لماذا استحضار كمال جنبلاط اليوم؟
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

​لماذا الكتابة عن كمال جنبلاط الآن؟ هل لأن قاتله ذهب إلى غير رجعة بعد زوال حكم «آل الأسد» وزيارة نجله وليد لدمشق لمؤازرة حكم جديد استرد حق والده بعد اغتياله عام 1977.

​الحقيقة أنني عشت سنوات من عمري في ظل وجود زعيم وطني مثل كمال جنبلاط، وكنت على صلة بمواقفه بحكم عملي في مجلة «الحوادث» وجريدة «السفير» منذ الستينيات قبل تاريخ مجيئي إلى الكويت عام 1976.

​نستذكر كمال جنبلاط اليوم، والذي كانت تجمعه صداقة خاصة مع كبار رجالات الدولة في الكويت، ومع الراحل الدكتور أحمد الخطيب، هذا الرجل الذي أجهد نفسه في صناعة نفسه، وجمع في شخصه عقل العالم المدقق.

​أصدر في حياته عشرات الكتب وهناك العديد من الدراسات والمؤلفات التي كتبت عنه، فهو متميز من بين السياسيين اللبنانيين بأنه صاحب فكر فلسفي، فقد جمع بين الثقافة والعمل السياسي.

​في عز أيام الحرب الأهلية في لبنان كان يخرج من جحيم النار إلى حيث يستريح عقله وجسده وروحه في عالم الروحانيات بالهند، فهو ملم باللغة الهندية والإنكليزية، قرأ القرآن والإنجيل والتوراة وكتب التوحيد والفيدفيدانتا الهندية.

​وكما قيل عنه فهو ظاهرة خارجة عن المألوف في عالمنا السياسي والثقافي المتردي… لذلك أكتب عنه وأستحضر شيئاً من أفكاره ومشروعه الوطني.

​صحيح أنه ليس الوحيد الذي قدم مشروعاً وطنياً، فمعظم القوى والأحزاب ساهمت ومشت في هذا الدرب، بل نحن نعاني «التخمة» من تلك المشاريع التي للأسف بقيت حبراً على ورق ولم تتم الاستفادة منها أو اغتنام الفرصة لتحقيق جزء منها، وإعفاء هذا البلد من استحقاقات الحروب والدمار.

​نستحضر اليوم ملامح من مشروعه الوطني، ليس من أجل المديح بل للتحسر على​ واقعنا المزري وعلى نظام بات عصياً على الإصلاح والتغيير رغم النكبات التي أصابت الشعب ومؤسساته، وإن كنا اليوم بحاجة إلى خطة للأمام، وعدم تفويت الفرصة في هذا العهد الجديد كما فوتناها من قبل وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً.

​كانوا ينادونه باسم «المعلّم»، نظراً لمكانته ورفعة مقامه، فهذا البيت مسكون بالثقافة والسياسة والعلم.

​الإصلاح، مطلب وطني منذ الأربعينيات وفي المحطات الدموية التي واجهها والاضطرابات التي عاصرها بدءاً من «ثورة 1958» إلى حروب الآخرين على أرضه في الستينيات مروراً بالحرب الأهلية عام 1975، صعودا إلى الوصايات السورية والفلسطينية والإيرانية على سيادته وقراره، وصولاً إلى حربي 2006 و2024، كان الهاجس الدائم متى تنخرط الأقليات في المشروع الوطني الجامع؟

​ليس بعيداً القول إنه حيثما وجدت أقلية في المشرق العربي تجد الدول الكبرى المسيطرة تستخدم هذه الأقليات كحصان طروادة أو طابور خامس لتؤسس عليه سياسة التفرقة وإثارة الفتن الطائفية.

​تقتضي الكتابة التحلي بالصراحة والقول إن هناك آفة مزمنة يعيشها النظام اللبناني، وهي ظاهرة الازدواجية بالمواقف والاستقواء بالخارج وكأنها تكريس لما يقال إن الدبلوماسية ما هي إلا فن إخفاء الحقيقة.

​وفي بدايات الحرب الأهلية عام 1975 طرح كمال جنبلاط باسم «الأحزاب والقوى الوطنية» برنامجاً للإصلاح الديموقراطي للنظام السياسي القائم تضمن سبع نقاط، كان في حينه حدثاً تاريخياً، بل يكاد يكون أهم حدث سياسي منذ الاستقلال… مع مرور الوقت تحول من مجرد مشروع إلى واقع لبناني أصبح منطلقاً لأي بحث عنوانه الإصلاح والتغيير.

​التعديلات من شأنها تجاوز الصيغة الطائفية المتخلفة نحو نظام ديموقراطي عصري، تبدأ بإلغاء الطائفية السياسية وإصلاح للتمثيل الشعبي في مجلس النواب وفي البلديات والمحافظات، أي وضع تنظيم إداري جديد للدولة أكثر تطابقاً مع الواقع الاجتماعي وتقسيم لبنان إلى عشر محافظات مع إنشاء مجالس تمثيلية في المحافظات والأقضية منتخبة لأربع سنوات، متزامناً مع وضع قانون جديد للبلديات وفق قاعدة التمثيل النسبي واحداث مجلس دستوري منتخب يتمثل فيه جميع التيارات والقوى مع جواز اعتماد الاستفتاء الشعبي المباشر.

​هل بإمكان العهد الجديد اليوم أن يحدث تغييراً حقيقياً في بنية النظام والإدارة، وينهي منظومة الفساد التي نخرت في جسد الدولة؟ نترك الإجابة للأيام القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى