مصرف لبنان يرفع يده عن دعم البنزين.. وتحذير من فوضى في المحطات

مصرف لبنان يرفع يده عن دعم البنزين.. وتحذير من فوضى في المحطات

النشرة الدولية –

الحرة – أسرار شبارو –

 

اتخذ المصرف المركزي اللبناني قرارا برفع الدعم الكلي عن البنزين، وذلك بعد مسار طويل من التخفيض التدريجي لدعمه، فارتفع سعر الصفيحة منه، صباح الاثنين، 20 ألف ليرة، لتصل إلى 638 ألف ليرة لعيار 95 أوكتان، و653 لعيار 98 أوكتان.

 

لم يفاجئ قرار المصرف المركزي اللبنانيين، فمنذ أيام والمعنيون في هذا المجال يشيرون إلى أن اتخاذ هذه الخطوة بات قاب قوسين أو أدنى، منهم عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات الدكتور جورج البراكس، الذي أعلن الاثنين الماضي، أن “مصرف لبنان يواظب على إكمال مسيرته نحو رفع الدعم غير المباشر عن استيراد البنزين، بتأمينه جزءاً من هذه الفاتورة وفقا لمنصة صيرفة، على أن تؤمن الشركات المستوردة الجزء المتبقي من أسواق الصرافة الحرة”.

 

وشرح في بيان: “كانت المعادلة حتى الآن 40% صيرفة و60% غير مدعوم، ولكن المركزي خفض في جدول تركيب أسعار المحروقات الصادر، نسبة صيرفة من 40 إلى 20 في المئة وارتفعت بذلك نسبة غير المدعوم إلى 80 في المئة”، مشدداً: “من الواضح أن مصرف لبنان لم يتبق له إلا مرحلة أخيرة للتوقف بعدها نهائيا عن تأمين الدولار من خلال منصة صيرفة ليصل إلى معادلة صفر صيرفة و100% سوق حرة غير مدعوم”، وهو ما حصل بالفعل.

 

لم يعد بإمكان مستوردي البنزين الحصول على العملة الخضراء من منصة صيرفة لشرائه على سعر وصل إلى حوالي 28 ألف ليرة، إذ بات عليهم اللجوء إلى السوق السوداء، الذي وصل سعر صرف الدولار فيه، اليوم الاثنين، إلى حوالي 35 ألف ليرة.

 

معاناة اللبنانيين مع البنزين قديمة متجددة، فمع اختفائه من السوق العام الماضي وظهور الطوابير أمام محطات المحروقات، ارتفع سعره بشكل تدريجي، حتى لامس الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة، بل زاد عن ذلك، في شهر يونيو الماضي.

 

وخلال سنة، ارتفع سعر صحيفة البنزين في لبنان 16 ضعفاً، بحسب ما أكدته “الدولية للمعلومات” إذ شرحت “في 15 يونيو الماضي، وصل سعر الصفيحة منه عيار 95 أوكتان إلى 691 ألف ليرة بينما كان السعر قبل سنة، 43,500 ليرة أي بارتفاع خلال سنة مقداره 647,500 ليرة ونسبة 1,488 في المئة”.

وقف للاستنزاف

 

تبلغ المعنيون في قطاع المحروقات، مساء الأحد، قرار المصرف المركزي، بحسب ما قاله ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا، الذي أكد في حديث لموقع “الحرة” أن القرار كان متوقعاً منذ فترة طويلة، وأن المشكلة خرجت من مصرف لبنان والشركات المستوردة ووصلت إلى المحطات، التي ستتحمل وزر هذه الخطوة.

 

بحسب تقديرات الباحث الاقتصادي، البروفيسور جاسم عجاقة، نصف كميات البنزين المستورد يتم تهريبها خارج الحدود اللبنانية من قبل التجار، لذلك فإن استمرار الدعم يعني الاستمرار باستنزاف دولارات المصرف المركزي، من هذا المنظور يمكن القول إن هذه الخطوة هي لوقف استنزاف الدولارات، كما أنها بالدرجة الأولى استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، الذي يعلم ما يدور في لبنان”.

 

وصل لبنان إلى مرحلة التحول إلى شركة كبيرة، كما يقول الكاتب الصحفي نذير رضا، ويشرح “سيرفع الدعم عن كل القطاعات باستثناء الخبز بسبب رمزيته، بينما تصدّع وضع المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية، لكن دعمها سيبقى بالقدرات الممكنة كونه، حتى الآن، هناك التزام دولي بمسألة التعليم، بينما الضمان الاجتماعي بات محاصراً بضعف الإمكانيات، ولا نعلم إلى متى ستبقى الدولة قادرة على التدخل والمساهمة البسيطة في طبابة المواطنين”.

 

والواضح أن هذا التحول، ليس ناتجاً عن الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها البلد فحسب، يقول رضا إنه “يأتي في سياق تحول جذري في سياسة الدولة، حيث توقف تدخلها السابق الذي قضى بتوفير الدعم، بما يحول البلاد الى شركة كبيرة”.

 

وفيما يتعلق بالمحروقات، يقول رضا لموقع “الحرة” “سار رفع الدعم بطريقة تدريجية، مع تراجع قدرة الدولة المالية ونضوب احتياطات مصرفها المركزي”، ويشرح “في ربيع 2021 بدأت أسعار المحروقات بالارتفاع رويداً رويداً، وفي صيف 2021 رفع الدعم الكلي عن المازوت، واليوم وصلنا إلى مرحلة رفع الدعم الكلي عن البنزين، وهو المسار الطبيعي”.

 

السؤال الرئيسي الذي يطرحه الصحفي، يدور حول “سبب استمرار دعم المصرف المركزي للبنزين حتى الأمس، أو بالأحرى لماذا طلبت الدولة منه الاستمرار بدعمه، ولماذا لم تتم دولرته مع دولرة المازوت، فهل هذا مرتبط بتهدئة اللبنانيين وتمكين بعض الفئات من الحصول عليه، رغم أن ذلك تسبب باستنزاف احتياطي المركزي من العملة الصعبة”.

 

منذ بدء الدولة اللبنانية رفع الدعم التدريجي عن المحروقات والغاز المنزلي، ارتفعت كل الأسعار في البلاد، فإذا كان اللبناني كما يشدد رضا “يحصل على راتب ستة ملايين ليرة، كان بإمكانه العيش ولو بالحد الأدنى من متطلبات الحياة، أما اليوم فلا يكفي هذا الراتب لدفع فاتورة مولد الكهرباء أو بدل نقل، باختصار هذا القطاع قضى على كل إمكانات المواطنين وقدرات صمود الذين يعملون في وطنهم”.

حصار إضافي

 

بعد رفع الدعم عن البنزين أصبح المواطن اللبناني رهينة ثلاثة أمور، وهي بحسب عجاقة، “سعر النفط العالمي، سعر الدولار في السوق السوداء، وسعر صفيحة البنزين بالدولار”، ولفت إلى أنه “رغم تراجع سعر برميل النفط عالمياً، إلا أن سعر دولار السوق السوداء يشهد ارتفاعاً في لبنان، ما يعني أن سعر صفيحة البنزين سيرتفع، من هذا المنطلق فإن ما ينتظره المواطن اللبناني مزيداً من الأعباء، فقد دخلنا في حلقة تضخمية، حيث سنشهد ارتفاع معظم الأسعار كونها مرتبطة بالمحروقات”.

 

ويشهد لبنان منذ صيف 2019 أزمة اقتصادية حادة، صنفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، حيث فقدت الليرة نحو 90 بالمئة من قيمتها، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار.

 

ويشير عجاقة إلى فوضى تسعير البنزين التي ستشهدها المحطات بعد قرار المصرف المركزي، متسائلاً “وفق دولار أي تطبيق سيتم تسعير البنزين، وما الذي يضمن عدم تحديد صاحب المحطة التسعيرة التي تحلو له، كما يفعل أصحاب السوبرماركت، وهذا يعود إلى الاحتكار الذي كان يفترض أن تعالجه الدولة قبل اتخاذ خطوة رفع الدعم، وذلك من خلال فتح السوق لشركات منافسة، فلم ننس بعد أنه في أغسطس 2021 عثر الجيش اللبناني على عشرات ملايين الليترات من المحروقات المخزنة، كما كان يفترض على الدولة محاربة تطبيقات الدولار”، من جانبه تمنى أبو شقرا استقرار سعر صرف الدولار، وألا نشهد فوضى في الأسعار.

 

أما عضو اتحاد شركات استيراد البترول، مارون شماس فقال لرويترز “إذا كان هناك مزيد من التقلب في سعر الصرف فسيكون هناك مزيد من التقلب في سعر الوقود” لافتاً إلى أن “المستوردين تمكنوا حتى الآن من الحصول على كل الدولارات التي يحتاجونها من السوق السوداء، وقال إن مضخات البنزين ستستمر في قبول الدفع بالليرة اللبنانية بالسعر اليومي في السوق السوداء”.

 

ارتفاع سعر صفيحة البنزين فرض على اللبنانيين تخفيض استهلاكهم لهذه المادة، وبحسب ما أشارت “الدولية للمعلومات”، وصل متوسط الإستهلاك اليومي في 2021 إلى 328 ألف صفحة يومياً، وانخفض في العام 2022 إلى 281 صحيفة يوميا، أي بتراجع مقداره 47 ألف صفيحة ونسبته 14.3 في المئة”، وبعد رفع الدعم الكلي من المتوقع أن يشهد استهلاك البنزين مزيداً من التراجع، مما يعني حصاراً اضافياً غير مباشر على اللبنانيين، الذين باتوا يحسبون مسافة تنقلاتهم وتكلفتها على جيوبهم.

Back to top button