«كم صرفتِ للعيد؟»
بقلم: رنا حداد

النشرة الدولية –

«كم صرفتِ للعيد؟»
سؤال يتسلّل بخفّة إلى الأحاديث بين الأهل والاصدقاء والزملاء، كأنّه عادي، كأنّه لا يحمل سوى الفضول.
لكنّه في الحقيقة، يفتح بابًا واسعًا على تغيّرٍ لم ننتبه له، أو ربما انتبهنا، لكن اخترنا «نغطرش» .
منذ متى أصبح العيد يُقاس بما أنفقنا، لا بما شعرنا؟
منذ متى صار علينا أن نبرر فرحتنا بعدد الأكياس، أو بماركات الثياب، أو بألوان الصحون على السفرة، وانواع الشوكولاته وحشوات المعمول؟
شيء ما انزلق من بين أيدينا.
كنّا ننتظر الأعياد كأنّها فسحة من الدفء، محطة صغيرة نلوذ إليها من تعب العام، نجتمع فيها لنضحك دون تفكير، ونرتاح.
أما اليوم، فالأعياد أصبحت موسماً للاستعداد الطويل، والإنهاك العاطفي، والتوتر المالي، والتصوير المفرط.
عيد اليوم يُشترى.
يُحضَّر بعناية، يُرتَّب ليُلتقط، يُلبس ليُعرض، يُجهَّز ليُنشر.
والنتيجة؟
مشهد جميل… من الخارج.
لكنّه غالبًا مشهد صامت، خالٍ من الإحساس.
نقول «كل عام وأنتم بخير»، وقلوبنا مشغولة بالحسابات.
نبتسم في الصور، ونعود لنُكمِل مهامنا كأننا نؤدي واجبًا لا نجرؤ على التخلّي عنه.
وسائل التواصل لا تساعد.
بل تُلحّ علينا أن نُقارن، أن نُبهَر، أن نُقلّد.
من الذي زيّن بيته أفضل؟
من الذي قدّم ضيافة أكثر فخامة؟
من لبس أجمل؟
حتى اننا أصبحنا نبحث عن عيد «أنظف» مع شركات التنظيف وعروضها، لا عن عيد «أعمق».  اليوم، نركض.
نشتري.نزيّن. نصوّر. لكن هل نعيش؟
نريد عيدًا لا يتعبنا، لا يستنزفنا، لا يضعنا في منافسات لا داعي ولا ضرورة لها.
هل العيد تغيّر؟
ربما لا.
ربما نحن فقط من ابتعدنا عنه.
اخترنا القشرة، ونسينا اللبّ.
نسينا أن الفرح لا يُصوَّر، بل يُعاش.
أن أجمل اللحظات لا يمكن حصرها في إطار صورة.
أن العيد الحقيقي لا يحتاج إلى «فلتر» وطبق ضيافة»ترند» ، بل إلى نية صافية.
فحين يسألونكِ: كم صرفتِ للعيد؟
جرب أن تصمت لحظة، ثم قل بهدوء:
«لم أصرف كثيراً، لكنني شعرت كثيراً.»

زر الذهاب إلى الأعلى