نسأل الله له ولكل مريض الشفاء وطول العمر

كتب الدكتور سمير محمد ايوب

أبو أحمد – يوسف الخواجا  –

النشرة الدولية –

ذلك المساء التموزي، كنت أشعر باختناق لا أدري له سببا بيِّناً، اعتذرت من الساهرين،  وذهبت بشعوري المختنق الى فراشي لاتأمله من قريب. وحين صحوت كعادتي على صياح ديك الجيران، كانت الساعة تقارب الخامسة، تلصصت سريعا على الشمس وهي تغادر مخدعها، أجبرتني الحرارة الاستثنائية في صياح الديك على تنحية ما تبقى بي من نوم، والبدء في إعادة ترتيب واجباتي التائهة والمشوشة في الصباح المبكر.

https://scontent.famm6-1.fna.fbcdn.net/v/t39.30808-6/295286814_5379757745441321_4872278558367196431_n.jpg?_nc_cat=101&ccb=1-7&_nc_sid=730e14&_nc_eui2=AeEvLkB56BplN7KcWzmbsO90Bie0GEGwVgUGJ7QYQbBWBbipncraH9e_6QQDHi_KGqfb2WZrpaV3CDfjuPVUn_xD&_nc_ohc=gIIpmdZWkh8AX8yVFwd&_nc_ht=scontent.famm6-1.fna&oh=00_AT9NYICzvRUIKA0sU7zJQww97-DsPHO1Kf3bIT5MLjz_Eg&oe=62E2BB49

وما أن انهيت طاسة قهوتي، كنت ابحث عن مكان اخلو فيه مع شوقي وحنيني ومع اشياء كثيرة تبكيني رغما عني. وفي محاولة لاستعادة شيء كان في لحظة غياب، يشبه كثيرا بعض ملامح من اختطفهم القدر ممن نحب، وبقلب حزين خائف من الحياة مسكونا برائحة شوق مناد، قادتني قدماي الى حيث يمكنني البكاء دون ان يراني كثيرون، الى  قبر صغير في مقبرة كل قبر فيها لا يشبه اي قبر آخر. ما ان احتضنته موشوشا حتى سرى الدفء في حجارته،  وما أن أنخت رأسي فوقه حتى سالت دموعي ترويه وتخفف من قسوة شمس تموز الصباحية.

سمعت صوتا هاتفا من تضاريس القبر يقول: قم واقفا يا ولدي وتعال معي الى اخ لك لم يلده رحمي، تعجبت من يكون، ادركت حيرتي فعاجلتني قائله إنه أبو أحمد يوسف الخواجا، رجل لا شيء يشبهه ولا احد، من ذوي العزم الذين لا يمكن الا ان يؤخذوا على محمل الجد، يحمل جديته اينما حل، مبتعدا عن كل من في قلبه غل او خبث أو حقد،  او ذرة من كبراو تعنت. يحزنني يا ولدي مرضه يحزنني على نحو مضاعف فالرجل قروي يجسد اخلاق القرية

ذاك الصباح والساعة تقترب من الظهيرة، عدت من مقبرة الهاشمية متحاشيا التحديق مطولا في أحد او في ملامح حواف الطريق، لان سكينة المقبرة تتنافى مع حضور تفاصيل الطرق الرئيسة والفرعية الى عمان حيث يقيم يوسف الخواجا.

وجدته كما وصفته المرحومة امي خيرية موسى ايوب، يلملم اوجاعه التي لا تهجره منذ سنين بصمت الفرسان المؤمنين يحتمي منها بصبر الانبياء وصبر رفيقة دربه وحواضنه من المحبين ليظهر كالبدر. يأخذ حصته من الوجع بصمت نبيل، يأوي الى آه مقموعة فرارا من سفالة الالم، ويداري دمعة مكسورة لا يجبر خاطرها الف فرح، بدمعة أخرى متمردة في النفس.

يوسف يا من بنيت لك عشا في قلب كل من عرفك وقاسمك نبض الحياة واحلامها المبتورة او المصادرة او المغتالة ، منذ عرفتك يافعا تدرج في حارات شويكة وانت تستوطن قرب عقلي ، ام سمير تقرؤك السلام وتصلي وتدعو الله لك ولامثالك.

وتؤكد لك بأن الابطال فقط،  وهم يحرسون الحياة لا اشباه الحياة ويطعموننا الكثير من الحب النظيف،  هم من يعرفون ان أسوأ ما في فلول الالم، انه مؤلم يهيلون عليه الكثير من صبرهم ولا يتوقفون.

من اعتاد الوجع السيء جدا، يضحك وفي قلبه مجلس عزاء،  ويقول وهو يضم راحتي بين يديه،  ابلغ والدتنا  ام سمير يرحمها الله ، لم يعد هناك شيء يا صديقي يستحق الحزن، وإن ما زال الكثير مما يستحق الفرح.

زر الذهاب إلى الأعلى