الإجابة لم تعد تونس.. هل أنهى قيس سعيّد التجربة الديمقراطية أم أسقط حلم الإخوان؟
بقلم: د.دانييلا القرعان
النشرة الدولية –
قبل 11 عاماً من الآن، وبالتحديد مطلع عام 2011 كانت الثورة التونسية التي عُرفت بثورة الياسمين مثالاً ونموذجاً لكل الشعوب العربية، وكانت عبارة “الإجابة تونس” لا تفارق ألسنة الشباب العربي إعجاباً وتقديراً للثورة التى سرعان ما انتشرت في الكثير من الدول العربية، فيما عرف وقتها بثورات الربيع العربي.
17 تموز 2022, الأحد, 07:48 -العالم والشرق الاوسط
مركز الأخبار – محسن المصري
بمرور الوقت لم تعد “الإجابة تونس” خاصة بعد أن فشلت البلاد فى تحقيق طفرة اقتصادية، كما فشل نظامها السياسي متعدد الأطراف فى تقديم نموذج ملهم لدول المنطقة مع استمرارالأزمات داخل الشارع التونسي.
وفي 25 يوليو 2021، دخلت تونس مرحلة جديدة بعد أن أعلن الرئيس قيس سعيّد في خطاب ـ بثّه التلفزيون الحكومي ـ إنهاء مهام رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل مجلس نواب الشعب، ورفع الحصانة عن نوابه.
قرارات سعيّد أثارت حالة من الجدل واللغط سواء داخل تونس أو خارجها خاصة أن سعيّد جمع كل السلطات في بيده، ودعا إلى استفتاء الكتروني على دستور جديد، ما اعتبره البعض انقلاباً دستورياً على الثورة والتجربة الديمقراطية التى أنتجتها.
فيما اعتبر آخرون أن قرارات سعيّد ساهمت فى إنقاذ الدولة التونسية بعد أن سيطرت حركة النهضة الإخوانية على مقاليد ومفاصل البلاد وفشلت فى تقديم حلول عملية للمشاكل التى يواجهها المواطن التونسي.
منقذ أم ديكتاتور؟
من جانبها، أرجعت الباحثة الأردنية، د. دانييلا القرعان، التحوّل في المشهد التونسي، وفشل التجربة الديمقراطية التي أنتجتها الثورة، إلى أنه قبل أن يقطف التونسيون نتاج ثورتهم بدأت الأزمات تتكدس لديهم، وصولاً إلى مشكلة سياسية بالغة التعقيد نتج عنها انقلاب عكسي قامت به الرئاسة على الحكومة والبرلمان والقضاء مرة واحدة.
وأوضحت فى تصريح خاص لوكالتنا، أن الكل يعلم كيف عاد قياديو حركة النهضة واعتلوا الحكم بتحالفهم مع أعداء الأمس، وبدلاً من محوهم لصورة النظام السابق من الأذهان، أعادوا إنتاج النظام السابق، وانخرطوا مع طبقة كانت تمثلهم وغاصوا في العجلة الاقتصادية والسياسية؛ لتصبح السيطرة للطبقة السابقة مع إضافة الإسلاميين؛ كون الحركة أصبحت الدولة وتستفيد من الامتيازات دون أن تقدم “النهضة” مشروعاً واضحاً لحل مشاكل البلاد وأزمات المواطن.
وأشارت إلى أن الرئيس قيس سعيّد تقمّص دور المنقذ وأعلن إجراءات استثنائية أوصدت الباب أمام خصومه، وأصبح الحاكم بأمره كما يقول خصومه، وعادى بذلك الأحزاب والمؤسسات والمنظمات.
وبحسب الباحثة المتخصصة فى العلوم السياسية، فإنه سواء أخذنا بتبرير قيس سعيّد أنه جاء لينقذ الدولة من الانهيار أو برأي معارضوه بأنه انقلاب على الدستور. فإن الواقع أن التجربة الديمقراطية فشلت فى تونس، فلا برلمان قائم، والحكومة تأتمر بأمر الرئيس، والقضاء معطل، والجميع ينادي بعودة المسار الدستوري. بالمقابل، وضع رئيس الجمهورية خريطة طريق تبدأ باستشارة الكترونية ثم استفتاء على الدستور فانتخابات تشريعية.
وختمت القرعان تصريحاتها بالقول إن الشعب التونسي نفسه لم يعد يعلم هل من يحكمه هو الديكتاتور فعلاً أم المنقذ الحقيقي له؟ خاصة فى ظل تصاعد وجود خلافات قوية داخل الشارع السياسي. فضلاً عن أزمات اقتصادية كبيرة يدفع ثمنها المواطن العادي.
اجتثاث الإخوان
من جانبه، اعتبر الكاتب التونسي نزار الجليدي، أن تونس بعد 25 يوليو تسير نحو مسار جديد ومرحلة مختلفة بعد 10 سنوات عجاف.
وأشار فى تصريح خاص لوكالتنا، إلى أن كل الذين عوّلوا على النظام البرلماني الذي أسسه الإخوان فشلوا؛ لأن هذا النظام كان بثلاث رؤؤس ولم ينجح فى تقديم أي إنجاز بل كفل للإخوان التمدد فى الدولة وغرس مخالبه كسرطان مخيّب لآمال الشعب التونسي.
كما أن البلاد عانت، خلال فترة حكم النهضة، من أكذوبة تدشين مسار ديمقراطي جديد. حيث لم يؤسس الإخوان سوى دستور ضعيف جداً، وفيه مطبات كبيرة منحت الحركة حق التمدد فى الدولة من خلال القيام بالعديد من التعيينات فى صلب المؤسسات الحكومية، فضلاً عن ارتهان الدولة للمديونية وفتح الباب مع البنك الدولي وتسفير الشباب التونسي للجهاد في سوريا.
وبحسب الجليدي، فإن النظام الرئاسي هو الأفضل والأكثر ملائمة للشعب التونسي، خاصة أن النظام الرئاسي يتحمّل فيه الرئيس كل التبعات ويقوم على تنفيذ مشروعه السياسي واستراتيجيته الخاصة بنفسه.
كما أن الشعب التونسي عاش أكثر من 50 سنة فى دولة ما بعد الاستقلال فى ظل النظام الرئاسي، معتبراً أن الأنظمة الرئاسية ليست ديكتاتورية كما يروج البعض بدليل أن كثير من الدول الأوروبية يحكمها النظام الرئاسي.
وأشار إلى أن تونس تعيش مرحلة مسار اجتثاث الإخوان ومحاسبة قيادات التنظيم عن جرائمهم، لافتاً إلى أن البداية ستكون بمحاكمة راشد الغنوشي فى الـ 20 من الشهر الجاري.
دولة ونظامين للحكم
ويرى مصطفى صلاح، الباحث المصري فى العلاقات الدولية، أن الوضع في تونس قبل ٢٥ يوليو كان بمثابة دولة واحدة ونظامين للحكم وهو ما ساهم في ضرورة تفكيك هذه المعضلة بتحديد طبيعة مسار واضح، لافتاً إلى أن الدستور ينص على طبيعة نظام الحكم، بعيداً عن تنازع الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
واعتبر الباحث فى تصريح خاص لوكالتنا، أن اتجاه الرئيس التونسي قيس سعيّد نحو تعزيز صلاحيات مؤسسة الرئاسة والسلطة التنفيذية يكشف عن رؤية مختلفة للتحولات التي تشهدها تونس خاصة بعد فشل حركة النهضة في استعادة الزخم الشعبي متأثرة بتراجع قدرات جماعة الإخوان في كثير من دول المنطقة.
ولفت إلى أن اتساع دائرة المعارضة المدنية للتعديلات الدستورية لا يعني بالضرورة رفضها بالكامل، وإن كان هناك بعض المخاوف من استحواذ السلطة التنفيذية على مجريات الأوضاع، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات أصبحت ضرورية للخروج من حالة الانسداد السياسي الداخلي وتهيئة النظام التونسي للتعامل مع المشكلات الداخلية والخارجية، وهو ما دفع بسعيّد نحو تكثيف حواراته مع المعارضين لهذه التعديلات وتوضيح دوافعه ونتائجها المستقبلية.
وبحسب الباحث، فإن أنظار الشعب التونسي ستتجه نحو مراقبة سياسات سعيّد ومدى قدرته على الخروج من هذه الأزمة باعتباره من سيتحمّل المسئولية الكاملة عن إدارة هذه المرحلة الانتقالية سواء كان بتثبيت أركان هذا النظام أو تعديله وهو ما قد يمثل عاملاً مهماً في تعزيز الرقابة الشعبية على اتجاهات سعيّد السياسية.
وفيما يتعلق بحركة النهضة، يتوقع الباحث أن تحاول تقييد حركة النظام واستغلال الإخفاقات حال حدوثها لإعادة إنتاج نفسها من جديد داخل المجتمع التونسي، خاصة بعدما لم تستحوذ على ثقة الشعب فيما يتعلق بقدرتها على أن تكون البديل الأكثر قدرة على إدارة هذه المرحلة. فنظرة المجتمع التونسي للحركة تتجسّد في اعتبارها جزءاً كبيراً من المشكلة التي آلت إليها تونس.
ومن المحتمل أن يتسبب تمرير هذه التعديلات في تعزيز قدرة تونس على المضي قدماً في التفاوض مع مؤسسات التمويل الدولي وتعزيز الاستثمارات الخارجية خاصة. وأن السبب الرئيس وراء حدوث هذه الأزمة يتجسد في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، بحسب رأيه.