انتخابات الرئاسة اللبنانية في كاريش
بقلم: طوني فرنسيس

تصعيد "حزب الله" في سبتمبر مقدمة لفرض مرشحه المقبل

النشرة الدولية –

موعدان أساسيان أمام لبنان خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. الموعدان لا يبدوان مرتبطين من حيث الشكل، لكنهما في الواقع شديدا الارتباط بحيث يمكن أن يتحكم أحدهما بالآخر في سياق عملية واحدة يخوضها الطرف المسلح في لبنان بصفته المحلية وبارتباطه العضوي بإيران .

يفصل بين الموعدين أسابيع قليلة. في بداية سبتمبر (أيلول) المقبل يفترض أن يُحسم موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول)  تنتهي ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، ليتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية .

في المسألتين ينخرط “حزب الله” بقوة. هو طرح نفسه من خارج الدولة ومن داخلها مفاوضاً ومحدداً لسقف التفاوض مع إسرائيل، وفي خطاب أخير هدد أمينه العام حسن نصرالله بالحرب ضد إسرائيل على خلفية الخلافات البحرية، ولا ينفصل خطابه هذا عن محاولته تحسين تموضعه والقيام بمهمته كجزء من محور إيران في المواجهة مع أميركا و”عودتها” المتجددة إلى المنطقة، واستعداداً لحسم اسم الرئيس المقبل  ليكون شبيهاً بالرئيس ميشال عون فيكمل دعمه مشاريع الحزب والدفاع عنها من الموقع الأول في الدولة، ما يوفر استكمال الهيمنة على البلاد وجعلها منصةً محسومة للنفوذ الإيراني في شرق المتوسط.

وتلتقي إسرائيل مع “حزب الله” في خطابه الحربي. فهي تهدد باستمرار بشن حرب ضد الحزب تسفر عن تدمير لا سابق له، وتتشابه تهديداتها في وجوه كثيرة مع تهديدات إيران لها بالقضاء عليها في سبع دقائق.

في تقرير المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل يوم الجمعة الماضي قال إن مخاطر التصعيد مع “حزب الله” كبيرة، والانطباع بعد مباحثات الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين مع الجانب الإسرائيلي هو أن المفاوضات بشأن الحدود البحرية اللبنانية – الإسرائيلية وصلت إلى ” طريق مسدود”.

لا يتوقع التقرير الإسرائيلي أن يخفف نصرالله من تصريحاته ضد إسرائيل، ويشير إلى أن مسؤولين في سوق الطاقة الإسرائيلية يبحثون “بهدوء” عن بدائل للتنقيب في حقل غاز كاريش، الذي كان مقرراً أن يبدأ في سبتمبر المقبل، تحسباً من عرقلة عملية التنقيب.

وينقل التقرير عن ضابط في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قوله إن “صورة الوضع باتت أكثر تعقيداً أخيراً” على الرغم من أن نصرالله “مرتدع ” .

ويرى ضباط أن “نصرالله يلعب لعبة مدروسة” وهو “يحاول ابتزاز تنازلات يسجلها لصالحه الجمهور اللبناني الذي يرزح تحت النقص بإمدادات الكهرباء والماء”.

ويلفت التقرير في فقرة أخرى أنه بعد حرب 2006  سحبت إيران “من نصرالله صلاحية اتخاذ القرار منفرداً، كي لا يورطها مرة أخرى في مواجهة لا تتلاءم مع مصالحها الاستراتيجية” مع أنه “يصعب تقدير ما الذي تريده إيران هذه المرة”.

في التقديرات الإسرائيلية أكثر من نقطة مهمة. فإسرائيل قد لا تستكمل إجراءات التنقيب في كاريش من دون التوصل إلى اتفاق مع لبنان، وسيكون ذلك بمعنى ما رضوخاً لتهديدات “حزب الله” وفي حال تم التوصل إلى اتفاق من دون التنقيب في كاريش سيقال أيضاً أن الحزب هو صاحب الفضل في هذه النتيجة .

كل ذلك سيطرح جملة أسئلة حول المفاوضات نفسها، وحقيقة الموقف والأهداف الإسرائيلية والدور الفعلي للوسيط الأميركي. فعدم الوصول إلى اتفاق سيبقي الصعوبات قائمة أمام إمكانية تنقيب لبنان في مياهه نتيجة تردد الشركات العالمية في العمل ضمن مناطق النزاعات.

واكتفاء إسرائيل بالابتعاد عن بعض نقاط كاريش لن يكون إحقاقاً للحق اللبناني إذا لم يترافق مع اتفاق موقع مع الدولة اللبنانية، وانسحاب الولايات المتحدة من وساطتها سيفسر لدى خصومها بوصفه هزيمة من سلسلة هزائم تطالها في المنطقة. وفي الخلاصة سيخرج “حزب الله” من شهر سبتمبر المقبل، في ما لو صحت التقديرات الإسرائيلية أقوى بما لا يقاس في ساحة المزايدات الداخلية بوصفه المتصدي لأطماع الدولة العبرية، لينصرف إلى خوض معركته الثانية وفرض رئيس جديد للجمهورية يخلف عون ويستكمل “مسيرته”.

لم تتضح بعد ملامح كاملة للانتخابات الرئاسية المقبلة، واستناداً إلى التجربة السابقة يمكن توقع احتمال تكرار تجربة الفراغ الطويل التي سبقت “انتخاب”ميشال عون رئيساً بوصفه المرشح الوحيد .

كان “حزب الله” اللاعب الرئيس في تلك التجربة، وعلى الرغم من أن خصومه كانوا يتمتعون بحد أدنى من التماسك، فقد تمكن من استدراجهم إلى مشروعه ليضع يده في النهاية على المؤسسات الدستورية الرئيسة مباشرة أو بأساليب الحصار والابتزاز .

باتت رئاسة الجمهورية بعد رئاسة المجلس النيابي في منطقة نفوذ نصرالله وانقادت رئاسة الحكومة تدريجاً إلى الدائرة الخاصة بالحزب عبر سلسلة من المناورات التي رافقت عمليات التكليف والتأليف وممارسة الصلاحيات .

في موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة لن نتوقع سلوكاً مختلفاً، والحزب الذي سيخرج حسب التحليلات والمعطيات الإسرائيلية “منتصراً” من موقعة أيلول البحرية في كاريش، سيكون أكثر ثقة بمحاولته تسجيل انتصار على بقية اللبنانيين في موقعة اختيار رئيسهم الجديد في نهاية أكتوبر المقبل.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى