عندما تفشل الديمقراطية.. تجارب مأساوية من الغرب إلى العالم العربي
بقلم: إيهاب البكور

شهدت الديمقراطية خلال العقود الماضية موجات متباينة ما بين التوسع الى التراجع، حيث برزت في القرنين العشرين والواحد والعشرين تجارب فاشلة في دول غربية وعربية ومناطق متعددة من العالم، مما يشير الى أن الديمقراطية ليست نظامًا مضمون النجاح في كل الظروف. أستعرض في هذا المقال أبرز هذه التجارب مع تحليل مبسط لأهم أسباب الفشل، مستنداً في ذلك إلى دراسات وأبحاث أكاديمية دولية.

أزمة الديمقراطية في الغرب: تراجع الثقة وصعود الشعبوية
على الرغم من اعتبار أوروبا وأمريكا مهداً للديمقراطية، و منهما برزت للعالم أفضل تجارب الديمقراطية، إلا أن الواقع السياسي في العقدين الأخيرين كشف عن أزمة تمثيل حقيقية. ففي الاتحاد الأوروبي و بحسب دراسة لأستاذ القانون بجامعة “شيكاغو” (Huq)،فُرضت قرارات اقتصادية وسياسية مصيرية مثل اعتماد اليورو، مما أجبر حكومات منتخبة في دول مثل إيطاليا واليونان على الاستقالة لصالح تكنوقراط غير منتخبين، وهو ما أثار انتقادات واسعة لفقدان الديمقراطية الحقيقية.

ووفقاً لمجلة (Journal of Democracy ) فقد شهدت أوروبا وأمريكا صعودًا ملحوظًا للأحزاب الشعبوية اليمينية، مثل حزب الحرية في هولندا والجبهة الوطنية في فرنسا، كرد فعل على إحباط المواطنين من النخب السياسية التقليدية، مما يعكس أزمة تمثيل ديمقراطي عميقة، كما وأظهرت دراسة صادرة عن معهد بروكينغز(Brookings) أن نسبة عدم الرضا عن الديمقراطية في الدول الغربية ارتفعت إلى 58% في 2021 مقارنة بـ33% في 1995، مع تصاعد الاستقطاب السياسي والاحتجاجات الاجتماعية مثل حركة “السترات الصفراء” في فرنسا و التي كانت صفعة مؤثرة على وجه الديمقراطية الغربية.

وبالانتقال الى أوروبا الشرقية، فقد بيَّن الباحث الأكاديمي في مجال العلوم السياسية في جامعة “فاندربيلت” الامريكية أننا يمكن أيضاً أن نجد بعض التجارب المتعثرة للديمقراطية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، في دول مثل بيلاروسيا وأوكرانيا وألبانيا، حيث عادت بعض الدول إلى أنظمة استبدادية أو شهدت نزاعات داخلية، مما يبرز هشاشة الديمقراطية في هذه المنطقة.

فشل الديمقراطية في العالم العربي
يعد العالم العربي من الحالات الفريدة من حيث صعوبة بناء الديمقراطية، ويعزوا الكثير من علماء وباحثي العلوم السياسية هذا الى أن معظم الدول العربية هي دول وليدة وحديثة النشأة، والأنظمة السياسية التي استلمت مقاليد الحكم في هذه الدول ليست إلا بقايا من الإرث الاستعماري الغربي، أو ممالك قامت على أساس قبلي وعرقي، بالإضافة إلى عدة عوامل، منها غياب أجندة واضحة للتحول الديمقراطي، تدخل العسكر في السياسة، ضعف المؤسسات، والفساد المستشري، بحسب الباحثة (Meyerrose). ولذلك فإن الأرضية الخصبة لقيام الديمقراطية في هذه البلدان غير قابلة لذلك. خاصة بعد موجة “الربيع العربي”، وفي هذا السياق يذكر الباحث في الديمقراطية “لاري دياموند” كيف أن تونس نجحت جزئيًا في بناء نظام ديمقراطي مستقر نوعاً ما، بينما تحولت دول مثل مصر وليبيا واليمن إلى أزمات وحروب أهلية مدمرة، وهنا يذكر تقرير لمعهد (Toda Peace Institute) أن الصراع في المنطقة العربية تحول إلى مواجهات دموية بين قوى عسكرية مستبدة وجماعات طائفية وعصبية، مدعومة بثروات طبيعية تُستخدم لتمويل الحروب الأهلية، مما زاد من تعقيد المشهد.
وبحسب استطلاع شبكة الباروميتر العربي للأبحاث التي تتخذ من جامعة برينستون مقرًا لها، فقد فقد معظم المواطنين العرب في تسع دول عربية ثقتهم في تحسن أوضاعهم الاقتصادية في ظل أنظمة ديمقراطية، مع نسبة تصل إلى 72% في العراق و70% في تونس ممن يرون أن الديمقراطية لم تحقق الاستقرار الاقتصادي، وهو ما تؤكده الدكتورة أماني جمال، عميدة كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة برينستون، بأن الفشل الاقتصادي هو سبب رئيسي لردة الفعل السلبية تجاه الديمقراطية في المنطقة.

تجارب أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا: هشاشة الديمقراطية وتراجعها
شهدت أمريكا اللاتينية موجات متذبذبة من الديمقراطية مع انقلابات عسكرية وحكومات استبدادية، فمنذ العام 1979 و حتى العام 2019 أُجبر 21 رئيساً منتخباً ديمقراطياً على ترك مناصبهم قبل انتهاء ولايتهم الدستورية، نتيجة صراعات سياسية داخلية بين البرلمان والرئيس، وفي نفس السياق نذكر ضعف التحالفات التشريعية كتجربة متعثرة للديمقراطية، ففي البرازيل واجه الرئيس “كولور دي ميللو” في التسعينيات أزمة كبيرة بسبب فشل تعبئة تأييد البرلمان لبرنامجه الإصلاحي، مما أدى الى عزله الذاتي بعد تعطيل البرلمان لسياساته. ومن أبرز المحطات السلبية للتجارب الديمقراطية في أمريكا اللاتينية هي التحولات الديمقراطية المعقدة، حيث شهدت أمريكا اللاتينية تحولات من أنظمة سلطوية الى أنظمة ديمقراطية، لكن هذه التحولات غالباً ما رافقها صفقات سياسية مع العسكريين وعوامل اقتصادية واجتماعية معقدة.

أما في أفريقيا، فقد اختصرت المحامية والمحللة المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان “ميرتي بوستيما” القصة بما يلي:”كانت الديمقراطية غالبًا شكلية، مع أنظمة سلطوية تسيطر على مؤسسات الدولة، واندلاع حروب أهلية ونزاعات عرقية، مما جعل التجربة الديمقراطية هشة جدًا”.

وفي آسيا، شهدت دول مثل ميانمار انقلابات عسكرية بعد تجارب ديمقراطية قصيرة، بينما حافظت دول أخرى مثل الهند على ديمقراطيتها رغم التحديات، إلا أن القمع السياسي وتقييد الحريات يؤثران على جودة الديمقراطية في هذه الدول، خاصة بعد أحداث الإضهاد بحق مسلمي الهند من قبل الهندوس ووقوف الحكومة مع الهندوس ضد المسلمين، الأمر الذي اعتبر مؤشراً سلبياً للديمقراطية في الهند.

الديمقراطية في تراجع عالمي مستمر
تشير تقارير مشروع V-Dem إلى أن مستويات الديمقراطية عالميًا تراجعت إلى ما كانت عليه في 1989، مع زيادة عدد الأنظمة الاستبدادية والانتخابية المزيفة التي تضم 70% من سكان العالم، ويشمل هذا التراجع دولًا كانت تعتبر ديمقراطيات متقدمة مثل الولايات المتحدة والهند والبرازيل، حيث سجلت تدهورًا في الحريات المدنية والحقوق السياسية، كما وثق ذلك معهد بروكينغز (Brookings).

زر الذهاب إلى الأعلى