النشرة الدولية –
النهار العربي –
“لم يتبق لنا شيء، جرفت الأمطار الغزيرة منازلنا، لم أستطع أن أحمل معي من منزلي المنهار سوى ابنتي الرضيعة وابني ذا الأربع سنوات، ولحقت بنا زوجتي، حتى بعض مقتنياتي الثمينة وأدوية مرض السكر الذي أعانيه لم يسعفني الوقت لأخذها، لقد دُمّر كل شيء”، هكذا عبر عز الدين محجوب أحد أبناء منطقة المناقل في ولاية الجزيرة وسط السودان، عن هول الكارثة التي خلّفتها السيول في منطقته.
وأعلنت السلطات السودانية، الاثنين، أن الفيضانات الناجمة عن الأمطار الموسمية الغزيرة تسببت في مقتل 66 شخصاً وغمرت أكثر من 8170 منزلاً منذ بدء موسم الأمطار.
وأحدثت السيول التي تجتاح مختلف ولايات السودان منذ 9 آب (أغسطس) دماراً واسعاً في المنازل والأسواق والمشاريع الزراعية، كما قطعت الطريق الرئيسي الرابط بين عدد من المدن والعاصمة الخرطوم.
وانهارت مئات المنازل كلياً أو جزئياً في قرى جنوب غربي محلية المناقل، ولا تزال مياه الأمطار والسيول تحاصر العديد من القرى. وأكد المدير التنفيذي لمحلية المناقل حافظ الجاك انهيار 750 منزلاً انهياراً كلياً، مشيراً إلى أنها قابلة للزيادة، إضافة لتأثر بعض المساحات الزراعية.
وتأثرت ولاية الجزيرة بالسيول وانهار العديد من المنازل كلياً أو جزئياً، فيما لا تزال المياه تحاصر بعض المنازل. وانهارت قرية العمارة كلياً، وتأثر الطريق الترابي الذي يربط مئات القرى بمدينة المناقل، وتجاوزت المياه الجسور الرئيسية، ما عطل الحركة تماماً في العديد من القرى.
وقال محجوب لـ”النهار العربي” إن مئات الأسر في قريته والقرى المجاورة أصبحوا يقيمون في العراء، بعدما دُمّرت منازلهم تماماً، وأضاف: “نعاني الآن في الحصول على الطعام والماء النظيف، ويعاني معظم كبار السن من نقص الأدوية، كما أن هناك مخاوف كبيرة من عدم توافر الأمصال المضادة للسعات العقارب والثعابين التي بدأت تنتشر وخرجت من جحورها بسبب السيول”.
وفي ولاية نهر النيل شمال السودان، كشفت تقارير عن تضرر نحو ألفين وثلاثمئة منزل كلياً. وقالت مصادر محلية إنّ السيول ألحقت أضراراً ببلدة كَدباس وسط الولاية، فهدمت معظم منازلها ودُمر سوقها تماماً.
واجتاحت سيول قوية عدداً من مناطق الشمال، وغمرت مياه السيول في ولاية نهر النيل عدداً كبيراً من القرى، وأحدثت دماراً كاملاً بـ600 منزل، وأدت إلى نفوق المئات من رؤوس الماشية.
أضرار جسيمة
وقطعت السيول طريقين رئيسيين يربطان شمال السودان وغربه بالعاصمة الخرطوم، كما اضطر سكان بعض القرى الواقعة في نهر النيل للنزوح إلى أماكن بعيدة من مجرى السيول في ظل أوضاع صحية وإنسانية سيئة.
وأعلنت شرطة الدفاع المدني في نهر النيل، عبر بيان رسمي، تعليق عبور المركبات الطريق الذي يربط العاصمة الخرطوم بمدينة عطبرة لحين إصلاح الجزء الذي جرفته السيول.
وفي ولاية سنار، أُعلن عن مقتل شخصين، وإصابة 13، إضافة إلى انهيار 1909 منازل في محليات سنجة، سنار، أبو حجار والسوكي.
وقال الهلال الأحمر في الولاية إنه نشر 320 متطوعاً تابعين للجمعية لتقديم خدمات الدعم النفسي والإسعافات الأولية وشفط المياه، بالتعاون مع الدفاع المدني، لخفض كمية مياه السيول.
وفي الخرطوم تعطلت الحركة في معظم الشوارع الرئيسية الثلثاء، وانقطع التيار الكهربائي عن بعض الأحياء السكنية بفعل الرياح والأمطار.
وأعلن بيان للمجلس القومي للدفاع المدني أن “الأمطار الغزيرة تسببت في تلف 680 فداناً زراعياً و45 بستاناً و390 من المتاجر والمخازن، إضافة لنفوق أعداد كبيرة من الماشية”.
وتعمل السلطات في مختلف الولايات على تقديم الدعم اللازم للمناطق المتضررة عبر غرف عمليات تضم القوات النظامية ومسؤولي الصحة، إضافة إلى عدد من منظمات المجتمع المدني.
التهديد قائم
وحذر خبير الأرصاد الجوية المعز حسن من أن “الأمطار لا تزال تشكل تهديداً لمناطق شرق وجنوب شرقي السودان، إذ إن السحب الركامية تتجمع بكثافة جهة الهضبة الإثيوبية، ومن المناطق الاستوائية في دولة جنوب السودان”، وأشار في حديث إلى “النهار العربي” إلى أن “التغيرات المناخية في العالم لها تأثيراتها الواضحة على ازدياد معدلات الأمطار في السودان، ما يعني أن المعدلات الجديدة ستظل في ارتفاع متجاوزة كل توقعات السنوات السابقة، وهذا يتضح جلياً حينما ننظر إلى غزارة هطول الأمطار في مناطق شمال السودان، وهي ذات مناخ شبه صحراوي، ولم يُعرف من قبل تعرضها لهطول هذه الكميات من الأمطار”.
وربط حسن بين سد النهضة الإثيوبي وزيادة معدلات الأمطار، إذ إن “بحيرة سد النهضة التي اكتمل ملؤها الثالث نهاية الشهر الماضي وتبلغ مساحتها 255 كيلومتراً مربعاً بسعة تقدر بما يزيد عن 5 مليارات متر مكعب من المياه، لها تأثير كبير على تكوين السحب بفعل عامل التبخر الذي يزداد من البحيرة بشكل متواصل”.