رغيف بلا رائحة* صالح الشايجي
الأنباء –
ابتداء من السبت المقبل الخامس من شهر يناير عام 2019 ستختفي في كل يوم سبت النسخة الورقية من جريدتنا «الأنباء»، ويشاركها في ذلك القرار بعض الصحف الأخرى التي لن تصدر يوم السبت من كل أسبوع.
هذا القرار يعني إيذانا بانحسار الصيغة التقليدية للصحف التي عرفناها منذ مولدها الأول مطبوعة ورقية كانت بدائية مجردة من كل زينة، ثم أدركها التطور فتزينت وزهت وبدت أسطورة ملونة من ورق زاه بهي يسر الناظرين ويبهج العيون.
ولم يكن الأمر مقتصرا على الشكل بل إن ذلك يأتي ضمن مضمون جيد وقوي وقويم، قوامه رأي حصيف وحرف رصين وكلمة متزنة ومعلومة وخبر.
كنا نفرح حين نمسك بالجريدة ونشم حبرها كما لو كنا نشم رغيفا طازجا خرج للتو من التنور، ثم نطويها تحت إبطنا وكأننا نتوكأ عليها.
نحتفظ ببعض النسخ أو نقص منها قصاصات تهمنا تحمل خبرا أو صورة أو مقالة ونحتفظ بها ونعود إليها نطالعها ونقرأها بين فترة وفترة فنرجع ونتذكر ما تحمل تلك القصاصة من ذكريات.
ما أصعب أن نودع رفيقة عاشت معنا أعمارنا وعاشت مع من قبلنا أعمارهم كلها، واليوم نراها في خطواتها الأولى على طريق الوداع الذي بدأته منذ أن أطل على الدنيا الإنترنت وكانت الصحافة من أوائل من دخل عالمه واستفاد من إمكاناته فبدلت جلدها الورقي القديم لتتزين بالزي الجديد فتبلغ من خلاله ما لم تبلغه في حياتها الورقية.
وبعيدا عن العاطفة وتقليب الأوجاع واستدرار الذكريات واسترجاعها، فإن دخول الصحافة عالم الإنترنت هو فتح جديد وقفزة إلى الأعلى ومجال أوسع للصحافة.
بإمكان الصحافة من خلال الإنترنت، بلوغ أقصى العالم لا تحدها حدود ولا تضنيها أوقات ولا تتعبها مسافات.
صارت تسبق الزمن وتصل إلى من لم تكن تحلم بأن تصل إليهم أو بمعنى أصح من لم نكن نحن الكتاب أو أهل الصحافة نحلم بأن نصل إليهم.
فشكرا للعلم ولأهل العلم، شكرا للإنترنت الذي صار كجناح طارت به الصحافة خارج حدود الأوطان، وجعلها رغيفا يوميا طازجا، وإن كان بلا رائحة.