كرة القدم تقود للخلاف فمن سيوجهها للائتلاف..؟!!
بقلم: صالح الراشد
صالح الراشد
يستغلون كرة القدم ويتسترون خلفها لصناعة صورة غير حقيقية توهم الآخرين بأنهم الأبطال وأصحاب الريادة، يستغلونها دون الاهتمام بالمجتمع ودون حساب للمخاطر التي قد ترافق فعلهم، يستغلونها حتى يرتفعوا فوق الرقاب غير آبهين بأن تسقط على الأرض رقاب، يستغلونها بطريقة عنصرية إقليمة ليفقدوها معانيها العظيمة، يستغلونها حتى نسي البعض ان كرة القدم مجرد لعبة ترفيهية كان يجب أن تساهم في زيادة العلاقات الإنسانية وانسجام المشجعين، يستغلونها دون أن يدركوا بأنهم تحولوا من عشاق فريق إلى مسيئين للآخرين ليصبحوا عناصر تأزيم وتهديد للوطن.
هذا حال كرة القدم في الأردن وغالبية الدول العربية حيث نفتقد للإدارات الراشدة، ومن يُشاهد ما يُكتب في وسائل التواصل الإجتماعي يُصاب بالذهول من كم الحقد الذي أخذ ينتشر، ويُصاب بالذهول من جهل من يعتبرون أنفسم قادة رأي وفكر بسبب سوء الرسائل التي يوجهونها، وقد نجح هؤلاء بأفعالهم المعيبة بتحويل الاختلاف في تشجيع المواطنين لفريق وفريق آخر إلى خلاف شخصي، وهذا بحد ذاته أمر يسعى إليه أعداء الوطن، بتفريق الجموع وجعل كل فئة تركض خلف فريق وتشتم وتلعن الآخرين، ليتبع فكر هؤلاء بعض العوام ليصبحوا خطر على المجتمع بغض النظر على النادي الذي يشجعونه.
ونسي أو تناسى وربما لم يتعلم من يدعون المعرفة، وهم يتسابقون لقول هذر الكلام أن الطبيعة تقوم على التنوع وان الإختلاف أمر فطري والخلاف لا إنساني، وهذا التنوع في التشجيع والشكل يمنح الحياة بهجةً وجملاً ويزيد من ثقافة الشعوب، لا سيما ان الإختلاف هو سنة من سنن الحياة سواء في الفكر السياسي أو الإجتماعي والثقافي وطبعاً الرياضي، وقد عمل الإسلام على تنظيم الإختلاف وضبطه بالعديد من العوامل ليساهم في بلورة الرؤى وتصحيح مسيرة الشعوب، ورفض الإسلام ان يكون الإختلاف طريق للفُرقة والإقتتال والتناحر والشتم والسب والكراهية، مع العلم ان جمع المشجعين على دعم فريق واحد غير المنتخب الوطني أمر مستحيل.
وهنا يبرز دور العقلاء صالحوا القلوب راشدوا الفكر لردع التوجهات الظلامية بنور الحقيقية، وتبيان أن الإختلاف لا يجب أن يوصل البعض لمرحلة التفتت بل يجب أن ينشر الائتلاف في المجتمع، كون الائتلاف يصنع الوحدة والتآخي وضبط المجتمع واكسابهم هويتهم وجعلهم يسمون بها فوق الجزئيات التي تضر ولا تنفع، وندرك بأن لكل متابع لكرة القدم فريق يشجعه في الداخل والخارج، لذا فإن المشاحنات والمشادات والشتائم التي تزيد من بشاعة المنظر يجب أن تتوقف بفعل عقلاء الأندية، وليس من خلال أولائك الباحثين عن التتويج مهما كان الثمن، والغريب اننا لم نجد أي من العاملين في الاتحاد ووزارة الشباب والأندية ومؤسسات المجتمع المدني من يخرج بتصريح يهديء من روع المجتمع، وكأنهم ينتظرون الإعصار أو أن تخدمهم النتائج.
لقد ولى عصر العقل والبحث عن المصلحة الكبرى حين تولى سابقاً إدارات الأندية قيادات وازنة، تقيس الأمور ومخاطرها بميزان الذهب لتبحث عن المصلحة العليا، وتغير الوضع في القرن الجديد واصبح البحث عن الشعبوية المقيتة الهدف الأسمى، ليقوم اللاعبون بهذا الدور حالياً بفضل زيادة الروابط بينهم، وتتجلى بأبهى صورها حين يُصاب أي منهم بمكروه حيث يتداعون لمساندة بعضهم البعض، وهذا يعني ان هناك روابط لا يمكن لعابث هنا وآخر هناك أن يؤثر فيها، فالدوري يقام في كل عام ويمكن تعويض لقب خسره الفريق في هذا الموسم بالفوز في الموسم القادم، لكن لا يمكن تعويض أي مشجع يموت أو يُصاب.
فالانسان أهم من جميع الألقاب وحرمة دمه وماله وعرضه مصانة بالدين، وفي حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: ((يا أيها الناس، أيُّ يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. قال: فأيُّ بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام. قال: فأيُّ شهر هذا؟ قالوا: شهرٌ حرام. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، فأعادها مراراً ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟)) ، ونحن نشهد بأن الحبيب المصطفى بلغ الرسالة وادى الأمانة وأكد على حرمة الدم والأموال والأعراض لكن البعض يجهلون وفي غيهم على وسائل التواصل الإجتماعي مستمرون، فهل يرجع هؤلاء عن غيهم ويقتدوا بحديث الحبيب المصطفى أم ننتظر كارثة كالتي حلت باندونيسيا حتى نستفيق..؟