خطة باسيل لبقاء الرئيس عون في بعبدا، ومشهد التعطيل الرئاسي سيتكرر!
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
الثائر –
١- حصاد بايدن من جولته في المنطقة
غادر الرئيس الأمريكي جو بايدن الشرق الأوسط، دون تحقيق اختراقات كبرى في عدة ملفات، تكاد تُلهب المنطقة في أي لحظة. فمحطته الأولى في القدس نعت مبادرات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وجاء كلامه عن التمسّك بحل الدولتين، بمثابة رفع العتب لا أكثر، وكان واضحاً أن ليس لديه أي مبادرة أو مساعٍ جدّية بهذا الخصوص، وبالتالي فإن التوتر والصدامات اليومية في الأراضي الفلسطينية المحتلة باقية على حالها.
أما في السعودية، فبعد الاستقبال الفاتر لرئيس أمريكا العظمى، وسلام القبضات بدل المصافحة ( وفق نصيحة مستشار البيت الأبيض للرئيس بايدن، الذي تعهد سابقاً بعدم مصافحة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان) لم يحصل الأمريكي على ما أراد، وكان الإعلان عن فتح الأجواء السعودية لعبور الطيران المدني الإسرائيلي، مجرد علبة هدايا فارغة لبايدن، كونه في الحقيقة مرتبط بموضوع نقل السيادة على جزيرتي “تيران” و “صنافير” من مصر إلى السعودية، وتم الاتفاق عليه سابقاً، وكان ضرورياً لإكمال الاتفاق، كون مصر مرتبطة باتفاق سلام مع إسرائيل، ولا يمكن إغلاق مدخل البحر الأحمر أمامها.
أما زيادة المملكة العربيةالسعودية إنتاجها من النفط، مليوني برميل يومياً، فهي مجرد وعد لن يتم البدء بتنفيذه قبل التفاهم مع الشركاء في منظمة “أوبك” وهذا كان واضحاً في الاتصال الذي جرى منذ يومين، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وحتى في حال تم تنفيذه، فهو لن يحل مشكلة أوروبا، ولن يغنيها عن حاجتها إلى النفط والغاز الروسيين.
والأهم أن الزيارة لم تحقق خرقاً في الملف الإيراني، الذي ما زال عالقاً، إن لجهة المفاوضات النووية ومحاولة تطمين دول الخليج العربي في موضوع العودة إلى هذا الاتفاق، أو لجهة معالجة التدخل الإيراني في عدة دول عربية، خاصة في اليمن، أم لجهة إنشاء تحالف عسكري إقليمي ضد إيران، والذي رفضته الدول العربية التي شاركت في القمة.
هذا واستضافت طهران قمة مع روسيا وتركيا، وتم بحث الملف السوري، في إشارة واضحة إلى خطة جديدة لتقاسم النفوذ في العالم، سيتم اتضاح معالمها بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا، وكذلك خطة التعاون الاقتصادي، ويبدو أن طهران ستُشكّل قريباً، ممراً آمناً للنفط الروسي باتجاه بومباي.
٢-المشكلة اللبنانية
في الخلاصة غاب لبنان عن قمة السعودية، وما تم إرساله من إشارات لا يمكن وضعه في خانة الاتفاق على مساعدة لبنان، بل شكّلت مسودة شروط، تضع لبنان خارج أي مبادرة إنقاذ أو تسوية دولية الآن.
في لبنان الكل ينتظر!!! حتى داخلياً.
فإن الرئيس ميقاتي المكلّف تشكيل حكومة جديدة، بات واضحاً أنه لا يريد تقديم تنازلات، وليس هناك من أحد راغب بإعطاء الرئيس عون هدايا في الأشهر الثلاث المتبقية من عهده، والرئيس ميقاتي الذي كُلف بأصوات أقل من نصف عدد أعضاء المجلس، لا ينوي المغامرة والذهاب بتشكيلة، قد لا تنال ثقة المجلس النيابي، كما أنه غير قادر وغير راغب بتلبية مطالب رئيس التيار الوطني الحر، في الحكومة المنتظرة.
٣- خطة باسيل
حاول باسيل أن يضغط على ميقاتي لفرض شروطه، فلوّح باستقالة وزرائه من الحكومة، لكنه اصطدم بعقبة عدم دستورية الخطوة، فالحكومة تم تكليفها بتصريف الأعمال وباتت بحكم المستقيلة أصلاً، بعد أن تم إجراء الانتخابات النيابية، وبالتالي فإن الوزراء مجبرون على تصريف أعمال وزاراتهم، وفق نظرية استمرار المرفق العام وعدم جواز تعطيله، وبالتالي فإن استنكاف الوزراء عن القيام بواجباتهم، يجعلهم عرضة للمحاسبة القضائية، بتهمة الإهمال والتقصير في الواجب الوظيفي، لكن يبقى حق اعتكاف الوزراء، وطلب الإعفاء من تصريف الأعمال، الذي يمكن أن يتقدموا به إلى رئيس الجمهورية وارداً .
يجري البحث الحثيث في دوائر قصر بعبدا، عن فتاوى وبدائل عن تسليم صلاحيات الرئيس لحكومة نجيب ميقاتي، في حال حدوث شغور رئاسي، فالدستور ينص في المادة 62 على: في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، تناط صلاحیات رئیس الجمهوریة وكالةً بمجلس الوزراء.
طرح البعض أن يسلم الرئيس عون السلطة إلى المجلس الأعلى للدفاع، لكن في هذا الطرح ثلاث مخاطر ؛ الأولى أنه مخالف لنصوص الدستور، والثانية أن رئيس الحكومة هو من سيرأس المجلس الأعلى للدفاع في حال غياب رئيس الجمهورية، والثالثة أنه لا يوجد ميثاقية في المجلس الأعلى للدفاع، بحيث يغيب عنه التمثيل الدرزي.
الطرح الثاني هو ان يكلّف الرئيس عون المجلس الدستوري بإدارة البلاد، إلى حين انتخاب رئيس، لكن هذا الطرح لا يمكن أن يمر طبعاً، أولاً لمخالفته لنصوص الدستور، وثانياً لإمكانية الفرقاء الآخرين على تعطيل اجتماعات هذا المجلس.
لهذه الأسباب يعود ويتقدم طرح سحب وزراء التيار الوطني الحر من الحكومة، بطريقة تقديمهم طلب إعفاء من مهام تصريف الأعمال، إلى رئيس الجمهورية، عندها سيعمد رئيسا الجمهورية والحكومة إلى تكليف وزراء بدلاً عنهم، للقيام بتصريف أعمال هذه الوزارات، لكن الحكومة في هذه الحالة ستفقد ميثاقيتها، وبالتالي لن يقبل الرئيس عون بتسليم السلطة إلى حكومة لا تتمتع بالميثاقية، ولا يوجد فيها مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وبهذه الحجة يمكن أن يستمر الرئيس عون بتسيير شؤون الرئاسة، حتى انتخاب رئيس جديد، أو حتى تشكيل حكوم مكتملة المواصفات والصلاحيات .
٤- التعطيل وإمكانية التوافق
حتى الآن لا يوجد بحث جدي في مسألة انتخاب رئيس جديد للبلاد، ولا شيء يوحي بوجود توافق حول شخصية الرئيس المقبل، ولا يملك أي طرف الأكثرية في مجلس النواب، لفرض مرشحه بالطرق الديمقراطية. وحتى لو رشّح جبران باسيل، منافسه سليمان فرنجية، فهذا سيصطدم بفيتو داخلي وخارجي، باعتبار أن فرنجية هو مرشح إيران وحزب الله والنظام السوري، وبالتالي فإن انتخابه يحتاج إلى تسوية خارجية أولاً، وتأييد بعض النواب الوسطيين في الداخل، خاصة كتلة اللقاء الديمقراطي التي ما زالت متريّثة، وكان وليد جنبلاط قد أعطى إشارة، بتفضيله شخصية حيادية ورفضه لباسيل و فرنجية.
ولهذه الأسباب فإننا على الأغلب، ذاهبون إلى لغة التعطيل المتبادل، وقد لا يتم انتخاب رئيس في الموعد المحدد، وعندها سيكون سيناريو بقاء الرئيس عون في بعبدا وارداً جداً.
في هذا الجو الملبد والقاتم، هناك إشارة جيدة وحيدة، تمثّلت بتخلي القوات اللبنانية، ولو ظاهرياً، عن ترشيح رئيسها سمير جعجع، ودعمها وصول قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يحظى بشعبية جيدة، وكذلك يتوافر له دعم دولي، خاصة أمريكي، وأوروبي، ومصري وحتى خليجي، وإذا أضفنا ذلك إلى موافقة أمل والأشتراكي والنواب التغيريين والمستقلين، على انتخابه، سيكون هو المرشّح الأوفر حظاً للوصول إلى بعبدا، وربما أكثر المرشحين قدرة على قيادة مرحلة إنقاذ لبنان، ووضعه على طريق التعافي من جديد.
لكن هذا لا يعني أن الأمر بات محسوماً ، فالمعركة ما زالت في بدايتها، والطامحون كُثر، وأجواء التوافق لم تنضج بعد، لا داخلياً ولا خارجياً، ولا حتى ظروف المعركة الديمقراطية متوافرة، بل ما زال خيار التعطيل هو الأكثر احتمالاً، ومع انتهاء ولاية الرئيس عون قد يجد الجميع أنفسهم داخل الحلبة، في مواجهة خيارات صعبة، تتدرج من أقصى احتمالات الفوضى والانهيار الشامل والحرب، إلى مطالبات البعض بالتقسيم و اللامركزية الموسّعة، وإلى طروحات البحث عن صيغة جديدة للحكم، أو العودة إلى قليل من العقلانية والحوار، والتوافق على شخصية محايدة لانتخابه رئيساً للبلاد.