أبطال من ورق يصدقون أكاذيبهم
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
ظاهرة انتشرت حتى استفحلت وأصبحت فوق الوصف، فالأبطال الجدد في غالبيتهم مُصنعون من ورق سيء المنشأ، فهذا بطل سياسي يغرق الجماهير بخطابات عنترية تجعلنا نشعر أنه سيحرر الأندلس قبل الأقصى، وآخر يلقي المواعظ والخطب حتى تظن للحظة أنك أمام عمر الفاروق، ويتحدث آخر عن الزهد والورع والتقوى لتظن أنك في حضرة علي بن أبي طالب، أما صاحب الصوت الجهوري فيجعلك تعتقد أنك أمام خالد بن الوليد، فيما من امتهنوا السياسة يلدون كل يوم بطلا من ورق يدعي قدرات كبيرة في صناعة المجد، معتبراً نفسه الداهية الأبرز في التاريخ، وتكتمل الكارثة حين يجتمعون في حكومة ويدلي كل منهم بدلوه نصرةً للوطن الشامخ العزيز، فتتكشف الأمور بأنّ من يدافعون عن الصخور مجرد رجال مصنوعين من ورق لين قابل للاحتراق بسهولة وللطي بسهولة أكبر.
وبدأت ظاهرة الورقيين في السيطرة على مفاصل الدولة من وزراء ونواب وأعيان قادة رياضيين في العقد الأخير، فيدعون البطولات والإنجازات العظيمة ويقاسمون اللاعبين جهدهم، بعد تنقلهم من فضائية لأخرى ناشرين أكاذيبهم، دون أن يجدوا إعلاميا يملك حرارة الغيرة على الوطن فيحرقهم على الهواء مباشرة بقول الحقيقة التي ستُعريهم ، ولا يقل عنهم الجالسون في إدارات الاتحادات، القادمون من غياهب المجهول لنجدهم يفتون بكل شيء من الإعداد البدني للتخطيط للإحلال والتبديل، ووصل الوهم ببعضهم لانتقاد البطولات العالمية الكُبرى، معتقدين ان رائحة احتراقهم قادرة على إشعال نيران الغيرة في البطولات العُظمى، لنجد أن أبطال الورق يتزايدون مع أن صفحاتهم فارغة فيقرؤون الفراغ كما يشتهون ورغم ذلك يحظون بدعم إعلامي وحكومي.
وقلت لنفسي لعلي أجد ضالتي في الصالونات الثقافية بعد أن شعرت بفراغ الصالونات السياسية والرياضية من برامج حقيقية وفكر نهضوي، فصُناع الكلام أقدر وهم أحفاد المتنبي والفرزدق والشابي، لكن الصورة كما هي مجرد أكوام لورق لا يملكون من البطولة الحقيقة شيئا، وحديثهم مجرد سراب لا يضيف لأصحاب الفكر اي جديد ويزيد الجاهلين جهلا، ويعيب هؤلاء جميعاً أنهم يصدقون الأوهام المرسومة في خيالهم والتي تتحوّل رويداً رويدا لمرض نفسي عُضال، فيعتبرون أنفسهم القدوة وأنهم الأجدر وأن ما حصلوا عليه ووصلوا إليه بفضل عبقريتهم وليس بسبب تطايرهم من واسطة لأخرى ومن دعوة لدعوة ومن تقبيل اليد لما دون ذلك، فيشعرون أنهم أصحاء وبكامل قواهم وأنهم ثابتون كجبال عمان والسلط والشراة، فيما هم مجرد أوراق لا تصلح للكتابة عليها، لذا فالوطن ليس بخير إلا في نظر المرضى.
آخر الكلام:
قال دوستويفسكي: ” لا تكذب على نفسك، إنّ من يكذب على نفسه، ويرضى بأن تنطلي عليه أكاذيبه يصبح عاجزا عن رؤية الحقيقة. فلا يعود يراها لا في نفسه ولا فيما حوله، وينتهي أخيرا إلى فقد احترامه لنفسه ولغيره. وإذا أصبح لا يحترم أحدا أصبح لا يحب أحدا، فإذا هو من أجل أن يتسلّى، لأنّه أصبح بغير حب، يستسلم للأهواء ويندفع وراء الملذّات الخسيسة، ويصل إلى درجة الحيوانية، وما هذا كله إلا لأنه يكذب بغير انقطاع، يكذب على غيره وعلى نفسه”.