الأجهزة المستفيدة أو الجبانة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
هو ليس بالغبي، ويعرف طبيعة الشعب الذي يحمل جنسيته، ولم ينتمِ يوماً له، ويعرف أن أغلبيته ساذجة! كما يعرف أن الكثير لا همّ لهم غير كسب الأجر، ومن سيحذرهم من خطره وسوء تصرفاته وعدم التبرع له، فإنهم غالباً سيلقون جواباً واحداً وهو أن سيرة من يتبرعون له لا تعنيهم، فهم يقومون بالتبرع بغية كسب الأجر، وإن كان من يجمع أو يتلقى التبرعات شخصاً غير صالح، فعقابه عند رب العباد وليس عندهم.
دلّته غريزته، بعد أكثر من عقدين من العمل في المجال الديني الدعوي، على أن طرق جمع المال من «السذج» لا عد ولا حصر لها، وأنه من المهم عدم المبالغة في الطلب، فقليل مستمر أفضل من كثير متقطع. كما عرف ضرورة إشراك جهات وجمعيات أخرى «خيرية» في ما يجمع، والعمل تحت مظلتها «الدينية»، ومشاركة مسؤوليها في ما يجمع، انطلاقاً من قاعدة «وللقائمين عليها».
نجح في تكوين ثروة كبيرة استثمرها في تركيا والبوسنة، من خلال التبرعات التي جمعها بحجة بناء مساجد ومدارس قرآنية والصرف على أسر فقيرة وطباعة كتب دينية، وحفر آبار، وعشرات الأنشطة الأخرى، التي لم يقدم يوماً دليلاً على أنه قام بتنفيذ شيء منها. كما تعلم من تجاربه أن بإمكانه دائماً فتح باب جديد كلما أغلقت الوزارة باباً في وجهه، أو فرضت رقابة أو شروطاً عليه. وله دائماً وسائله في الدخول لعقول السذج ومنها لجيوبهم، ليجمع ما تيسر من ثروة سهلة المنال، وهذا ما يريده ويهدف إليه. فبعد أن ضاقت الطرق أمامه، وجد أن أفضل الطرق وأسهلها يكمن في «كفالة داعية»، فلا بئر تحفر، ولا كتب تطبع، ولا مساجد تبنى، بل توظيف دعاة غير معروفة جنسياتهم، ولا من أين أتوا، ولا أين ذهبوا، وماذا فعلوا، وهذا مكمن السر في الموضوع، فإن سألته الوزارة أين صرف مبالغ التبرعات التي جمعها، فسيعطيها غالباً أسماء أشخاص من دول آسيوية وأفريقية وصور جوازات سفرهم، وسيرهم الذاتية، وقد تكون كلها مفبركة، ويدعي أنهم انطلقوا في الأرض، وسيذهب بعضهم لكأس العالم في الدوحة، لهداية الناس!
الوضع مؤسف، والجرم واضح، والتلاعب مستمر، ويشاركهم في ذلك مسؤولون صامتون، أو خائفون، فلا أحد في الوزارة المعنية راغب أو بالأحرى قادر على لجم هؤلاء ووقف ألاعيبهم، والسبب أن الأموال التي تجمع بمثل هذه الطرق وتحت هذه المسميات هائلة، ووراءها «مافيات دينية» متنفذة ومخترقة كل أجهزة الدولة!
سنستمر في التحذير من أخطار هؤلاء وتلاعبهم، ونحن نشعر بالأسى لأن أموال «الخير» تذهب لهؤلاء ليزداد ثراؤهم، ولا يتجه جزء منها للجمعيات الخيرية الحقيقية، وما أقلها، ومنها «جمعية الصداقة الإنسانية» التي يتكفل مؤسسوها بتغطية كل مصاريفها، والتي تدار باقتدار من مجموعة من خيرة نساء ورجال هذا الوطن، من دون أن يأخذوا شيئاً لأنفسهم، وكل أعمال الجمعية ومساعداتها التي شملت آلاف المحتاجين يقوم بها فريق صغير مكون من المدير العام للجمعية ومراسل ومحاسب وسكرتيرة، مقارنة بجيوش الأقارب والحزبيين التي تدير غيرها!