يمكن «الغلط « إنك تربيت .. «صح»
بقلم: رنا حداد

النشرة الدولية –

«يمكن الغلط إنك تربيت صح»..في لحظة خذلان، أو بعد خديعة ما، تتردد هذه الجملة على لسانك أو في أعماقك.
وكأنك تقنع نفسك ان الصدق والاستقامة لم تعد صفات تُمدَح، بل تهمة تُعلَّق على صدرك كلما وقعت فريسة حسن الظن.
وكأن الصدق لم يعد شجاعة، بل قلة حيلة في عالمٍ لا يعترف إلا بالذكاء المغلّف بالحذر والمصلحة.
لا تجلد ذاتك، فأنت تربيت على البديهيات: أن تحترم، وتراعي مشاعر الآخرين، وتصدق حين تتحدث، وتعتذر حين تخطئ.
تربيت على أن «الناس على نياتها»، وأن الخير يُقابل بالخير، وأن من يحبك لن يؤذيك، ومن يعدك لن يخلّ بوعده.
لكن، الواقع لا يشبه تلك المبادئ دائمًا، فيه من يكذب بثقة، ويخون بابتسامة، ويستغلّ نقاءك ليُحقّق مكاسب لنفسه، ثم يذهب متفاخرًا متباهيًا لأنك صدّقته.
القيم النبيلة لا تُصبح خطأ لأنها لم تجد صدى، لكنها تحتاج إلى وعي، إلى نضج، إلى مسافة واضحة بينك وبين العالم، تحفظ لك نقاءك من التلوّث، وتحفظك من الانكسار المتكرر.
النية الطيبة لا تكفي وحدها. يجب أن تُرافقها بصيرة. والصدق لا يُعفيك من مسؤولية الحذر. أن تحب الخير للناس لا يعني أن تتوقعه من الجميع، فالبعض لا يعرف كيف يحب، ولا كيف يرد المعروف.
الحياة ليست حكاية مثالية، ولا هي امتحان أخلاقي دائم. هي مزيج من الجمال والقسوة، من الدروس والعثرات، من المواقف التي تُربّينا مرّة أخرى، لكن بطريقة موجعة.
لا بأس أن تُخدع، ما دمت قد تعلّمت. لا بأس أن تُصدم، ما دمت ما زلت تُؤمن أن الطيبين لم ينقرضوا، وأن في كل خيبة حكمة، وفي كل تجربة فرصة لإعادة ترتيب حدودك.
التربية الصحيحة لا تعني أن تظل طيبًا للأبد دون أن تتغيّر. بل تعني أن تظل وفيًا لقلبك، لكن أكثر وعيًا وتحيزًا لنفسك.
ضروري أن تعرف متى تعطي ومتى تحتفظ، متى تسامح ومتى تضع حدًا، متى تثق ومتى تتراجع.
فلا تندم لأنك تربيت «صح». ولا تسمح لألم عابر أن يُقنعك بأن النقاء ضعف، أو أن الخير عبء.
نحن في زمنٍ يتسابق فيه الناس على «الذكاء العاطفي» لذا من البديهي لـــ «يمكن الغلط إنك تربيت صح.» تتكرر كثيرًا، وكأنها تعكس وجعًا مشتركًا، أو صدمة ناتجة عن تصادم القيم النبيلة مع واقع يبدو أحيانًا أنه يكافئ النقيض.
أن تتربى على الاحترام، فتُفاجأ بأن الوقاحة تحقق نتائج أسرع.
أن تعتاد الصدق، فتُكتشف أنك مكشوف في عالم يتقن المراوغة.
أن تقدم الطيبة، فتُفسّر على أنها ضعف.
هنا لا يكون «الخطأ» في القيم نفسها، بل في السياق الذي لا يمنحها وزنها الحقيقي، وفي التربية التي لم تُسلّحنا بما يكفي من المهارات لحماية تلك القيم وسط زحام الحياة.
نعم، تربينا على الصواب، لكن لم نُربَّ على الحزم، ولا على حب الذات كحق، ولا على أن الطيبة تحتاج إلى وعي وحدود.

زر الذهاب إلى الأعلى