«آمنة» مازالت على قيد الحياة
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

عرفتْ تونس قبل «الاستعمار» وبعده، مجموعة من العائلات القديمة، كانت تشكل مراكز السلطة، والتأثير على الناس، ومع الوقت اضمحلت أعدادها ووجودها، ومن بقي من الأبناء والأحفاد عملوا على تجديد أماكن سكنهم وأملاكهم.

التجول الآن في «حي المنزه» أو كما يعرف بقصر الرياضة بالعاصمة شمال تونس، ويقع في قلب المدينة الأولمبية، ينقلك إلى أجواء الجاليات الأجنبية، والأثر الذي تركته في العمران ونوع المباني والتصميمات الحديثة.

تونس الخمسينيات هي تونس التنوع الثقافي والجاليات التي أثرت الحياة المدنية، وأعطتها شيئاً من روحها وإبداعاتها.

هذا الانطباع نقله لي الصديق محمد المعتوق العسلاوي، الذي زارها الأسبوع الماضي بقوله: وأنت تعيش وتتنقل في هذا الحي كأنك تقيم في أحد أحياء مدينة باريس التاريخية، الورود والأزهار ترافقك أينما كنت، نظافة الشوارع كذلك، كل شيء هنا يعيدك إلى أيام «الانتداب» وما بعده.

المنظر الذي تشاهده لا تخطئه العين، هنا ملعب «المنزه الرياضي» الذي افتتح في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة عام 1967 كان من تصميم المهندس المعماري أوليفيه كاكوب، من أصل تونسي يهودي، اشتهر بأعماله الفنية في مجال التصميم.

الجالية اليهودية في تونس لديها تاريخ كبير، وعندها أقدم الآثار الدينية خاصة في جزيرة «جربة»، التي تستضيف سنوياً آلاف اليهود، وفي موسم سنوي كسياحة دينية تنقل وسائل الإعلام هذا النشاط الذي يعج بحركة السياح القادمين من الخارج.

الزيارة الاستطلاعية فتحت لنا الباب للتعرف على جوانب إنسانية لحياة أخرى فيها مظاهر التعددية العرقية والتزاوج، الذي أنتج خليطاً من الثقافات والأعراف استمر لعقود في بيئة متصالحة ومتجانسة.

في بيت أصبح عمره مائة سنة تقريباً كانت تسكنه عائلة يهودية – فرنسية وصل إليه قادماً من باريس ابن أسرة لبنانية يدعى نبيل معلوف ليعمل على ترميمه والحفاظ عليه باعتباره أصبح من المباني التاريخية، ذات الطراز المعماري الفرنسي الحديث.

يروي نبيل معلوف قصة والديه وكيف تعرفا على بعضهما وأتت بهما الظروف ليعيشا ويستقرا في تونس.

ذات يوم التقى جوزيف معلوف، المسيحي اللبناني والمقيم في منطقة «المتن» مع آمنة الترك، صيداوية المولد، ووقعا في حب بعضهما وأرادا الزواج بالرغم من معارضة شقيقها، مع تدخل الجد الأكبر عبدالرحمن الغريب تمكن من جمعهما معاً وبارك زواجهما.

وعندما توفي زوجها أرادت أن يكون قبرها بجواره، لذا وضعت قطعة حجرية مكتوباً عليها «آمنة مازالت على قيد الحياة» بجوار قبر زوجها على أنه وعد لقاء.

آمنة وزوجها جوزيف كانا من بيئة مثقفين وأساتذة من الطراز الرفيع أتيا إلى تونس بطلب من وزارة الثقافة التونسية وأقاما وعملا وتوفيا في تونس، بعد أن أصبحا توانسة بينما حفيدتهما الوحيدة روزالي ولدت في باريس لامرأة هولندية وأب لبناني الأصل تونسي المنشأ، والآن يعمل ابنهما نبيل على أن يخلّد تاريخ هذه العلاقة بتحويل منزلهما إلى دار سكني، وتكون هذه القطعة الحجرية في مدخل الدار دلالة على تاريخ هذه العلاقة التي تحدت المجتمع في تلك الفترة.

الحقيقة أن علاقة تونس بلبنان لها جذور تاريخية قديمة، أوصلت عائلات لبنانية إليها أيام الانتداب الفرنسي، ربما كان من وجوه الجالية آنذاك شكري غانم، الذي عمل في إدارة الحماية الفرنسية في تونس واستعانوا به، علماً بأن المتعاونين التوانسة عددهم كبير جداً في تلك المرحلة.

ووفق رواية الصديق والسفير بسام النعماني فعميد الجالية اللبنانية الآن هو صعب معلوف، إضافة إلى وزير تربية سابق هو عبداللطيف عبيد لديهما معرفة تامة بأحوال وتاريخ الجالية هناك.

زر الذهاب إلى الأعلى