غزة ووحشية إسرائيل، والأولوية عند نتنياهو هي للبقاء في السلطة والحفاظ على حكومته المتطرفة جداً وادعاء النصر، مهما يكن مصير الرهائن والضغوط الداخلية من أجل صفقة تحرير الرهائن ولو بوقف الحرب.
وليس في قضية فلسطين حل جذري يقود إلى وضع لا حرب ولا أزمة بعده، لا في إطار الحق التاريخي للفلسطينيين في أن تكون فلسطين لهم من البحر إلى النهر، ولا في إطار الادعاء الصهيوني بأرض الميعاد في “أرض إسرائيل” من البحر إلى النهر، لا ضمن “حل الدولتين” وقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، بحسب المبادرات العربية للسلام التي خرجت من القمة العربية في بيروت عام 2002، ولا ضمن التمسك الإسرائيلي بقيادة نتنياهو واليمين المتطرف جداً الديني والعلماني بما تسمى “عقيدة جابوتنسكي” وعنوانها “الجدار الحديدي” وترجمتها: “لا سياسة سوى إخضاع العدو”.
ذلك أن أوسع حروب إسرائيل جاءت بعد قيام الدولة على أساس قبول بن غوريون بـ”تقسيم فلسطين” حسب القرار الدولي 194 وضد موقف جابوتنسكي وتلميذه مناحيم بيغن، وأية تسوية لن تنهي المطالب الفلسطينية، وأي نوع من العنف والوحشية والإبادة على يد إسرائيل لن يؤدي إلى إخضاع الفلسطينيين، فالجنرال هرتسي هاليفي رئيس الأركان السابق قاد حرب الإبادة في غزة، وهو يعرف، كما قال قبل الحرب في حديث نشرته “نيويورك تايمز”، أنه “لا توجد حرب أو عملية يمكن أن تحل المشكلة، لكن المهم هو خلق فجوة أوسع بين الحروب”.
والمؤرخ توم سيغيف مؤلف كتاب “دولة بأي ثمن: حياة بن غوريون” يسمي عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم الأصلية نوعاً من “صهيونية فلسطينية” تشبه “طموحات إسرائيل القصوى” وكلتاهما “لن تتحقق”، والممكن في رأيه هو “إدارة الصراع كخيار حقيقي للطرفين ومحاوريهما الدوليين”.
لكن إدارة الصراع المستمرة منذ قرن، سواء بالحروب أو بالمفاوضات ومعاهدة السلام واتفاقات أبراهام، هي “أم الأزمات” ومعاناة الفلسطينيين والعرب، ولا سيما في ما كانت تسمى “دول الطوق”: مصر وسوريا والأردن ولبنان. فالعالم غرباً وشرقاً يرفض إزالة إسرائيل، ويؤيد قيام دولة فلسطينية على أساس “حل الدولتين”، غير أن هذا العالم عمل كل شيء لضمان قيام إسرائيل، ولم يضغط ضغوطاً عملية لقيام دولة فلسطينية.
السؤال هو: هل تكمن المشكلة كلها في السياسات الدولية أم أن هناك مسؤوليات محلية في إدارة الصراع؟ وهل كان الصهاينة أقدر على إدارة الصراع من العرب في مراحل التضامن ومراحل الخلافات، ومن الفلسطينيين الذين فشلت كل المحاولات حتى خلال حرب غزة ومعاناة الضفة لدفعهم إلى إنهاء الانقسام بين السلطة الوطنية في رام الله و”حماس” في القطاع؟
بن غوريون يعترف، بحسب توم سيغيف، بقوله: “ربحنا حرب الاستقلال ليس لأننا محاربون جيدون بل لأن العرب كانوا أسوأ”، وهو قال في اجتماع للحكومة: “لو كنت أومن بالعجائب لطلبت أن يبتلع البحر غزة”، وهذا ما عاد إلى تكراره إسحق رابين بالقول: “أحلم أن أستيقظ صباحاً لأرى غزة مختفية في البحر”.
لكن الأصعب من أن يبتلع البحر غزة هو أن تبتلع إسرائيل الشعب الفلسطيني الذي صار عدده اليوم 14.63 مليون في دولة فلسطين وإسرائيل والبلدان العربية والأجنبية مقابل 7,247 مليون يهودي في إسرائيل. والتراجيديا الفلسطينية مستمرة، وسط قمة الدعم لإسرائيل في إدارة ترمب من دون التفات إلى قول جوميرشيمر وستيفن والت في كتاب “اللوبي الإسرائيلي”: “يقال إن الدعم الأميركي لإسرائيل يؤذي أميركا، لكن الدعم الأعمى يؤذي إسرائيل”.