شباب الطاقة وشباب الخبرة
بقلم: رلى السماعين
النشرة الدولية –
نعيش حاضراً جديداً بكل معنى الكلمة، قواعده وثوابته ومتطلباته مختلفة تماماً عن العصور السالفة، ولغاية هذه اللحظة لم يُحدد اسم معين لهذا العصر ، هناك من اسماه عصر التطور، وهناك من أطلق عليه اسم عصر الخيال الرقمي، وأحياناً أُفضل وصفه بعصر الجهل، ولكن اتفق مع الذين يعطون عصرنا مُسمى العصر التكنولوجي أو عصر الخيال العلمي التكنولوجي، لان كل أمر في هذه الحياة تحول إلى رقم حتى الانسان نفسه بات يُعرف عليه بالرقم أكثر من الكنية.
اليوم الاهتمام العالمي والاجتماعي والسياسي منصبٌ على الشباب، وبات من المحبذ بل من الضرورة ادماجهم ومشاركتهم الفعّالة في السياسة.
مما جعلني أتساءل من هم الشباب الذين نرغب في ابرازهم ؟ ما تعريف الشباب أصلاً ؟
نحن البشر نحصد على الدوام ثمار أفكارنا، وكما قال أينشتاين نحن واقعون تحت تأثير عاداتنا الفكرية، وأضيف على ما قاله بأننا واقعون تحت تأثير ما يُملى علينا من دون ادراك أحياناً.
الفكر الذي يتم الترويج له عالمياً مؤخراً ، هو أن العالم الرقمي الحديث هو لصغار السن، لان التكنولوجيا الثورية التي نعيشها والتي تعمل على برمجة أفكارنا وتقودها، يحتكرها من يروج لهذه الفكرة الثورية، وهكذا أفكار ما هي الا فخ لا نريد الوقوع به.
قناعتي هي، وهو ما ينطقه المنطق، بأن الشباب هو شباب الفكر والمنطق، وينقسمون الى قسمين: شباب الطاقة والحماس والافكار الحديثة والجريئة المطعمة بالعلم، والقسم الاخر هم شباب الخبرة والعلم والمعرفة والتجربة والحكمة والمنطق.
لا نستطيع أن نبني مجتمعات متوازنة إن حيدنا طرف أو قدّمنا طرفاً على آخر من الشباب، إنما علينا أن ندرك أهمية مزج الطاقة والحماس والجراءة والافكار الجنونية أحياناً، مع الافكار التي هي حصيلة خبرة وتجربة في الحياة وعلم ومعرفة وثقافة ومنطق.
عكس ذلك، نقع في مشكلة الكبرياء وانتشار الفوضى في عالم يغّلب الفوضى ويشجعها؛ الحياة ستستمر بلا شك، وإنما بتبني أفكار فوضوية سنمشي الى الخلف غالباً، وهذا ما لا نريده لحاضرنا ومستقبلنا.
العالم الجديد الذي تقوده ثورة تكنولوجية في تقدم سريع ومستمر، يروج لمجتمعات لا هوية فردية أو مجتمعية واضحة، فغالبية شباب الحماس والطاقة من طلاب المدارس والجامعات يقلدون بادراك، أو من دون ادراك المشاهير العالمين والمحلين، والذين يطلق عليهم بوقتنا « مؤثرين»، هؤلاء يدفع لغالبيتهم ليكونوا أداة في جذب المشاهدين لفحوى ما يقدمونه والذي هو بالغالب يكون فحوى قاتلاً للفكر وفارغاً للروح.
هنا دور شباب الفكر والتجربة والمعرفة والعلم والثقافة بأن لا يتنحوا جانباً مصدقين أكبر كذبة في عصرنا وهي بأن الزمان الحاضر هو لصغار السن، وبأن لا مكان لكبارها فيها. إن صدقنا كذبة كهذه هُزمنا.
في العالم الرقمي الوهمي الذي نعيشه، نعيش الحياة من الخارج، ونشاهد سيل الحياة يمر عابراً، لذلك الدور الذي على شباب الخبرة والمعرفة أن يقدموه هو دروس في الكرامة التي تحفظ للشخص احترامه وتقديره لذاته وما وهبه له الله من نعم، والوعي بأن كل ما ينشر على المواقع الرقمية هو مدروس بعناية فائقة، وبالغالب هدفه القضاء على كرامة الانسان.
الحياة اسرار وتبدأ بمخافة الله وطاعته ومحبته، واحترام الشخص لذاته وكل من حوله واحترامه للقوانين .
«لا شيء أسوأ من مُسن وضع أحلامهُ على عاتقِ ابنه فاستيقظ في دار العجزة!»
*صحافية وكاتبة مختصة في شؤون حوار الثقافات والسلام المجتمعي