رسالة الى رئيس جمهوريّة لبنان “المحتمل”
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

فخامة الرئيس المحتمل!

تحيّة عطرة وبعد…

لا أعرف أنا وتجهل أنتَ متى يمكن أن تسكن القصر الجمهوري،لأنّك،في الواقع،تطمح إلى تولّي أرفع منصب في دولة أصبح دستورها مثل “الحرباية”، فكما هي تتلوّن،بحسب الظروف،يتم تفسيره هو،بحسب المصالح والأهواء.

شخصيًّا، أستغرب لهاثك وراء هذا المنصب،وتقديمك التنازلات الذاتيّة والسياديّة والوطنيّة، بالعلن حينًا وبالخفاء أحيانًا، من أجل أن تصل الى هذا المنصب الذي جرى تفريغه من محتواه، بعدما أصبحت كلمة واحدة ممّن نصّب نفسه، بقوّة السلاح والعبوة الناسفة، “مرشدًا أعلى”، تساوي كلّ خطابات رئيس الجمهوريّة ومعه جميع أركان الدولة.

فخامة الرئيس المحتمل!

قلْ لي بربّك، ماذا لديك من مواصفات لم تكن متوافرة في من سبقوك، وأوصلوا بلاد الأرز الى المأساة التي أوصلوها إليها، حتى تجد نفسك أهلًا لترؤس الجمهوريّة؟

فهل لديك قوّة شعبيّة وتمثيليّة أكثر ممّا كان لدى الرئيس ميشال عون، عند “انتخابه”؟ أم لديك “برودة أعصاب” أعظم من تلك التي بقي الرئيس ميشال سليمان يتمتّع بها ؟ وهل لديك قدرة على المناكفة، بعد زخم رياضة السباحة، أكبر من تلك التي كانت لدى الرئيس أميل لحود؟ أم لديك نظام  أكثر عدوانيّة من النظام السوري يقف الى جانبك كما كانت عليه الحال مع الرئيس الياس الهراوي، رحمه الله؟

فخامة الرئيس المحتمل!

الرئاسة، أقلّه في السنوات القليلة الماضية، لم تعد مسألة طموح، بل أضحت قضيّة شعب يموت جوعًا،قهرًا وغرقًا في قوارب الهروب من الجحيم.

إنّ اللاهث وراء هذا المنصب، إذا لم يكن واثقًا بقدراته على اقناع الخصم قبل الصديق، بالحسنى هنا وبالضغط هناك وبالقوّة هنالك، بخطّة انقاذيّة للبلاد، هو  كالراغب بجرّ  لعنة التاريخ، وبأن يجلب عليه احتقار المجتمع الدولي، وبالتخفّي وراء مئات المسلّحين من غضب الشعب وشتائمه!

لا يغشّك تقييم نفسك ايجابيًّا، بإجرائك مقارنة مع رئيس سبقك،فإن كنت تتوهّم  بأنّك أفضل منه فهذا لا يؤهّلك لتكون على قدر التحدّي الكبير،فكرم لصّ لا يجعل منه قديسًا لمجرّد أن اللص الآخر بخيل،والقزم الذي يعلو كعبًا عن القزم الآخر، لا يصبح عملاقًا، و”تجبّرك” على من هم أضعف منك،لا يجعلك بطلًا،فيما أنتَ تُهدر أثمن أوقاتك في استرضاء من هم أقوى منك!

فخامة الرئيس المحتمل!

إنّ الكارثة الكبيرة لا يمكن ان يجد مخارج لها إلّا الكبار بتفانيهم ونشاطهم ويقظتهم وتجاربهم وعلمهم وعلاقاتهم المحليّة والدوليّة وتصميمهم وتخطيطهم وتعاليهم وتضحياتهم.

وانت تدرك، من دون أدنى شك، أنّك لم تتقدّم الى هذا المنصب لأنّك تتمتّع بمؤهّلات تحتاج اليها مسيرة الإنقاذ، بل لأنّ لديك دينًا سياسيًا وسياديًا في ذمّة “الناخب الأكبر”وتطلب تسديده لك، في مقابل أن تواصل “خدمته”.

وأنت في ذلك، مجرّد نسخة صغيرة عن الرئيس الحالي ميشال عون الذي، على الرغم من شعاراته الكبيرة ووعوده العظيمة وطموحاته النهمة، قاد لبنان الى الجحيم.

من السهل ادّعاء القدرة على الحكم على نيّات عون،والتوهّم بأنّ نياتك”افضل”من نيّاته هو،لكنّ هذا الاستسهال هو بذاته دليل على عدم قدرتك على قيادة مسيرة الإنقاذ، لأنّ ما وصل إليه لبنان لا علاقة له بالنيّات، بل بالإرتهان المضمر.

فهل أنتَ قادر على تحرير  السلطة من ضرر سلاح “حزب الله” وتبعيته ل”الحرس الثوري الايراني”، فيما أنتَ تعرف أنّك لولا تعهّداتك السريّة له، لما كان يمكن أن تصل الى القصر الجمهوري؟

وهل أنت مؤهّل لإقناع القوى التي انتخبتك بالتخلّي عن المحاصصة الحكومية والادارية والعسكرية والدبلوماسية والمالية والاقتصادية والخدماتية، وأنتَ تدرك ما هي نوعيّة الوعود التي ربطت بها نفسك معها؟

فخامة الرئيس المحتمل!

نحن ندرك أنّك لستَ مؤهّلًا لأن تكون رئيس جمهوريّة المرحلة المقبلة، سواء أكنتَ مدنيًّا أم عسكريًّا، لأنّنا ندرك خفايا ارتباطاتك، بغض النظر عن دورك المباشر، بكل القوى المتورطة في تحويل  واحدة من جنّات الأرض الى أسوأ جحيم.

لن تغشّنا نحن، في مسعاك الى القصر الجمهوري، بل أنتَ تغش نفسك.

قبل أيّام كنتُ ومجموعة نستمع الى شخص تنطبق عليه صفة “الرئيس المحتمل”، فتفاجأت بأنّ جميع الموجودين، على الرغم من اختلاف بيئاتهم السياسيّة والطائفية وتنوّعهم الثقافي والفكري والتاريخي، أجمعوا على أنّه أصغر من الرئاسة، لأنّه لا يختلف، على المستوى المنهجي، في شيء، عمّن يطمح في خلافته!

وفي اليوم التالي، جرى نقاش حول شخص آخر تنطبق عليه أيضًا صفة “الرئيس المحتمل”، فبدا، على الرغم من أنّه “مشهور” مجهولًا جدًّا، لأنّ نيل الثناء على سلوك وظيفي لا يعني التسليم بقدرته على أن يكون صالحًا لرئاسة الجمهوريّة.

فقائد الجيش، مثلًا، لا يمكن، في ضوء الدستور، أن يكون قائد الجمهوريّة.

الجيش يوفّر لقائده حق الأمرة. الدستور لا يمنح رئيس الجمهوريّة الحقّ نفسه.

الجيش يوفّر لنفسه، بغض النظر عن قائده، دعمًا غربيًّا، لألف سبب وسبب. الدولة لا تتمتّع بهذه الخاصيّة، بل هي هشّة جدًّا، لأنّ القرار الذي لا تُحسن اتّخاذه يرتد عليها ويلًا وثبورًا.

الجيش يوفّر لقائده وأجهزته حصانة لا يتمتّع بها السياسيون، مهما علت بهم المناصب.

الجيش يتمتّع بالقدرة على الصمت، وتاليًا على إخفاء الذات، اذا كان إطلاق المواقف حيال حدث محدّد يجلب “وجع الرأس”. رئاسة الجمهورية صمتها بذاته…كارثة!

فخامة الرئيس المحتمل!

ما يمكن أن تجهله أنّ الشعب اللبناني لم يعد قابلًا للخداع، فمن يؤيّدك منه يفعل لأنّه مرتبط بك ومصالحه من مصلحتك، لا أكثر ولا أقل!

نصيحة: لا ترمِ نفسك في “مستوى اللا أهليّة”، فتجر الويلات على نفسك، على شعبك وعلى وطنك.

لذلك، رجاء اترك رئاسة الجمهوريّة لمن يتمتّع، فعلًا، بمؤهّلات تعينه على إخراج لبنان من جحيمه، وقف الى جانبه وادعمه وسدّد خطاه.

إنّ الشخص الأنسب لهذا المنصب، في هذه المرحلة بالتحديد، ليس ذاك الذي تأتي به “صفقات داخليّة”، ولا ذيّاك الذي يفرضه الاختلال الفظيع في ميزان الرعب، بل هو الشخص الذي يمكن أن تلتقي حوله، ومن دون هاجس “صراع الأحجام”، قوى كبرى لأنّه بدعمها يستطيع أن يستعيد ثقة المجتمع الدولي بدولة فقدتها، ويعيد ادخال المستثمرين الى اقتصاد هربوا منه، ويُحيي مؤسّسات دخلت في “موت سريري”، ويعطي برامج الاصلاح ومكافحة الفساد زخمًا كبيرًا، بعيدًا من “حروب” الاستهداف والالغاء والاستحواذ!

فخامة الرئيس المحتمل!

بصريح العبارة، وبفائق الاحترام، اغرب عن وجهنا قبل حتى أن تطلّ علينا، لأنّنا جرّبنا أمثالك وكان ما كان!

زر الذهاب إلى الأعلى