ما بين صدام حسين وبوتين
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
هل المقارنة بين شخصية صدام حسين الذي احتل الكويت عام 1990 واسماها المحافظة التاسعة عشرة مع شخصية فلاديمير بوتين الذي قرر شن الحرب على أوكرانيا بمبررات جيوسياسية وتاريخية هل تحمل مسوغات منطقية؟ أم أن الحالتين والشخصيتين مختلفتان؟
في اعتقادي أن الظرف الجيوسياسي للحالتين والتكوين النفسي لهما متقارب الى حد كبير وهناك عدد من النقاط يمكن الاشارة اليها للتدليل على هذا التقارب، فلقد دُرست شخصية صدام حسين على مدى سنوات من قبل الغرب وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وتحديدا بعد توقف الحرب العراقية – الايرانية في 8/ 8/ 1988، وازداد التركيز على شخصية صدام حسين بعد حادثة القبض على الصحفي البريطاني «الايراني» الاصل فرذاد بازوفت عام 1998 بتهمة التجسس لبريطانيا بسبب دخوله الى منطقة الاسكندرية في محافظة الحلة جنوبي بغداد لتغطية حادثة انفجار مصنع للصواريخ متوسطة المدى ثم اعدم عام 1990، وانا شخصياً كنت شاهداً على هذه الحادثة لأن «بازفت» كان مدعوا مثلي ومثل الكثير من الصحفيين من الكويت والدول العربية والاجنبية لتغطية انتخابات المجلس التشريعي لمنطقة «الحكم الذاتي في كردستان»، وكان أغلب المدعوين من هؤلاء الصحفيين يسكنون فندق «المنصور ميليا» ببغداد ومنهم «بازفت» الذي عرض على عدد من الصحفيين مرافقته لتغطية انفجار «الاسكندرية» وكنت انا من جريدة الوطن والزميلة خولة نزال من جريدة القبس من ضمن الذين عرض علينا بازوفت مرافقته لكننا انتبهنا لخطورة المسألة ورفضنا العرض لسببين الأول أن ذلك يتطلب موافقة رسمية من وزارة الإعلام العراقية، أما السبب الثاني فكان أن سبب إيفادنا من صحفنا هو بهدف تغطية الانتخابات وليس أي حدث آخر.
خلال الفترة من توقف الحرب الايرانية – العراقية إلى ما قبل الاحتلال العراقي للكويت استقبل صدام حسين عددا كبيراً من الصحفيين والإعلاميين والكتاب والمفكرين الذين وفروا للأجهزة الاستخبارية في أميركا وبريطانيا وفرنسا قراءة هادئة ومعمقة لشخصية صدام حسين من الناحية السلوكية وطريقة التفكير وتوصلوا إلى أن شخصية صدام حسين نرجسية ومغرورة جداً (حلمه قيادة الامة العربية) ولها ميل متطرف لاستخدام القوة والعنف بسبب ظروف طفولته القاسية، ويغلب على قراراته ردود الفعل، ومن هنا تم استدراجه لاحتلال الكويت الذي كان «ام المأسي» على العراق والأمة العربية.
أعتقد جازماً أن شخصية بوتين دُرست هي الاخرى من قبل أميركا والغرب، وبالتأكيد فقد توقف الدارسون لشخصيته عند خلفيته السياسية والأمنية والأيديولوجية فهو قادم من بيئة سوفياتية وبعقيدة امنية (ضابط سابق في الكي جي بي) ينظر للغرب نظرة ايديولوجية معادية، ويبدو أن سقوط الاتحاد السوفياتي قد ترك آثاراً عميقة في نفسيته وعقليته وبات يفكر جدياً في إعادة أمجاد روسيا ليس كدولة عظمى فحسب بل كدولة أعظم، وتعززت قناعته بإمكانية تحقيق هذا الهدف من خلال تبنيه لنظريات المفكر الروسي الكسندر دوغين المسمى (عقل بوتين) وتحديداً «القاعدة» التي يستند اليها دوغين والقائلة (إذا كان الصراع خلال الحرب الباردة، صراع مصالح وصراعاً ايديولوجياً، فهو الأن صراع جيوسياسي، جيوبوليتيكي وهو حتمي، ولن ينتهي إلا بتدمير أحد الطرفين للآخر).
ضمن هذه القاعدة وإيماناً بها فقد بات العالم يقف على (حافة الهاوية) أو على شفير حرب نووية مدمرة يحتاج نزع فتيلها إلى جهد سياسي اقرب ما يكون للمعجزة منه إلى أي شيء آخر.
الكثير منا نحن العرب لا نتمنى تكرار تجربة صدام حسين مع بوتين، فمن ناحية مصلحية وإلى حد ما عقائدية فان بوتين بعدائه للغرب وطموحه لتغيير «النظام العالمي أحادي القطبية» يخدمنا إلا أن غيابه وإضعاف روسيا لدرجة قريبة من حالة «عراق اليوم» هو كارثة حقيقية وبكل الأبعاد.