الحاجة للوصاية
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

أخطأت الأنظمة الاستبدادية كافة، وحتى المسماة بالتقدمية أو الثورية (وهي لا هذه ولا تلك)، أخطأت في أمور كثيرة، وكان عدم اكتراثها بأهمية «التعليم النوعي» خطيئتها الكبرى، وحدث ذلك غالبا عن قصد، لاعتقاد من تجاهل التعليم الجيد، من سياسيي تلك الدول، كالقذافي وصدام وكيم وغيرهم، بأن الشعب الجاهل أسهل اقتيادا ويمكن خداعه، غير مدركين تبعات ذلك، فإن وقعت كارثة سياسية أو حركة انقلابية فستكون الفوضى أعم وأشمل لأن من سيتولون الأمر بعد هؤلاء سيكونون غالبا أكثر جهلا ممن سبقهم، ومن هنا جاءت مقولة «بورقيبة» للقذافي، عندما رفض الأخير توفير الحرية والتعليم لشعبه، بأن الثورة، إن أتت، فمن الأفضل أن يقوم بها شعب متعلم وحر، من أن يقوم بها شعب جاهل! وهذا ما حصل تاليا، فكل «ثورات الربيع العربي» تقريبا تولى أمورها من كانوا أقل فهماً ممن سبقهم، لتستمر الكارثة ويبقى الوضع مأساوياً، ولذا نجد الكثير من الجهلة يتحسرون على حكم صدام، وفي هذا قال الشاعر العراقي «أحمد مطر» في سياسي:

وغدا حين سَتُطْوى صفحات المهزلة… وتُساقون إلى مزبلة، إن رضيتْ أن تَحتويكم مزبلة!

سوف لن تبقى لكم فوق شفاه الناس إلا جملة مُنتَحلَه

من مواريث قبيحٍ.. (أي صدام) قُبْحُكُم قد جَمَّله!

***

من واقع حال دول العالم الثالث يبدو أن عدداً منها بحاجة لفرض وصاية عليها، لما تسبب به سياسيوها من تخريب لأوطانهم نتيجة فسادهم أو حمقهم، وتكبيل شعوبهم بديون لا قدرة لاقتصادياتهم على الوفاء بها. فأوضاعها المأساوية تتطلب التخلص من كامل الطبقة السياسية فيها، وفرض الوصاية الدولية عليها بغية تعديل أنظمتها وقوانينها وإصلاح قضائها وأوضاعها المالية، ومن ثم إعادة تسليمها للأمة، عند بلوغها سن الرشد، والذي لا يمكن الوصول له بغير حزمة من الإصلاحات التعليمية والتربوية، وكل ذلك يتطلب مرور جيل أو جيلين لكي تؤتي أُكلها. وهذا ما حدث مع نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية.

يعارض الكثير مبدأ الوصاية الدولية السياسية من منطلق أن زمنها قد ولى، ولا يجوز حتى مجرد التفكير في تحكّم دولة أو قوى أجنبية في شؤون دولة أخرى، ولكن ما العمل إن كانت هذه الشعوب تعاني من نقص واضح في النضح التربوي والسياسي وفي استقلالية القرار، والأمثلة أمامنا واضحة، وبالذات إن كانت هذه الشعوب تقدس حكامها، مع تمام علمها بفسادهم، وتعيد انتخابهم المرة تلو الأخرى!

***

الغريب، أو ربما الطريف، أن رافضي «الوصاية السياسية»، لا يترددون في فرض الوصاية على ابن أو أخ أو والد إن بدرت منه تصرفات، مالية أو اجتماعية أو أخلاقية، تسيء له أو لأسرته، فيلجأون، كمتضررين، للمحكمة بغية إصدار حكم بالحجر على «السفيه»، أو غير المدرك، وغلّ يده عن التصرف في حياته أو ماله، وإعطاء «الوصي» حق التصرف نيابة عنه، لما فيه مصلحته.

نعم.. يتقبلونها لأنفسهم ولأهل بيتهم، ولكنهم يرفضونها لدولهم!

 

Back to top button