نساء لبنان فريسة الابتزاز الالكتروني وجريمة العصر الحديث
نساء لبنان فريسة الابتزاز الالكتروني وجريمة العصر الحديث
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
زينب زعيتر
لم تعلم غادة (اسم مستعار) انّ قبولها طلب صداقة ذلك الشاب الوسيم على “الفيسبوك” سيكلفها الكثير، حيث انقلبت حياتها رأساً على عقب، عندما وصلت مرة رسالة على هاتفها: “ادفعي 3000 دولار او سأنشر صورك وأفضحك”.
وكأنها نهاية العالم، هكذا تصف غادة (23 عاما)، اليوم، تلك اللحظات التي عاشتها قبل 7 اشهر عندما وقعت ضحية في “لحظة ضعف” لمبتز، هددها بنشر الصور التي أرسلتها اليه بعد نشوء علاقة حب بينهما وعدها اثرها بالزواج “على عجل” فور أن يبيع والده الأرض في الجنوب ويحصل على حصته، كما أوهمها. تبرر غادة لنفسها بأنها كانت تحاول الهروب من علاقة فاشلة سبقت تعارفها على ذلك الشاب عبر الانترنت، وحاجتها الى من يكسر عنها عزلة الفراغ العاطفي، حتى وجدت نفسها “فريسة” على حد قولها.
أمّا الخيارات المتاحة امامها، فإمّا المواجهة وكان ذلك الأصعب، او الاستسلام والاستكمال في العلاقة ما يعني المزيد من الرضوخ لـ”أوامر” المبتز، الى حين قررت ان تواجه، مستعينة بزميل لها في العمل، حيث كانت تعمل كبائعة في احد المراكز التجارية الكبيرة.
وبمساعدة زميلها تقدمت بشكوى قضائية، تم تحويلها إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، ولحسن حظها تم توقيف الشاب بعد اقل من شهر، حيث تمت متابعته، واعترف بجرائم ابتزاز أخرى قام بها في الآونة الأخيرة.
هي اذا الجريمة الالكترونية، او ما بات يعرف بجريمة العصر، ولكن حسن خاتمة قضية غادة، لا تشبه غيرها من الفتيات اللواتي يستسلمن للمبتز، واحياناً يصل بهن الامر الى حد الانتحار، وهو ما يؤكده مصدر مسؤول في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في حديث خاص لـ”لبنان 24″.
فمع اتساع النطاق الرقمي ودخولنا في العالم الافتراضي، وخصوصاً بعد جائحة كورونا والحجز المنزلي، انتشر التحرّش والابتزاز بواسطة الوسائل الإلكترونية على نطاق واسع. وإذ لا يوجد احصاءات محدثة، الا انّ المصدر الأمني يؤكد انّ الأرقام الى ازدياد والحالات غير المعلن عنها أكثر بكثير مما يصل من شكاوى الى الجهات المعنية. وبحسب الأرقام المتوفرة فإنّ عدد شكاوى الابتزاز الجنسي التي وصلت الى قوى الامن في العام 2019 كانت 200 شكوى، وصلت الى 815 شكوى في العام 2020، ويرجح انها تفوق الـ1500 شكوى بعد جائحة كورونا، بحسب المصدر، الذي يؤكد أنّ النساء تحتل نسبة 80% من عدد الضحايا، وفئة الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 12 و14 عاماً يشكلن النسبة الأكبر من ضحايا الابتزاز. ويلفت المصدر الى انّ عددا لا يُستهان به من المبتزين يقعون لاحقاً في قبضة الأجهزة الأمنية المعنية.
أمّا كيف يتم الإبلاغ عن هذه الجرائم، فيشير المصدر الى ضرورة تقديم شكوى مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي أمام النيابة العامة المختصة التي تحيل الشكوى الى الضابطة العدلية المختصة، وهنا يكون مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية هو الضابطة المعنية، ويصار الى اجراء التحقيقات مع إحالة الملف الى القضاء المختص، وغالباً ما تكون الإجراءات القانونية سريعة في مثل هذه القضايا.
ويلاحق المرتكب من خلال استخراج معلومات ودلائل رقمية من المعلومات المتوفرة وتعقب الحسابات وأرقام الهاتف، ليصار الى استدراج الفاعلين وتوقيفهم.
في القانون: جريمة العصر الحديث
وفي القانون، يُعتبر الابتزاز الالكتروني جريمة العصر الحديث، ومن اهم الجرائم الواقعة على الأشخاص والمجتمعات، وهي كل استخدام سيء صادر من مجرم مبتدئ أو متمرس لوسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة لتهديد أو تهريب الضحية بنشر صور أو محادثات أو مقاطع مرئية مسجلة أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية عبر الوسائل الالكترونية، مقابل دفع مبالغ من مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين، كما يصف هذه الجريمة في مطالعة قانونية خاصة لـ”لبنان 24″ المحامي وسام المذبوح.
وبحسب المادة 650 من قانون العقوبات اللبناني “يعاقب كل من هدد شخصاً بفضح أمره أو إفشائه أو الإخبار عنه، وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه، أو من قدر أحد أقاربه، لكي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له أو لغيره”. وعقوبة الابتزاز هي الحبس من شهر الى سنتين، والغرامة حتى ستمائة ألف ليرة لبنانية. ويدخل ضمن تطبيق هذه المادة الابتزاز بالكومبيوتر أو باستعمال معلومات تم الحصول عليها بواسطة الكومبيوتر والأنظمة المعلوماتية.
ويتابع المذبوح: “على الرغم من أن بعض الجرائم ذات الصلة بالكومبيوتر يمكن المعاقبة عليها بموجب النصوص المرعية الإجراء في القانون، فإن القسم الأكبر من تلك الأفعال يمكن أن يبقى من دون عقاب لعدم وجود النصوص القانونية لتجريمه، مما يستدعي ضرورة تدخل المشترع اللبناني لسن القوانين اللازمة ومنع وقوع الأفعال الجرمية ذات الصلة بالكومبيوتر والأنظمة المعلوماتية، خصوصاً أن استعمال الكومبيوتر والاعتماد عليه في ازدياد مستمر ضمن النشاطات القانونية”.
قوانين خاصة
فما الحل الأمثل بالتالي قانونا لردع المخلين بالأمن الاجتماعي وخصوصاً بالشأن المتعلق بقضايا ابتزاز النساء جنسيا؟بحسب المذبوح، “يجب أن تأخذ جريمة الابتزاز الالكتروني على محمل الجد من خلال وضع قوانين خاصة وتشديد العقوبات لترهيب الاشخاص من ارتكاب الجرائم الالكترونية”، وبالتالي تشديد الخوف من العقاب الذي قد يتعرضون له.
ومن ناحية أخرى يؤكد المذبوح انّ قوى الامن تقوم بواجبها على أكمل وجه في هذه القضايا، وبالتالي على المواطنين تبليغ قوى الامن في حال التعرض للابتزاز والتحرش، “ويفضل عدم أخذ صور فوتوغرافية أو تصوير أنفسهم عبر الفيديو بشكل غير لائق في أي ظرف من الظروف، كي لا يقعوا ضحية ويتم استغلالهم من قبل الاخرين. يُضاف الى ذلك أهمية عدم الخضوع لطلبات المبتز، والتبليغ فوراً عن الحالات”.
ما بين الـDoxxing والـCat fishing
فهل تساءلتم مرة كيف تتم عمليات الخداع عبر التقنيات الرقمية الرقمية وصولاً الى الابتزاز الالكتروني، وخصوصا مع تحولنا الى مجتمعات افتراضية؟ بحسب محمود غزيل وهو صحفي ومدرب في مجال التحقق من المعلومات فإنّ لبنان تأخر ليلحق بقافلة العوالم الافتراضية، غير أنّه دخل بها بعمق منذ جائحة كورونا، حيث تعرّف كثيرون على التطبيقات الالكترونية والبرامج، مع كل ما يحتويه هذا العالم من مشاكل وعنف الكتروني وابتزاز. ويقسم غزيل عمليات الاحتيال الرقمي الى اقسام: أولها ما هو “سخيف” لا يحتاج حتى الى عقل الكتروني مدبر، وتحصل هذه العمليات مع السيدات بأسلوب يُسمى “cat fishing”، أي ما يشبه المصيدة، وهنا يقوم المبتز بوهم الفتيات بانه الحبيب او العاشق ويصل معهن حد الابتزاز الجنسي. وهذا النوع لا يحتاج الى تقنيات متطورة، حيث تقوم الضحية هنا نفسها بإرسال الصور والنصوص والمعلومات عنها.
امّا الطريقة الثانية فتكون أكثر تطوراً، من خلال الاستيلاء على الواتساب او الحسابات والأرقام السرية “passwords”، وهنا تكمن الخطورة، حيث يمكن ان يدخل المخترق على الحسابات وينشأ أخرى وهمية. وبحسب غزيل “هنا تجد السلطات المعنية كقوى الامن احياناً صعوبات معينة في كشف المرتكب لأنه غالباً ما يستخدم ارقام هاتف غير لبنانية. والحقيقة انّ الجاني يعلم مسبقاً انه من الصعب اختراقه لذا يتمادى في حجم ابتزازه وهنا لا داعي للضحية ان ترسل صورها او بياناتها فهو قد يستولي عليها ويستخدمها لابتزازها”.
نصل هنا الى المرحلة الثالثة وهي الاكثر خطورة، عمليات الـdoxxing”، أي النشر الخبيث للمعلومات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تحول المعلومات الشخصية الى سلاح فتاك. ويشرح غزيل عن هذه العلميات: “إضافة الى البرامج والتقنيات، يتم هنا استخدام الفوتوشوب ايضاً، لتركيب الصورة وفبركة الفيديوهات. وللأسف لا يمكن احياناً كشف ما اذا كانت هذه الفيديوهات مركبة ام لا لانّ المحتال هنا يعرف تماما كيف يطور من مهاراته كي لا يتم فضحه او كشفه، فيدخل بعمق الى هذا العالم الخطير”.
أمّا عن الوقاية، فالحاجة اولاً واخيراً الى الوعي والتحصين ومعرفة سبل الوقاية من مخاطر الانترنت. وقامت قوى الامن الداخلي، بنشر الكثير من حملات التوعية وطرق التعرف على الحماية من المبتزين. يمكن الاطلاع عليها من خلال هذا الرابط: https://www.isf.gov.lb/ar/cybersecurity
ويختم غزيل حديثه بنصيحة: “كنا نقول لكم ضعوا كلمة سر قوية لحساباتكم، واليوم نقول ضعوا عبارات سر قوية لحساباتكم. واياكم الدخول على أي روابط تُرسل لكم إذا ما تأكدتم أولا من صحتها، واذا لم يتسنى لكم التأكد منها فيستحسن عدم الدخول عليها اطلاقا”.
نزعة الى العنف الفطري
وبما اننا نتحدث عن جريمة بشكل اخر، فبالتالي لعلم النفس الاجتماعي رأيه في ظاهرة الابتزاز الالكتروني، وبحسب المعالجة والمحللة النفسية الدكتورة ماري انج نهرا، فإنّ للطبيعة البشرية “نزوات” وإحداها هي النزعة الى العنف الفطري. وتتابع نهرا في حديثها لـ”لبنان 24″ مشيرة الى دخولنا اليوم في العالم الافتراضي الذي يترافق مع العالم الواقعي. أحد ظواهر العنف الرقمي هو الابتزاز. والشخصية المبتزة طبعا شخصية ليست عادية بل مريضة تتميز بحدة في طباعها وإرادة للتسلط والتحكم بالأخر. وغالباً ما تكون هذه الصفات موجودة لدى النرجسيين، وتحديدا النرجسية المنحرفة”. وبحسب نهرا: “نعم هذه الشخصيات تجد مكانا لها في ظل الفلتان الحاصل في العالم الافتراضي، حيث لا قانون يضبط قواعد اللعبة ويحمي المستهلك. ففي هذا العالم كما يوجد الشخصية المبتزة، يوجد ايضاً الضحية، وغالباً ما تكون شخصية حساسية وضعيفة ومحدودة الذكاء وذو قلب طيب، وهذا ما يجعلها تقع في فخ المبتز”.
وإذ تؤكد نهرا بأننا سنكون أمام حالات اكبر واكثر انتشاراً للابتزاز الالكتروني مع انتشار البرامج والتطبيقات، تشير الى خطورة العوامل النفسية المترافقة في حال وقوع أي شخص ضحية للابتزاز وصولا الى المعاناة من حالات الاكتئاب الذي يصل أحياناً حد الانتحار”.
نتوقع ان تزيد المظاهر العنفية ايضاً لدى المبتز، تؤكد نهرا، “بغياب الضوابط والقواعد التربوية وهذا الابتزاز يستطيع بسهولة تهديد البشرية وخصوصاً الحلقات الأضعف مثل المراهقين وكبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة”.
ويُعتبر التحصين والتوعية بكافة اشكالها والمرافقة النفسية للأشخاص اول الطريق لبناء شخصية متينة على الصعيد النفسي، شخصية لا تتأثر بإغراءات المبتزين في العالم الافتراضي، ولا يكون ذلك بحسب نهرا الا بتربية واعية ومدركة لما يحصل خصوصا على مستوى الأطفال والمراهقين.