الراعي لعون؛ دخلت كبيراً واخرُج كبيراً!
النشرة الدولية –
الثائر
رئيس التحرير
مواقف بمنتهى الصدق والصراحة والشفافية والوطنية، أطلقها أمس رأس الكنيسة المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي . ففي مقابلة عبر شاشة تلفزيون الجديد في برنامج “وهلق شو” مع الإعلامي جورج صليبي وجّه البطريرك رسائل في عدة اتجاهات ولها أكثر من دلالة.
جاءت مواقف البطريرك من عدة أمور واستحقاقات وطنية، وأهمها طبعاً انتخاب رئيس جديد للبلاد، وما يُطرح من سيناريوهات لمرحلة الفراغ لتضع النقاط على الحروف، وتجيب عن التساؤلات حول موقف بكركي، الذي سمعنا كثيراً من التأويلات والأقاويل حوله.
إن موقف البطريرك المطالب بحياد لبنان لا يجوز استغلاله وكأن البطريرك يدعو إلى موقف محايد من الصراع العربي مع إسرائيل، بل هو ينسجم مع ما أعلنته الحكومات اللبنانية دائماً في بياناتها الوزارية، باعتماد مبدأ النأي بالنفس ، وهذا يؤكد صوابية التمسك بالحياد الذي يجمع اللبنانيين ولا يفرقهم،عبر إدخالهم في الصراعات الإقليمية والدولية الدائرة في المنطقة والعالم. فالبطريرك أعلن صراحةً تمسكه باتفاق الطائف، الذي نص في مقدمته على : “أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه” وهو بذلك يرفض أي محاولات تجزئة أو فيدرالية أو تقسيم.
وفي موقف واضح من استحقاق رئاسة الجمهورية، وما يتم تداوله في الإعلام عن احتمال بقاء الرئيس عون في بعبدا بعد انتهاء ولايته، أو لجوئه إلى تسليم السلطة لحكومة عسكرية، أو للمجلس الأعلى للدفاع، أو عير ذلك من سيناريوهات مخالفة للدستور، قال البطريرك كلاماً مهماً وواضحاً متوجهاً إلى الرئيس عون : “دخلت كبيراً فاخرج كبيراً”.
طبعاً هذه النصيحة البطريركية فيها كثير من الحرص على مقام رئاسة الجمهورية، وعلى مقام الرئيس ميشال عون تحديداً، الذي إذا انجرف خلف غايات البعض الشخصية، من الذين يشجعونه على مخالفة الدستور، سيُنهي عندها عهده بكارثة على لبنان، وسيكون لاحقاً مجبراً على ترك قصر بعبدا بطريقة لا تناسب مقام الرئاسة ورئيس البلاد، وإن خطوة كهذه لن تفيد الرئيس عون بشيء، فما لم يستطع تنفيذه خلال ست سنوات من ولاية رئاسية شرعية، لا يمكن أن يقوم به عبر اغتصاب السلطة، والإقامة غير الشرعية في قصر بعبدا بهد أنتهاء مدة ولايته التي حددها الدستور بست سنوات ومنع تمديدها، أو إعادة انتخابه، قبل مضي ست سنوات على نهاية ولايته.
إن من يشجع الرئيس عون على عدم تسليم السلطة، يسعى إلى دفع البلاد إلى الهاوية، ومن يعتقد أن الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي جديد، في هذه الظروف الصعبة، سيعطي مكاسب للمسيحيين، فهو واهم طبعاً، لأن ما سيحصل هو عكس ذلك تماماً، فلا خيار الديمقراطية العددية في صالحهم، ولا ميزان القوى على الأرض يمكن أن يحقق لهم ذلك بالقوة.
أما بالنسبة إلى الأسماء المرشحة لمنصب الرئاسة، فالبطريرك اتخذ موقفا حفظ مكانة بكركي كمرجعية وطنية، وليس كمرجعية مارونية فقط، فهو رفض تسمية أي شخصية لتولي رئاسة الجمهورية، مؤكداً أن هذه صلاحية النواب والسياسيين، معتبراً بأنه صحيح أن الرئيس وفق العرف هو من الطائفة المارونية، لكنه ليس رئيساً للموارنة، بل رئيس للبنان، ولذلك فهناك رأي يجب احترامه لكل الطوائف الباقية من مسيحية وإسلامية، فالكل له الحق بإعطاء رأيه. والأهم من كل شيء في كلام البطريرك، هو دعوته إلى التزام الدستور، وانتخاب رئيس في الوقت المحدد، معتبراً أن هناك عدد كبير من الشخصيات المارونية الكفوءة والمناسبة لهذا المنصب.
وعن شرط الرئيس القوي في طائفته، أوضح البطريرك أن هذه المقولة غير صحيحة، فالرئيس هو لجميع اللبنانيين، وقوته تكون في القدرة على لم الشمل، وتوحيد اللبنانيين حول مصلحة الوطن، فالرئيس يُقسم يمين الحفاظ على الدستور، وقوته تكون بالتزامه بتنفيذ الدستور والقوانين. ويكون البطريرك بهذا الموقف قد نسف دعوة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إلى انتخاب عدد من المرشحين من قبل الموارنة في المرحلة الأولى، ثم يتنافس الفائزون في تصويت عام من قبل كل اللبنانيين.
الحياد، ووحدة لبنان، ورئيس لكل اللبنانيين، تشارك في اختياره كل الطوائف اللبنانية، مع رفض تعيينه أو تسميته من قبل أي دولة خارجية، وضرورة أن يكون له حيثية، وقدرة على التواصل مع دول العالم، والأهم التفاهم مع كافة الفرقاء في الداخل، هي أسس حدّدها البطريرك الراعي، في موقف وطني، عبّر به عن رغبة غالبية اللبنانيين، الذين يتطلعون إلى مرحلة جديدة، ورئيس جديد للبلاد، يُطلق عملية الإصلاح والإنقاذ، وإعادة بناء الدولة ي لبنان.