“العرط” الثقافي كارثة صنعها الجهل
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

اعتلى المنصة بكبرياء وبدأ بوصف الشعراء واحترت واحتار دليلي وأنا استمع للألقاب التي يُطلقها، فهذا وريث الفرزدق والآخر ينافس المتنبي وتلك هي نسخة مُحسنة للخنساء، فأضاع أحمد شوقي وأبو القاسم الشابي وفدوى طوقان، وجعلهم بلا تاريخ أمام من وصفهم بالشعراء، اعتلوا المنصة وألصقوا الميكرفون بأيديهم وبدأوا يهذون بما يظنون أنه شعر، فلا صور متكاملة وقصة مفهومة ولا بحور يسبح بها كلامهم إلا البحر الميت، والغريب حين تُجالسهم تسمع “عرط” مذهل يجعلك تعتقد لوهلة أن الخليل بن أحمد الفراهيدي تلميذ فاشل في مدرستهم التي أنجبت عباقرة العصر.

 

وتكتمل الكارثة حين يتحدثون عن الجوائز الأدبية التي حصلوا عليها، وكيف أنهم أضافوا الكثير للشعر واللغة العربية حتى يجعلوك تعتقد أن أبيات شعرهم الممزقة ستحفظ اللغة من التدليس والتنجيس، وأنهم الدرع الحامي للعروض والمقامات، يُكثرون من “العرط” حتى تشمئز النفوس من حديثهم، وما هي إلا لحظات حتى يحضر عبقري حسب أهوائهم فيتراكضون حوله يتلمسون من معرفته ويتباهون بالجلوس معه، فهذا له من الدواوين ما فاق المتنبي وامرؤ القيس وطرفة بن العبد ورغم ذلك لم يُخلد شعره ولم يحصل على جوائز عالمية، وهنا يكون “العرط” أكبر.

 

في الثقافة التي لم يتولى وزارتها مُثقف كل شيء ممكن، فيحق لأمي لا يملك المعرفة ولم يُعاشر عباقرة الشعر الجاهلي أن يُشار إليه بالبنان كشاعر أو شاعرة، فالألقاب بالمجان ولن يستطيع أحد أن يخلع عن الشاعر المجهول ثوباً ألبسه إياه صديق أو مُطبل، فهذا الثوب دائم الخُضرة ويسمح له أن “يعرط” وينتقد معلقة زهير بن أبي سلمى ويعيب على عنترة شعرة ومعلقته، ويمنحه الحق بالتشكيك بفروسية أبو فراس الحمداني، وهنا يصل “العرط” مرحلة الجنون المرضي فيتعالى عن الآخرين ويشعر أن مجلسه أعلى وأنه يجب أن يُلقى شعره أمام هارون الرشيد، فيصاب بالعزلة فالمرض النفسي.

 

ولا يقل تُجار الثقافة في الأنواع الأخرى عن شعراء اللحظات، فهذا يحدثك عن لوحته الفنية وأسرارها لتشعر أن بيكاسو لا يُجيد الرسم، وان ما قدمه للبشريه مجرد “خرابيش”، وبتعالي أعلى يدخل المكان مؤلفوا الروايات فهم من صنع الكلام والأحداث وعليك أن تهتف لهم وراء كل “عرطه”، ففي هذا الزمان اختلفت المعايير وأصبح بامكان طفل صغير أن يكتب ديوان شعر ويؤلف روايه، فالمطلوب اختطاف كلمة من هنا وسطر من هناك فتصبح مثقف قرء نصف كتاب أو ربعه وربما اكتفى بعناوينه، ويمكنك حينها أن تعرط أكثر من طه حسين ووليم شكسبير وباولو كويلو.

 

آخر الكلام:

 

لا أقصد أحد إلا من هتفت له نفسه بأنك المقصود، فنفسه تعرفه أكثر مني.

Back to top button