غرندايزر المنقذ الوحيد لبيروت يستعرض قوته في صالة براق نعماني
العودة إلى الطفولة تؤكد أن الخير يمكن أن ينقذ الشعوب من الهلاك
النشرة الدولية
العرب – ميموزا العراوي –
لطالما شاهدنا في طفولتنا أعمالا كرتونية يفوز فيها الخير على الشر، ورافقنا أبطالها في بقية الحياة، فكنا نستذكرهم من حين إلى آخر كنوع من الحنين إلى الماضي، وربما أيضا كاقتباس يؤكد لنا أن الأمل في غد أفضل مازال قائما. وغرندايزر واحد من أبطال الكرتون الذين أحببناهم في الماضي، وهو يحضر اليوم في معرض تشكيلي ليكون المنقذ الوحيد لبيروت.
“عليّ عليّ بطل فليد هيا طرّ يا غرندايزر/ عدوك فاحذر/سلح نفسك/ ناضل للدفاع/لأجل سلام فوق الأرض في كل الأصقاع “كافح شرا/ حطم مكرا فالخطر كبير..”، ما من أحد من جيل التسعينات في الوطن العربي بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص لا يعرف أن هذه الكلمات هي مقدمة شارة المسلسل الكرتوني الشهير “غرندايزر” المُغناة بصوت الفنان اللبناني الراحل مؤخرا سامي كلارك.
و ما من أحد من ذاك الجيل والعديد من هذا الجيل اليافع، الذي تعّرف على “البطل غرندايزر” من خلال محبة وذاكرة أهله الذين حرصوا على متابعة حلقات المسلسل في عزّ أيام الحرب اللبنانية، إلا وسيسعد أو يبتسم بمجرد علمه بأن هناك معرضا فنيا يُقام في صالة براق نعماني الفنية في بيروت عنوانه وموضوعه “غرندايزر منقذ بيروت”. افتتح المعرض في الرابع عشر من شهر يوليو الحالي ويستمر حتى التاسع عشر من أغسطس القادم.يضم المعرض الذي يقدمه الفنان اللبناني جوزيف رحيّم عدة أعمال بأحجام متوسطة وكبيرة، إضافة إلى مجسم للبطل “غرندايزر” وهو يقف ثابتا في أرض الصالة البيروتية.
أخبرنا صاحب الصالة براق نعماني الذي بلور مساحة صالته الضيقة لتكون مكانا مناسبا لعرض أعمال بكل الأحجام، أن فكرة المعرض جاءت عن طريق الصدفة. يقول إنه في أحد الأيام وفي جلسة مع أصدقاء ومن بينهم الفنان اللبناني جوزيف رحيّم، دار الحديث حول الوضع اللبناني المتدهور الذي وصفه اللبنانيون بأنه “زمن الانهيار”، وأن أكثر ما يعاني من آثار هذا الانهيار الذي لا تبدو له أي نهاية هو العاصمة بيروت. ومن فكرة إلى فكرة، خلص الحديث إلى أن بيروت بحاجة ماسة إلى “غرندايزر” الذي وحده، في ظل هذا الكم من الدمار على جميع الأصعدة، يستطيع أن ينقذ بيروت من كل ما تعانيه من مصائب متراكمة وأزمات لا تنتهي، بل تتوالد من بعضها البعض.
ويقول براق نعماني “هكذا ولدت الفكرة وبدأ عمل الفنان جوزيف رحيّم بدفع كبير من الحماس”.
ويجدر القول وباختصار شديد أن “غرندايزر” هو سلسلة كرتونية يابانية أنتجت سنة 1976. لم تلق نجاحا كبيرا في اليابان، ولكن للمفارقة وجدت شهرة كبيرة جدا في الدول العربية لاسيما في لبنان. وبدأ عرض البرنامج بعد أن تمت دبلجته بمستوى حرفي جيد جدا في بداية الثمانينات، أي في عزّ الحرب اللبنانية. وكونه أطلق في هذه الفترة الحرجة من تاريخ لبنان، تسهل على أي متأمل في أهمية هذا المسلسل مهمة إدراك أثره المستمر حتى الآن في نفوس من تابعه عند عرضه لأول مرة، وعند من استحصل على حلقات مسجلة لمتابعة هذا المسلسل الأسطورة.
فكرة المسلسل الأساسية مبنية على الصراع ما بين الشر المطلق والخير، والأهم من ذلك، هو الصراع ما بين الفرد المطرود من نعيمه بسب شر فتاك هجم بكل قوته وتفاصيله كالإعصار المدمر.
ويجدر القول هنا، ومن تجربة شخصية، أننا كنا صغارا ننتظر بداية المسلسل كمن ينتظر مخلصا تتخطى قوته سحريا حدود الحلقات لتطول حاضرنا المهدد يوميا. ولا يزال سماع أغنية الشارة يعيد للذكريات بريقها ويعطي لأيامنا الحاضرة جزءا من بريق خفت حتى التلاشي.
واليوم يقدم الفنان جوزيف رحيّم مجموعة غنية من اللوحات جاءت تماما من ذاكرة فنان “عايش” البطل وواكب بطولاته التي أرست الإنقاذ لاسيما في اللحظات الأخيرة. ويظهر ذلك جليا حين رسم الفنان مشاهد من بطولات غرندايزر وهو في عزّ إنجازاته ومعاركه.
جاءت الأعمال، المشغولة بإتقان وشغف واضح جدا، أشبه بسيرة لأوج لحظات البطل العميق بأثره والجميل بكمّ الخير الذي يحمله داخله. حضر البطل ليحتل الجزء الأكبر من مساحة اللوحات وعُيّب الشر الذي وقف ضده فأضعف جبروته أمام عظمة وشجاعة غرندايزر، بطل كوكب “فليد” الذي اضطر إلى مغادرته بعد أن اجتاحه الشرير فيغا الكبير القائد الفضائي الذي يسكن في سفينته الفضائية في الفضاء الخارجي، ويهدف إلى السيطرة على جميع الكواكب ومن ضمنها كوكب الأرض.
لم تكن هذه أول مرة نرى فيها غرندايزر يولد من جديد في الفنون اللبنانية، فقد قدم فريق “أشكمان” اللبناني أعمال غرافيتي ذات نكهة لبنانية رسمها على العديد من جدران بيروت، ومن تلك الأعمال رسم عنوانه “لن يموت شعب لديه غرندايزر”. وقد أوضح فريق “أشكمان” في أكثر من مناسبة أنه “في منطقة مليئة بالطغاة، الدكتاتوريات، الحروب والفساد، لا يؤمن الشعب بقادته ويبحث دائما عن الأمل. البطل الوحيد الذي سينقذ هذا الشعب هو غرندايزر، بطل الشعب بلا منازع”.
هو الحال ذاته في أعمال الفنان جوزيف رحيّم التي جاءت أكثر غنا لونيا وتشكيليا لأنها لوحات وليست رسومات على جدران المدينة. والجميل في لوحات الفنان هو تلك الخطوط السوداء الرمادية، التي تشبه المخربشات والتي نراها على الجدران، التي أعطت زخما للوحات وضاعفت من قوة المشاهد التي تصور دفاعا عن الذات وعن الوطن في آن واحد. وقد برع الفنان في استثمارها إذا صح التعبير بشكل لا تشوش فيه على المشاهد المرسومة، بل تعمق من حيويتها وبالتالي من أثرها في نفس المشاهد.
عودة غرندايز اليوم هي الأعظم أثرا، ليس فقط لأنه يقاتل كي ينقذ بيروت من المجرمين الذين لم يغزوها من الفضاء الخارجي، إنما من صلبها، بل أيضا لأنها نوع من العودة إلى الطفولة ويقينها بأن ثمة سحرا خيّرا يريد ويستطيع أن ينقذنا من الانهيار التام حين عجزت كل القوى الأخرى، هذا إن هي حضرت فعلا وأرادت الإنقاذ.