هبة القوّاس: لإلغاء الأعراف المذهبية في المؤسسات العامة
النشرة الدولية –
نداء الوطن – جورج بوعبدو –
وُلدَت في صيدا وتخرجت من الجامعة اللبنانية قسم علم النفس العيادي، ثم التَحقت بالمعهد الموسيقي اللبناني وحصلت على ماجستير في الغناء الأوبرالي، و ماجستير في التأليف الموسيقي بدرجة امتياز. بدأت مشوارها الغنائي في العقد الثاني من عمرها، وأصبحت أستاذة في الجامعة اللبنانية، وأستاذة في التأليف والغناء الأوبرالي، فكانت أول من قدم العمل السيمفوني والأوبرا العربية معاً جامعاً بين الشرق والغرب. إنضمت إلى لجنة الأوركسترا السيمفونية في لبنان والوطن العربي، وأصبحت من أعضاء اللجنة الثقافية وتنسيق الاتصال في اللجنة اللبنانية في الأونيسكو، واللجنة الخاصة بمناهج مادة الموسيقى في المركز التربوي الخاص للبحوث. تسلّمت أخيراً مهام إدارة المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى “الكونسرفاتوار” بعد تكليفها من وزير الثقافة محمد مرتضى. “نداء الوطن” التقت السوبرانو هبة القوّاس في حوار مشوق دار لساعات.
هل كنت تطمحين لتبوؤ منصب مدير عام المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى “الكونسرفاتوار”. وما الأهداف التي تودّين تحقيقها؟
لم يكن مدرجاً على لائحة طموحاتي تبوؤ هكذا منصب وأكبر دليل انني رفضت هذا الطرح لمرات عدّة، ولكن الظروف الراهنة التي أثقلت كاهلنا جميعاً جعلتني أطمح لهذا المنصب، فالكونسرفاتوار اليوم بحاجة الى طاقة إيجابية مفعمة بالحياة ولديها القدرة على التخطيط لتصويب المسار التعليمي والأوركسترالي. انه واجب وطني وانا مستعدة للعمل والتضحية وتسخير معارفي وعلاقاتي المحلية والدولية ليبقى الكونسرفاتوار رائداً في المجال الموسيقي ووجهة لبنان الثقافية، وهنا لا بد من شكر وزير الثقافة القاضي محمد المرتضى على منحي ثقته بتولي هكذا منصب في هذا الظرف الصعب وأتمنى أن أكون عند حسن ظنه. فالمسؤولية كبيرة وعليّ متابعة الأكاديمية التعليمية والتوجه الموسيقي في الأوركسترا ومراقبة الفروع المنتشرة في المناطق اللبنانية كافة والعمل على تطويرها، من خلال مد الجسور بيننا وبين دول ومؤسسات أخرى محلية وعالمية، لرفع المستوى الأكاديمي والأوركسترالي.
هل هذا المنصب هو حكر على طائفة او مذهب معين؟
تداورت على “الكونسرفاتوار” مذاهب عدة منذ تأسيسه فكان الأستاذ وليد غلمية أرثوذكسياً وغيره كان من غير مذهب. من المعيب اليوم أن نتكلم عن هذا الموضوع فالموسيقى والثقافة تتخطيان الأديان والمذاهب ولن أفصح عن مذهبي لأنني أعمل في الشأن العام فأتخطى هذا الأمر، فأنا هنا للعمل والتضحية والعطاء. كلنا أبناء وطن واحد وعلينا تخطي الأعراف ليكون الشخص الصحيح في المكان الصحيح. الكفاءة موجودة عند جميع المذاهب في جميع القطاعات، إلاّ في الموسيقى، لأنها نادرة وبالتالي لا يمكننا تكليف أي كان حسب العرف وعلينا ان ننتقي الشخص النادر أياً كان مذهبه لتولي زمام الأمور.
الكفاءة هي الأساس في العمل الموسيقي والثقافي. وانا أرجو إلغاء الأعراف المذهبية في المؤسسات العامة كافة لنستطيع النهوض من جديد.
ما هي خطتك لتصويب المسار، وهل باشرت بتحقيقها؟
أطلقت بياناً تكلمت فيه عن التوجه العام والخطط المستقبلية ولكنني لن أبوح بها كاملة لأن العمل على الأرض هو الأساس وسأعلن عن كل إنجاز يوم تحقيقه. والهدف من ذلك هو تخفيف الطاقات السلبية التي تظهر فجأة لتعوق المشاريع الجيدة. أنا موجودة لتصحيح الأمور للوصول بالأوركسترا الوطنية – سواء كانت شرقية او غربية- الى العالمية وهذا يصب في مصلحة اللبنانيين كافة.
ماذا يلزمنا لتصبح الأوركسترا الوطنية عالمية؟
نعيش اليوم وضعاً صعباً بدءاً من انقطاع التيار الكهربائي وعدم تمكننا من دفع مصاريف المؤسسة ورواتب الأساتذة ناهيك عن خسارة عدد لا بأس به من الموسيقيين الجيدين وهذا بسبب تردّي الوضع المادي عند كثيرين. ولذلك نحن نطمح اليوم الى بناء جيل جديد مثقف موسيقياً والى إعادة النظر بالمناهج التعليمية في المدارس كافة وإدخال الموسيقى إليها، واعطاء الطلاب المتخرجين شهادة البكالوريوس الموسيقية.
من يوم تسلمك للإدارة ماذا تغيّر؟
بدأت الأمور بالتغير منذ تسلمي هذا المنصب. فكان عيد الموسيقى مؤشراً ايجابياً لإحياء برامج موسيقية في المناطق اللبنانية كافة، فكان التفاعل واضحاً بين طلاب المعهد الوطني “الكونسرفاتوار” والأهالي ما يسهم في تطوّر الطالب ودمجه مع المجتمع موسيقياً ووجدانياً. ومن الأشياء التي لفتتني على درج “مار نقولا” الذي شهد انفجار المرفأ، خروج أحد الحضور عن صمته قائلاً: “الموسيقى هي أملنا الوحيد في الحياة وهي هوية لبنان الحقيقية وهي مستقبلنا، توفي أولادنا في انفجار المرفأ وهذه اللحظة الأولى التي نشعر بها بالحياة من جديد”.
تفاجأت بمستوى كونسرفاتوار صيدا. أدى الطلاب مقطوعات على البيانو لـ”تشايكوفسكي” و”رخمانينوف” بجودة عالية، وأيضاً في عاليه أدى الطلاب مجموعة من المعزوفات الشرقية بشكل رائع. ثمة طفل يبلغ من العمر سبعة أعوام أدى مقطوعات لـ”تشايكوفسكي” في صيدا وفي مار نقولا أيضاً، وفي طرابلس تميز الطلاب في عزفهم على الآلات كافة مثل “الفلوت” و”البيانو” وغيرها مشكلين مجموعات موسيقية رائعة. وفي البترون أدى الطلاب مقطوعات شرقية بشكل فردي وجماعي. ثمة من أدّى مقطوعات لـ”باخ” و”فيفالدي” ضمن مجموعة من أربع آلات “كمان”.
انه حدث كبير وله منافع موسيقية واجتماعية عدة، وبات واضحاً لدي المستوى الموسيقي للطلاب وأين يجب تركيز الاهتمام لتطوير هذا القطاع.
هل يتبع “الكونسرفاتوار” الوطني اللبناني لوزارة الثقافة مباشرة أم لوصاية معينة. وهل تلقون الدعم مثلما يجب؟
نحن لسنا مديرية ضمن وزارة بل نحن مؤسسة عامة تابعة لوصاية وزير. فبالمعنى القانوني ليست لدينا علاقة مع الوزارة، يرِد في المرسوم رقم 431 من القانون الذي أقر عام 1995 ما يلي: “المعهد الوطني العالي للموسيقى هو مؤسسة عامة لا تخضع لقانون المؤسسات العامة”. وبالتالي وضع هذا القانون ليكون لـ”الكونسرفاتوار” حريته المعنوية والشخصية والآلية.
أما عن الدعم فوزير الثقافة اليوم الى جانبنا في كل شيء حتى أبعد الحدود، ونحن في تعاون وثيق مع الوزارات كافة، ونعمل على الإستثمار في القطاع الثقافي بالتعاون مع وزارة الإقتصاد، وتنمية الجزء البيداغوجي مع وزارة التربية، ونشر المعرفة الموسيقية في البلاد مع وزارة الثقافة، والتعميم والنشر إعلامياً مع وزارة الإعلام. نحن في تعاون أيضاً مع مؤسسات رسمية وخاصة عربية ودولية لأن الثقافة لا تحدها حدود وعلينا بالانفتاح على الجميع قدر الإمكان لنصل الى ما نطمح إليه، فالتقوقع لا ينفع.
حدّثينا عن المشروع الذي قدّمته الصين لـ”الكونسرفاتوار”!
إنه مشروع عظيم فهو أكبر مشروع لكونسرفاتوار وسيضم أكبر صالات للحفلات في الشرق الأوسط. ثمة صالة للأوركسترا الوطنية وصالة أخرى أصغر للمجموعات الموسيقية الصغيرة، ومبنى تعليمي للدراسات العليا.
أتوجه بالشكر للحكومة الصينية على هذه الهبة الكريمة التي تتيح لنا فرصاً أكبر للتعاون الثقافي مع بلدان وحضارات أخرى. ولطالما كان لبنان مركزاً تجارياً وثقافياً وصلة وصل بين الشرق والغرب، فالتاريخ يعيد نفسه من خلال هذا المبنى ليبرز لبنان من جديد موسيقياً وثقافياً.
كلنا يعلم المصاعب المادية التي يمر بها “الكونسرفاتوار”. هل من آلية لإعادة الهيكلة المالية؟
نحن مؤسسة منتجة منفتحة على البلدان العربية والعالمية كافة. فبالتعاون الموسيقي وتبادل الخبرات نستطيع أن ننقذ “الكونسرفاتوار” مالياً ووضعه على المسار الصحيح. فالآلية لن تكون على أساس إعطائنا الهبات من الخارج وانتظار المساعدات إنما ستكون عبر إعتمادنا على انفسنا.
هل تكترثين للانتقادات وهل من يحارب هبة القوّاص؟
الحرب قائمة وانا على دراية بها ولكن مجلس الإدارة الى جانبي ونحن عائلة حقيقية. أنا هنا للعمل ولن أكترث للمطبّات، فإن همّي الأول تأمين الحياة الكريمة للهيئة التعليمية وللأوركسترا الفيلهارمونية والعربية وللهيئة الإدارية. وهدفي الوصول بالمؤسسة الى العالمية وتعليم الموسيقى ونشرها الى ما وراء البحار بتقنيات متقدمة جداً.
لدي رؤية كاملة وشاملة لمستقبل موسيقي أفضل لـ”الكونسرفاتوار” وللبنان وسأعمل على تطبيقها.