المشاغب.. الشامان «مراد منير»

May be an image of 1 person, standing and jewellery

النشرة الدولية –

د. رانيا يحيى

مجلة صباح الخير –

مبدع مسرحى متفرد وصاحب مدرسة إخراجية متميزة، شهدت أعماله المسرحية نجاحات متلاحقة مما جعل من اسمه أيقونة فى عالم المسرح، أطلق عليه «المشاغب» نظراً لتمرده وعدم انصياعه لكل ما هو مألوف، سواء على المستوى الشخصى أو الإبداعى، وطنياً مخلصاً، يؤمن بمبادئ الحرية، ساعياً إلى تحقيقها، قاوم بضراوة، ما جعله يدفع ثمن إيثار البطولة، بسجنه واعتقاله عدة مرات، لكنها الشدة التى أزاحت الستار عن الخنوع والخضوع والاستسلام، لتخلق بطلاً مقاتلاً شرساً، صاحب القيم الإنسانية النبيلة التى قدم سنوات عمره فداها ودفع حريته مقابلها، إنه ابن بورسعيد البار، تلك المحافظة التى شهدت مقاومة الاحتلال، وعانى أهلها، لكنهم استبسلوا بشجاعة دون انهزام، فكانت العقيدة الدفاع بشرف عن الأرض والعرض، إنه عبقرى الإخراج المسرحى مراد منير الذى يقف شامخاً وهو يدير عمله الإبداعى، يسيطر عليه التمكن والتحكم فى أدواته.

 

 

وفى عمله الأخير «السلطانية» جلست جواره لأمتطى جواده حتى أستكشف رؤاه الفنية وتلك الملكات، شاهدت البناء المسرحى يولد من رحم مخيلته، فالجميع يتساءل لكنه يضع البناء بالكامل نصب أعينه، ويتعامل مع كافة العناصر المسرحية بتوازن شديد، وإحكام للسينوغرافيا، فتفاجأ فيما بعد أنك أمام لوحات تشكيلية مسرحية، يتباين فيها الظل والنور بصرياً، وتتشكل فيها حالة موسيقية سمعية جمالية، ويتزين الإيقاع برشاقة ومرونة، بالإضافة للرؤية الفلسفية التى تتبلور فيها الدراما المسرحية، ويتآزر فى صنعها جميع مبدعى العرض.

 

يتعامل المخرج مع الفنانين المشاركين باحترام وتقدير وإعجاب، يعطى المساعدين له والمخرج المنفذ الصلاحيات الواجبة ليرسم كل فنان دوره بحب ويتشارك الجميع لصنع حالة تتوج بتوقيع الشامان مراد منير.

 

آراؤه وتوجهاته جعلت منه مفكراً عميقاً، وكتابه الذى يحمل عنوان «الغجرى» ظفر بسيرته الذاتية، التى سردها بجرأة غير مسبوقة معلناً عن لحظات قوة وانكسار شكلت وعيه المسرحى، وحبه للسينما الذى ترجم فيما بعد فى صناعة إبداعاته المسرحية، كما يعد الكتاب شاهداً على عصر المسرح المصرى فى ذروة توهجه وأيضاً فى لحظات انحساره، والتى يرويها الشامان دون مواراة، بكل جسارة معلناً عن محطات آسرة فى مشواره الفنى، الذى لعب فيه دوراً كبيراً ليظل اسمه مقروناً بكل روائع مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، ليعيد للمسرح المصرى رونقه، وأصالته بعد أن انساق وراء الابتذال والكوميديا المفتعلة ففقد قيمته الحقيقية، ليصير اسم مراد منير علماً متوجاً فى عالمنا المسرحى.

 

ولتاريخه الحافل تم تكريمه هذا العام فى دورة المخرج المسرحى من المهرجان القومى للمسرح، وذلك عن مجمل أعماله وتاريخه الفنى الزاخر بأعمال قيمة من حيث المحتوى والقيمة، وكتب الدكتور مصطفى سليم كتاب تكريمه بعنوان «شامان المسرح المصرى» ويعنى الساحر، وهو ما يبرهن عبقرية اختيار تلك الصفة بعين المتخصص والناقد، ليتوج بها مسيرته وإبداعاته. حصل صاحب الروائع المسرحية على جائزة أفضل مخرج فى الدورة الأولى للمهرجان عام 2006، وبعد خمسة عشر عاماً تكرمه إدارة المهرجان وهو ما أسعده وأسعد كل محبيه. فهنيئاً للشامان المشاغب الصديق الأستاذ هذا التكريم المستحق.

زر الذهاب إلى الأعلى