دلالات الهتافات ضد نجل المرشد وسط الاحتجاجات الإيرانية

التظاهرات تأتي خلال فترة حرجة بالنسبة إلى طهران

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

تتكاثر الغيوم فوق رأس إيران، وبعد أن رشحت الإشارات الإيجابية والتقدم النسبي من لقاءات فيينا، عادت طهران لتعلن عن وجود “منهج غير بناء” ضدها،  فتعتبر طهران أن وفدها لم يقابل بمواقف إيجابية من قبل الـ “ترويكا” الأوروبية (فرنسا بريطانيا وألمانيا) في ما يتعلق بالاتفاق النووي.

وجاءت التظاهرات التي تعم أرجاء إيران بعد حادثة وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني في الـ 16 من سبتمبر (أيلول) الحالي، “القطرة التي أفاضت الكأس”، كما تصفها أستاذة العلوم السياسية في جامعة “ديدرو” بباريس والمتخصصة في الشؤون الإيرانية أزاده كيان في حديث مع شبكة “فرانس 24″، واصفة وفاة أميني بـ “المشبوهة”.

 

ويصف كريم سجادبور الباحث في “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” في مقالة نشرتها “واشنطن بوست” في الـ 24 من سبتمبر (أيلول) الحالي، بعنوان “ما يجب أن يتعلمه الغرب من الاحتجاجات في إيران”، أن وفاة مهسا أميني التي ورد أنها تعرضت للضرب

المبرح بعد أن احتجزتها “شرطة الأخلاق” لإظهارها جزءاً كبيراً من شعرها، قد أثارت احتجاجات على مستوى البلاد، وهذه الاحتجاجات بحسب الباحث “قادتها حفيدات الأمة ضد الأجداد الذين حكموا البلاد لأكثر من أربعة عقود”.

وازدادت مظاهر القمع الذي تمارسه الشرطة الدينية على الإيرانيين منذ وصول الرئيس المحافظ والمتشدد إبراهيم رئيسي إلى السلطة في يونيو (حزيران) 2021.

هشاشة النظام الإيراني

وتتابع مقالة “واشنطن بوست” أنه “على رغم أن قوات الأمن الإيرانية تبدو وكأنها تسيطر على الوضع، إلا أن مؤشرات هشاشة النظام الإيراني أكبر بكثير مما شوهد خلال الأسابيع التي سبقت ما يعرف بثورات الربيع العربي في مصر وتونس”.

وفي تقرير بعنوان “لماذا الاحتجاجات في إيران مختلفة؟” لموقع “ناشيونال إنترست” الأميركي في الـ 23 من سبتمبر الحالي، فقد وصف الاحتجاجات الحالية في إيران بأنها تختلف عن كل سابقاتها، وتأتي في وقت محوري بالنسبة إلى النظام بسبب مرض المرشد الأعلى علي خامنئي على رغم ظهوره علناً مرتين.

كذلك فإن خطة إيران لخلافته غير واضحة، واحتمال أن تتمكن إيران والولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي، مما سيؤثر بشكل كبير في مسار البلاد.

ويشرح كاتب التقرير بلايز مالي أن استجابة السكان للمشاركة في الاحتجاجات كانت سريعة وواسعة النطاق، وكانت مشاركة النساء فيها كبيرة، إذ قام العديد منهن بقص شعرهن أو خلع الحجاب الإلزامي، وفي بعض الحالات أشعلن النيران في حجابهن وشعرهن.

وطالب المتظاهرون على الفور بإسقاط النظام وإنهاء “الجمهورية الإسلامية”، مما دفع بالسلطات إلى مواجهة هذه الاحتجاجات بقمع شديد أدى إلى سقوط قتلى، كما قيدت قدرة الإيرانيين على استخدام الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لكن مقاطع الفيديو من الاحتجاجات انتشرت على نطاق واسع.

وينقل عن مقالة في “واشنطن بوست” للأستاذ المساعد في علم الاجتماع والدراسات الدولية في “بوسطن كوليج” محمد علي كاديفار قوله إن هذه الاحتجاجات استلهمت الشجاعة من الاحتجاجات السابقة، لكنها تتجاوزها في أربعة جوانب، وهي أن المرأة تقود الطريق، وأن الإيرانيين البارزين في جميع أنحاء البلاد بدأوا يتحدثون علانية، وأن العديد من الإيرانيين الذين لا يشاركون عادة في الاحتجاجات وقفوا تضامناً مع النساء وطلاب الجامعات، وأن هذه الاحتجاجات تجاوزت الانقسامات العرقية وبات معلوماً أن مهسا أميني كردية.

وفي السياق تشير “واشنطن بوست” إلى أنه “لا يزال من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كانت هذه الاحتجاجات ستؤدي إلى تغيير ذي مغزى أم ستضيف ببساطة شرخاً آخر إلى جسد هذا النظام الفاسد الذي يعد مصدر تنوعه الوحيد اللونان الأبيض والأسود لعمائم الملالي”.

وتؤكد منظمات حقوقية عدة أن المضايقات شملت ملايين النساء الإيرانيات بسبب ارتدائهن الحجاب، وصولاً إلى اتهام بعضهن بارتكاب جرائم وإصدار أحكام عليهن بأكثر من 10 سنوات في السجن، كما أن العشرات اعتقلن لتحديهن التعليمات الحكومية بخصوص اللباس الإلزامي للنساء.

الشروخ في قاعدة النظام

وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” كان رد النظام الوحيد على الاحتجاجات الداخلية منذ 43 عاماً هو مزيد من القمع، لكن في الوقت الراهن بينما يتهيأ النظام لنقل محتمل للقيادة من خامنئي (83 عاماً)، فإن الشروخ في قاعدة النظام تزداد اتساعاً، إضافة إلى أنه قد لا يكون سهلاً أو سلمياً أو وشيكاً انتقال إيران من الحكم الديني إلى الديمقراطية، لكن هذا الحدث هو المفتاح الوحيد الأكثر أهمية للتحول في الشرق الأوسط، بحسب الصحيفة الأميركية.

وبينما تستمر “تظاهرات الحجاب” أو “ثورة الجدائل”، يظهر في الظل رجل قوي يستعد لخلافة والده في منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها بتاريخ الـ 25 من سبتمبر الحالي.

ويذكر أنه في نظام ولاية الفقيه في إيران لا يورث الحكم من المرشد إلى ذريته، ويتولى “مجلس خبراء قيادة الثورة” مهمة تعيين المرشد في البلاد.

لكن يعتقد كثير من المعارضين أن النظام يهيئ لانتقال هذا المنصب إلى نجل المرشد مجتبى خامنئي الذي تربطه علاقات وثيقة بالحرس الثوري والأجهزة الأمنية.

وعبر المحتجون في عدد من التظاهرات عن غضبهم ضده من خلال إطلاق شعارات مثل “مجتبى قد تموت قبل أن تبصر القيادة”.

من هو رجل الظل القوي مجتبى خامنئي؟

ولد مجتبى خامنئي (53 عاماً)، في الثامن من سبتمبر عام 1969، ويعد ثاني أكبر أبناء المرشد الإيراني الأعلى، وعندما كان والده رئيساً للبلاد خلال الثمانينيات وقبل أن يصبح لاحقاً مرشداً أعلى عام 1989، حارب مجتبى في كتيبة “الحبيب”، وهي وحدة شاركت في المعارك الحاسمة خلال الحرب العراقية – الإيرانية.

ومهدت هذه الكتيبة الطريق لجنودها حتى أصبحوا مسؤولين أمنيين متهمين بارتكاب أعمال قمع، لكن مجتبى لم يجتذب انتباه الرأي العام إلا عام 2005 عندما أصبح محمود أحمدي نجاد أول شخص من غير رجال الدين ينتخب لرئاسة البلاد.

واستقال المرشح الرئاسي الخاسر في تلك الانتخابات مهدي كروبي من منصبه كمستشار للمرشد الأعلى بعد اتهامه لمجتبى بمساعدة نجاد في الانتخابات.

وفي عام 2009 قال قادة المعارضة إن نجل المرشد الأعلى ساعد في تزوير التصويت لمصلحة أحمدي نجاد، وأنه أيد قمع الاحتجاجات التي هزت البلاد، إذ شارك مئات الآلاف في حركة تسمى “الحركة الخضراء”.

ولم يعلق مجتبى على مزاعم التلاعب في التصويت، فيما أجرى مجلس صيانة الدستور الإيراني الذي يشرف على الانتخابات عملية إعادة فرز جزئية مؤكداً فوز أحمدي نجاد.

وفي عام 2019 قدرت وزارة الخزانة الأميركية أن مجتبى تولى بعض مسؤوليات المرشد الأعلى مما أدى إلى تعزيز “طموحات والده الإقليمية المزعزعة للاستقرار والأهداف المحلية القمعية”.

وفي العام ذاته خلص تقرير للكونغرس الأميركي إلى أن مجتبى خامنئي كانت له “إسهامات مهمة” عبر قرارات القيادة في إيران، وأصدرت وزارة الخزانة قيوداً ضده فجمدت أية ممتلكات لديه في الولايات المتحدة، وحذرت من أن أي شخص يتعامل معه سيتعرض للعقوبات.

وبحسب مواقع إيرانية معارضة فقد أثار مجتبى الجدل بعد تلقيبه بـ “آية الله” في وكالة أنباء “راسا” التي تغطي أخبار الحوزة الدينية في إيران، وبعد أن نشرت رابط التسجيل في دورة “بحث الخارج” لمجتبى خامنئي.

وأشار نشطاء التواصل الاجتماعي بحسب موقع “إيران إنترناشونال” المعارض إلى أن انتشار هذا الخبر جاء بعد تحذير رئيس الوزراء الإيراني السابق مير حسين موسوي من توريث منصب المرشد، وكذلك إقالة رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني حسين طائب، وكتبت وكالة “راسا” للأنباء أن “التسجيل بدأ في مقرر ’بحث الخارج‘ لآية الله الحاج السيد مجتبي خامنئي”.

يذكر أن دورة مجتبى خامنئي في “بحث الخارج” بدأت عام 2008، لكنها المرة الأولى التي ينشر إعلانها في وكالات الأنباء.

وكان موقع “جهان نيوز” أفاد عام 2008 باعتراض بعض مراجع التقليد على دورة “بحث الخارج” لمجتبى خامنئي، علماً بأن نشر هذا الخبر جاء بعد شهر واحد من تحذير حسين موسوي من إمكان توريث منصب المرشد في إيران.

ويشار إلى أن حسين موسوي هو أحد قادة الاحتجاجات على نتائج انتخابات الرئاسة لعام 2008، وكان حذر من توريث منصب المرشد فكتب، “هل عادت السلالات التي حكمت منذ 2500 عام ليحكم الابن بعد والده؟”.

كما صرح المرشح الآخر لنتائج انتخابات 2008 أيضاً مهدي كروبي، واصفاً المخاوف التي أثارها مير حسين موسوي بأنها أصل مشكلات البلاد، ومطالباً بردود على أسئلته.

مجتبى خامنئي “ظل قوي وراء الكواليس”

وبحسب “وول ستريت جورنال” فقد برز اسم مجتبى، صاحب القول الفصل في البلاد خلال المرحلة الماضية، على رغم أنه لا يملك أي منصب حكومي رسمي، ونقلت عن مسؤولين أميركيين وإيرانيين أن مجتبى مسؤول عن الإمبراطورية التجارية لوالده، وله تأثير في تعيين مسؤولين أمنيين والإشراف في بعض الأحيان على أجزاء رئيسة من جهاز الأمن الإيراني.

وقال الأستاذ المساعد للعلوم السياسية بجامعة “تينيسي” في تشاتانوغا والزميل غير المقيم لشؤون السياسة الإيرانية في “مجلس شيكاغو للشؤون العالمية” سعيد جولكار، “في بلاط المرشد الأعلى هو ظل قوي وراء الكواليس”.

وكانت المؤسسة الدينية الإيرانية رفعت رتبة مجتبى إلى “آية الله” آواخر أغسطس (آب) الماضي، وهو أعلى لقب ديني بعد المرشد، إذ يجب أن يحمل المرشد المستقبلي هذا اللقب.

وأتى هذا الترفيع قبل أيام من نشر صحيفة “نيويورك تايمز” أنباء تفيد بتدهور صحة خامنئي الأب خلال الأسابيع الأخيرة، قبل أن يظهر أخيراً علناً.

ويقول محللون إيرانيون إن الظهور العام المتزايد لخامنئي الابن هو علامة على تشدد الخط المعادي للغرب في البلاد، في وقت تتعثر فيه المفاوضات النووية ويتزايد التدهور الاقتصادي في الداخل مع الاستياء الشعبي من الحكم الإسلامي.

وبحسب الصحيفة الأميركية فقد قال محللون ومقربون من الحكومة الإيرانية إن صعود مجتبى يمثل تحولاً بعيداً من القيادة الدينية التقليدية التي كانت حاسمة في تأسيس الجمهورية الإسلامية، كما أنه يمثل بدلاً من ذلك الجماعات شبه العسكرية ورجال الدين الأكثر تطرفاً والذين ظهروا خلال السنوات الأخيرة كأقوى الجهات الفاعلة في البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى