العملات الرقمية تسقط من زهو الارتفاع إلى قاع الهبوط

النشرة الدولية –

أعلنت شركة بليدتيك الناشئة في مجال تعدين العملات الرقمية – وهو تحالف من أصحاب المشاريع الذين يعملون ضمن مشاريع متخصصة في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات، لمصلحة كيانات كبرى من شاكلة حلف النيتو وشركة بي أيه إي سيستمز – في آذار (مارس) الماضي، أنه بصدد بناء منشأة صناعية لإنشاء عملات رقمية، في تلك الأونة التي انتعشت فيها أسواق تلك العملات، وبلغت قيمها مستويات قياسية مذهلة لفترة ما، قبل أن تتهاوى بوتيرة لا تقل نحو الاتجاه المعاكس، حيث تقبع، بما يثير تساؤلات حول مصداقيتها الآن ناهيك عن الغد، بحسب ما نشرته صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية.

تقول الشركة الناشئة إن مقترحاتها في ذلك الصدد قد “تأجلت”، بسبب “الاضطرابات في أسواق العملات الرقمية”.

على أن ذلك التحالف ليس وحده. إن هناك عددا لا يحصى من شركات تعدين عملة “بيتكوين” التجارية، فضلا عن آلاف المتحمسين للتعدين من “الهواة” الأفراد، الذين اختاروا وقف العمليات التجارية الآن، على الأقل، لأن انخفاض أسعار العملات الرقمية أدى بها إلى تكبد خسائر فادحة.

يقدر بعض الخبراء متوسط تكلفة تعدين عملة “بيتكوين” واحدة – “نقطة التعادل” – بنحو خمسة آلاف دولار، بما في ذلك النفقات العامة وتكاليف الاستهلاك.

في المقابل، يتم تداول العملة الرقمية حاليا بنحو 3200 دولار، أقل بما يزيد على 80 في المائة في هذا الوقت من العام الماضي، ويفاقم الآفاق سوء توقعات محسوبة حول توالي استمرار انخفاضها، ولربما بوتيرة أكبر حتى من الحاصل اليوم.

قال آرون فان أميرس، كبير الإداريين الفنيين والشريك المؤسس في صندوق رأس مال مغامر يركز على العملات الرقمية هو “آوتلاير فينتشرز” Outlier Ventures: “في الوقت الحالي نحن نشهد هزة عامة. بالنسبة لكثير من شركات التعدين، فإن سعر عملة “بيتكوين” الحالي أقل من تكلفة تعدينه”.

أما بين سيبلي، رئيس قسم الوساطة المالية في مجموعة إن كيه بي، وهي مصرف استثماري في المملكة المتحدة يركز على العملات الرقمية، فقد قال: “إن مجمل شركات صناعة التعدين تعاني الآن بشدة، في ظل ارتفاع النفقات وتكاليف التعدين، لدرجة أن اليأس من تعافي الصناعة دفعها إلى وضع يمكن وصفه بدقة بأنه وضع من بات يكره الحياة”.

تستخدم شركات التعدين قوة الحوسبة للموافقة على التعاملات بعملة رقمية معينة وإضافتها إلى “البلوكتشين”، أو دفتر الحسابات الرقمي للنشاط.

وتتنافس أنظمة الكمبيوتر لحل المشاكل الرياضية المعقدة، من خلال اختبار المعادلات كجزء من مصادقة أحدث البيانات في الشبكة.

أيا كان من يخترق التشفير، فإنه سيعطي التفويض للمعاملة – ويحتفظ بقدر من العملة الرقمية المسكوكة حديثا، من باب أنها مكافأة له، في المقابل.

إدارة هذه الأنظمة تتطلب أجهزة متخصصة وكميات هائلة من الكهرباء، إلى حد كبير مثل مركز للبيانات.

حتى الآن، تم إنشاء كثير من عمليات تعدين العملات الرقمية التجارية في بلدان مثل الصين، وآيسلندا، وروسيا وكازاخستان، بالاستفادة من موارد الطاقة الوفيرة والرخيصة، إضافة إلى مستويات درجات الحرارة المنخفضة، التي تلعب دور نظام تبريد طبيعي لصفوف المعدات التي تصدر الضجيج، وهو ما يعد ضمن وفورات النطاق المساعدة على بلوغ نشاطات الصناعة مستويات التشغيل الكامل والإنتاجية القصوى.

إن التوصيف الدقيق حاليا لسوق تعدين عملة “بيتكوين”، التي كان يعتقد فيما مضى أنها تمثل مجال الانعطاف ومن ثم الانطلاق غير المحدود لطموحات الشركات الناشئة غير التقليدية، أو الأفراد أو الجماعات من المهووسين بالتكنولوجيا في غرف نومهم، بلغت حد الانفجار في أواخر العام الماضي، في الوقت الذي وصلت فيه أسعار العملات الرقمية إلى عنان السماء، وسعى أصحاب المشاريع في الصناعة وراء هوامش ربح دسمة، بالفعل وفي وقت قياسي.

وهناك البنية التحتية الأوسع للصناعة، التي تدعم شركات التعدين، وتوسعت أيضا بسرعة قياسية مماثلة، مستفيدة من الطفرة الهائلة التي شهدتها الصناعة، بفعل القيم الضخمة المتحققة والمتراكمة.

بحلول منتصف هذا العام، أعلنت ثلاث من شركات تصنيع أجهزة التعدين قائمة في الصين، وهي على التوالي إيبانج، وكنعان، وبيتماين – خططا للإدراج في بورصة هونج كونج، للاستفادة من المزايا التي تتيحها السوق التي تتمتع بتقييمات تبلغ مليارات الدولارات.

في الوقت نفسه، فإن شركات صناعة الرقائق الحالية، بما يشمل شركتي نفيديا وأدفانسد مايكرو ديفايسز في الولايات المتحدة، كانت قد شنت عمليات غزو أولية ومنظمة في القطاع، ما أتاح لها تحقيق اختراقات لا يستهان بها في مجال الصناعة.

لقد كانت “الربحية مذهلة” بما لا يدع مجالا لأدنى شك، كما قال باتريك بروجان، أحد المتحمسين للعملات الرقمية، يعيش في ولاية تكساس. بروجان الذي أنفق أكثر من 40 ألف دولار على شراء معدات تعدين ضمن الصناعة في أواخر العام الماضي، كان يهدف إلى إنشاء نظام تعدين منزلي.

معدل التجزئة لعملة “بيتكوين”، التي باتت بما يشبه حصان السباق الأسود ضمن رتل من العملات الرقمية – أي قياس مقدار الطاقة التي تستخدمها شركات التعدين – انخفض بنسبة تزيد على 40 في المائة منذ ذروته في آب (أغسطس) الماضي.

هذا الوضع يشير بالضبط إلى أنه تم إيقاف نحو 1.5 مليون جهاز لتعدين عملة “بيتكوين” منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، وذلك وفقا لشركة فاندسترات لأبحاث السوق.

بروجان من ضمن أولئك الهواة الذين أغلقوا نشاطات أعمالهم في صناعة التعدين، في غضون أشهر من بدء الاستثمار فيها، وخرج بحصيلة قال عنها إن العملية بأكملها – التي تضمنت إعادة تمديد مرآبه بأسلاك النحاس، وجملة من الخلافات مع الشرطة التي كانت متشككة بشأن الضجيج الصاخب الصادر عنه، والارتفاع المفاجئ في تكلفة الاستفادة من الكهرباء الناتجة عن فواتير منشأته التي صنعها بنفسه – كانت خاسرة بصورة فادحة. وأضاف في ختام حديثه: “على أنني قد تعلمت كثيرا، من التجربة المريرة”.

لم يكن اللاعبون الصغار وحدهم الذين تضرروا من التباين الحاد في الصناعة، ما بين الصعود القياسي والانحدار المماثل، في فترة قليلة بكل معايير الصناعات والأسواق. لقد تقدمت شركة التعدين الأمريكية جيجاواط بطلب إفلاس إلى السلطات المنظمة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وعلى النحو نفسه، فإن كل من شركات إيبانج وكنعان وبيتماين في الصين، قد عمدت إلى تأجيل عمليات الاكتتاب العام الأولي. كما أن شركة نفيديا أوقفت فرعها لمعدات العملات الرقمية.

قال أليكس كيرن، محلل الأبحاث في شركة فاندسترات: “إن شركات صناعة التعدين التي بدأت في وقت مبكر بما فيه الكفاية، وتعد ضمن فئات الشركات المرسملة بشكل جيد بالفعل، تظل على حالها من الوضع الجيد.

على أن الشركات التي دخلت صناعة تعدين العملات الرقمية في الآونة الأخيرة، قد لا تتمتع بالتمويل الجيد لمواجهة الانخفاض الذي تعانيه الصناعة، وبالتالي الأسواق، الآن.

يقول مراقبو الصناعة، إن بقاء شركات تعدين العملات الرقمية في المستقبل على قيد الحياة، أمر يعتمد إلى حد كبير على قدرتها على التفاوض على صفقات كهرباء مناسبة، والحصول على المعدات الأكثر كفاءة – على الرغم من أن فان أميرس كان قد حذر مسبقا، من أن الميزة في الأجهزة المستخدمة عادة هي أنها: “دائما ما تكون قصيرة الأجل بسبب تسارع التطور في الإنتاج والدفع بمنتجات فائقة المزايا في السوق، في أوقات متقاربة”.

من جهة أخرى، “أنت في حاجة إلى صداقات محليين كثر، بل ومعارف من الساسة لمنحك الأمن”، كما قال جوزيف تشين، الرئيس التنفيذي لشركة كوينجريك ماينينج أند هاردوير، وهي شركة صغيرة لبيع المعدات تدير أيضا “مجموعة تعدين”، تشارك قوة المعالجة على شبكة الإنترنت، ومن ثم تعمد إلى تقسيم أي أرباح يتم تحقيقها في نشاطات الصناعة.

إن هناك مخاطر تنظيمية كبير وجمة في الصناعة: لقد اتخذت الحكومة الصينية إجراءات صارمة ضد صناعة تعدين العملات الرقمية في وقت مبكر من هذا العام، بعد انتشار المخاوف من الاستهلاك المفرط للكهرباء لأجل إنتاج غير محسوب العوائد، وبالتالي احتمالات شبه مؤكدة من مواجهة مخاطر مالية تراوح بين العجز عن السداد الجزئي أو التأخير في آجاله ولربما طلبات إشهار الإفلاس، بما ينعكس بالسلب على النظام المصرفي في البلاد، والزج بالسلطة النقدية فيها في مآزق “أكبر من الفشل”.

 

بعض اللاعبين الكبار في الصناعة عمدوا إلى خيارات التنويع في البحث عن مصادر جديدة للدخل.

على سبيل المثال، فإن شركة بيتفوري التي تصنع معدات التعدين والبرمجيات، قد نجحت في جمع 80 مليون دولار الشهر الماضي، في محاولة لتوسيع “مجالات التركيز الحالية” ضمن تقنيات متقدمة تشمل مجالات أبحاث وتطوير منتجات وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

كما أن جيهان وو، الرئيس التنفيذي لشركة بيتماين، قد قدم جملة من البيانات أيضا تشمل الخطوط العريضة لخطط تتطلع إلى توسيع الرهان عند النظر إلى إمكانيات تحقيق التحول بالاعتماد على مقدرت الذكاء الاصطناعي الفائقة.

مع ذلك، لا يزال هناك بعض من المراقبين الذين يرون أن هناك أسبابا تدعو إلى التفاؤل تكمن في الصناعة، حتى وإن يحن أوان لوحانها في الأفق.

في الواقع، أن شركات التعدين لا تتولى دفع تكاليف إيجاد عملة “بيتكوين” أو غيرها من العملات الرقمية عموما، بل إنها أيضا تلعب دورا مزدوجا إذ تعد ضمن أكبر بائعي هذه العملات، وفي القلب منها – بالطبع – عملة “بيتكوين”.

ووفقا لكيرن من شركة فاندسترات، فإن هذا يعني أنها إذا توقفت عن البيع عندما تنخفض الأسعار، فإنه يمكن حماية السعر – ما يشير إلى أن هناك حدا أدنى طبيعيا للسعر.

تشتمل عملية التعدين أيضا على آلية مدمجة، ما يعني أنه في الوقت الذي تزيد في المنافسة، يصبح من الصعب أكثر تعدين عملة “بيتكوين”، أو غيرها من العملات الرقمية.

كما أن العكس صحيح أيضا، ما يعني أن الذين تجاوزا الأوقات الصعبة من قبل، بإمكانهم الآن بعد ذلك الاستمتاع بفترات أكثر ربحية مرة أخرى، عقب تجاوز ما هو أسوأ.

قال متحدث باسم شركة الأبحاث ومنصة تداول العملات الرقمية المعروفة بـ”بيتميكس” BitMex: “مع تراجع أسعار العملات الرقمية، بات بإمكان شركات الإنتاج ذات التكلفة الأقل الحفاظ على نشاطات الأعمال، بعد أن باتت ممتلكة لآليات التكيف مع صعوبة الأوضاع في السوق”.

وقال المتحدث: “من الصعب معرفة ما إذا كان هذا من شأنه أن ينجح كما هو مصمم أم لا؟ إلا أن التباشير تشير إلى أنه قد نجح أثناء انخفاض الأسعار السابقة في المرات السابقة”.

بدورها، فإن السوق تكتسب النضج أكثر من ذي قبل، بعد أن خاضت التجربة القاسية. في المقام الأول، يستكشف المطورون طرقا جديدة لتعدين العملات الرقمية التي تعد أكثر فعالية من حيث التكلفة وتتطلب طاقة أقل، في الوقت الذي تزيد فيه المخاوف بشأن التأثير البيئي للعملية الحالية.

قال بريستون بيرن، الشريك في شركة بيرن آند ستورم: “كثير من تطبيقات هذه الأفكار حتى الآن كان معيبا، وغالبا ما يكون معيبا بصورة سافرة بل وفظيعة.

على التوقع هو أن يعمد شخص ما إلى إيجاد حل لمشكلة الاستبدال الفعال، أي العملية الحالية، في الوقت المناسب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى