بعد الانتخابات إلى أين من هنا؟
بقلم: أ.د. غانم النجار
من حيث الحدث والممارسة فإن انتخابات الغد لا مفاجآت فيها باستثناء واحدة محتملة. تصنف الانتخابات في الكويت بين أكثرها سلمية، وأقلها عنفاً، ووضوح إجراءات، بما في ذلك حق الاعتراض، الذي تفصل فيه أعلى سلطة قضائية، والتي حكمت عبر التاريخ بكل الاتجاهات، ليصبح للقضاء دور سياسي فاعل، والذي سنفصله في دراسة قادمة بعنوان «القضاء في الكويت، دراسة سياسية».
تمثل الانتخابات أقصى محطات الصراع الاجتماعي والسياسي، سواء بين أفراد أو جماعات، التي تتضافر جهودها الصراعية للحصول على أعلى الأصوات، لتعزيز وجودها في هيكل القوة بالمجتمع. إلا أن ما يضعف العملية السياسية هو أن أغلب المتنافسين ليسوا إلا أفراداً، ولذلك بالإمكان أن يدخل على الخط متنفذون وأصحاب مصالح لدعم هذا المرشح أو ذاك، دون أن يظهروا بالصورة.
هذه الانتخابات هي من الانتخابات النادرة التي تحدث دون هجوم على الحكومة، بسبب مبادرة الإصلاح الانتخابي التي أطلقها سمو الأمير، وصرح بها سمو ولي العهد، في 22 يونيو 2022، وكانت بمنزلة إعلان قطيعة مع الممارسات الحكومية الماضية، كالتدخل في الانتخابات، والتصويت لرئاسة المجلس، أو لجانه، ثم إعلانها التصويت بالبطاقة المدنية، والتحرك ضد الانتخابات الفرعية، وشراء الأصوات، وقد خلق ذلك حالة من التفاؤل، لم تقتصر على الجانب الشعبي، ولكن انتقلت حتى لأشد الناقدين المعتمدين للحكومة.
وقد أدى هذا الفراغ السياسي إلى ضعف الطرح التنموي العام، والاكتفاء بشعارات عامة مقتضبة، أغلبها يستحيل قياسه.
وقد فتحت حالة الفراغ والارتباك السياسي الباب على مصراعيه لتحول الصراع العلني بين أفراد المرشحين أنفسهم وتتجاوز الحدود المعتادة، وهي أجواء حادة في الغالب ستخبو وتتراجع بعد إعلان النتائج، على الرغم من أن هناك من سيسعى إلى استمرار حالة الشد والجذب.
بعد أن تنتهي الانتخابات، ونهايتها قريبة، ستبدأ معارك مستحقة، أولاها التشكيل الوزاري، ثم رئاسة المجلس ثم اللجان، وهنا تبدأ ساعة الحقيقة، في تحويل الإصلاح الانتخابي، الذي بادرت به الحكومة، إلى إصلاح سياسي ببدايات صغيرة، ومن غير المعلوم إن كانت ستستمر على ذات المنوال. أما المجلس ونوابه الجادون فعليهم السعي إلى إنهاء الصيغة الفردية للعمل البرلماني، وربما يصلح نموذج الكتل البرلمانية الذي ساد الحياة البرلمانية منذ 1992 حتى 1999، وهو نموذج انتقالي من الفردية المطلقة إلى ما يمكن نقله إلى وضع مؤسسي، مع الممارسة.
بلا حراك جاد من النواب والحكومة، وتوافق على أساسيات أغلبها معروض على الطاولة، لا مستقبل للعملية السياسية، وقد نعود في أي لحظة إلى حالة الانسداد السياسي، وكأننا «لا رحنا ولا جينا».