أبرار صباح غازي: لا تجعلوا الإعاقة سبباً فالله حين يأخذ مناً، فهو يمنحنا ما يعوضنا به خيراً

مجلة ضفاف العراقية –  حاورتها حنان جميل –

كلمات من عبق الماضي

في ثلاثينات القرن الماضي ولأول مرة في تأريخ السينما أخرج المخرج توماس أديسون أول فلم صامت بلغ مدته خمسون ثانية ، أتسم بالتميز والانفراد، وأستطاع بهذا الصمت أن يجد جمهوراً عريضا للفن السينمائي ، حيث لا تشترط المشاهدة معرفة لغة معينة للتمكُّن من فهم أحداث العمل السينمائي الصامت ، أذ إن الصمت هو اللغة المشتركة بين جميع البشر. حيث رأى الكثيرون أن السينما الصامتة في حينها قد وصلت إلى أقصى درجات النضج الإبداعي من خلال قدرة المؤدين والممثلين على إيصال أقوى الأفكار الصامتة بأقوى تأثير لما يعايشه الإنسان من ابتسامات وآمال ودموع وأحزان .

ولذوي الإحتياجات الخاصة عالمهم الخاص الذي لا يمكن الدخول إليه إلا من خلال طرق ووسائل محددة لا يتقنها كثيرون .. وتعد الفنون من أهم المداخل التي تبحر في عوالم هذه الفئة المهمة في المجتمع  ، مما يسهم في تأهيلهم وتعليمهم والكشف عن مواهبهم.

في حوار هذا اليوم أستضيف فتاة رائعة من ذوي الأحتياجات الخاصة .. موهوبة و ملهمة …  تُخلق أعمالا فنية وتنتج لوحات من الشخصيات والمناظر الطبيعية الجميلة المتدفقة من خلال خيالها الخصب . . ترسم كل شي وتتقن بمهارة الرسامين الكبار الخيول العربية بأنواعها وتُظهر في لوحاتها رشاقة الخيول وقوتها وجمالها .. وقد أظهرت قدرا كبيرا من المثابرة على هذا العمل منذ فترة ليست بالقليلة .. بالرغم أنها ومنذ سنوات طويلة قد فقدت حاستي السمع والنطق ..

https://scontent.famm11-1.fna.fbcdn.net/v/t39.30808-6/309403187_5743889538997303_3496098894692500709_n.jpg?_nc_cat=106&ccb=1-7&_nc_sid=8bfeb9&_nc_ohc=vawsL-2dEzAAX9gYCi7&_nc_ht=scontent.famm11-1.fna&oh=00_AT89Vh_GLhwjUNoN5D4PRCC6K5ooqjAi6gEovqHjN0JKAg&oe=63462386

ضيفتي هي الفنانة أبرار صباح غازي من محافظة كربلاء المقدسة ، أكملت دراستها في مدرسة الصم والبكم وكانت من الأوائل لذكائها .. سعى والدها و  والدتها الفنانة رقية صباح منذ طفولتها إلى أحتضانها ودعمها عاطفيا وإنسانيا وفنيا .. فقد أستطاعت لسنوات أن تقدم لها العون لقهر ألامها وصراعاتها النفسية بالفن الذي عبرت عنه بالرسم فقد رسمت ما يقارب ال 60 لوحة وأعمالاً فنية أخرى لا تعد كالرسم على الزجاج والسراميك ،  وشاركت في معارض داخل العراق وخارجه ..

ومن أجل التعرف أكثر على دور الفن وأهميته في حياة الفنانة أبرار  كان لي هذا الحوار الخاص جدا والأول بالنسبة لها و بمساعدة والدتها بالردود على الأسئلة .

* أنت محاربة نبيلة تنهضين بروحك وبأحلامك على الورق .. كيف تعملين على أزالة كافة الحواجز التي تحول دون أن ترسمي أجمل اللوحات ؟

–  حين تزاح فكرة انك معاقة سمعيا وتكسري ذلك القيد الذي يحبطك ..  عندئذ أتمكن من أن أحلق مع أحلامي وطموحاتي الكثيرة .. هذا عامل قوة يدفعني لخلق عالم آخر رائع اعيش فيه بكل الجمال والشغف .

*  أخبريني من له الفضل الكبير بزرع الثقة بذاتك وتحقيق المتعة والتنفيس عن مخاوفك والقلق في كل مرة تقومين بصناعة وعمل شيء ما ؟

-اظن ان الثقة جاءت من بابا  -الله يرحمه – وماما فلهم دور عظيم لما أصبحت عليه اليوم ..  لم يشعروني يوما بالشفقة لانني ضعيفة ، هذا العامل عزز بداخلي الثقة العميقة كثيرا ، مما عكس على لوحاتي التي أعجب و اشاد بها الجمهور.

*  كيف جذبتك الريشة لعالم الرسم ؟ هذه اللوحات الرائعة تبهر الناس بروعتها ..  ففي كل لوحة تذرفين على المشاهدين الجنان المبهر والجمال الراقي  ،  هل تعلمتي الرسم تحت إشراف معلم التربية الفنية أو المهتمين بالدراسات النفسية لذوي الأحتياجات الخاصة ؟

– منذ الصغر احب هواية الرسم وكنت بالمدرسه اشارك بمعارضهم السنوية وكنت أشعر بالزهو وانا ارى معلماتي لطيفات معي والطلاب سعداء بي وبفني  .. وعندما تخرجت من معهد الصم و البكم  ، حاولت ان اعزز موهبتي بتعليم اكاديمي صحيح  وكل ذلك كان بفضل وجهد والدتي – حماها الله – فتعلمت على يد اساتذة ومحترفين بفن الرسم .

*  كيف تغلبتي على الشدائد والصراعات والمشاكل . وتمكنتي من فك القيود التي ضاقت بك لسنوات دون الأعتماد على التعبير اللفظي بطريقة مباشرة ؟  وكيف ساعدتك موهبة قراءة الشفاه للتواصل مع الأخرين ؟

– بالنسبة للسمع والنطق لم تكن عائق يوما ابدا فايماني بالله اقوى انني استطيع ان اتفاعل واتعامل مع الجميع دون عناء ..

احيانا بالاشارة واحيانا بقراءة الشفاه للشخص المقابل و كثير من الأحيان ترافقني والدتي فهي المعين الاكبر لي والسند بترجمة ما أريد أن أتحدث به  فهذا الأمر سهّل لي الكثير .

* ماهي المعارض التي شاركت فيها لعرض لوحاتك وأعمالك الفنية ؟

– شاركت بعدد من المنتديات الإلكترونيه من خلال برامج التواصل الأجتماعي مما ساعدني التعرف على أسلوب الفنانين العرب و الأجانب وأعمالهم الفنية  ، بالأضافة لمشاركتي المتواصلة بمدارس الرسم هنا في مدينتي ومن خلالهم نمت عندي مهارة الرسم وأصبح لي مشاركات كثيرة داخل العراق ألكترونيا ، وخارج العراق مشاركة في القاهرة والثانية في لبنان عام 2018 .. ولي مشاركتين بدعوة من مجموعة ” ريشة ولون ” العالمية بادارة الأستاذ  حيدر علي اللامي والذي كرمت من خلاله بشهادة تقديرية وقلادة الابداع .. فكانت سعادتي لا توصف بهذا التكريم ، فعدت للبيت  بمشاعر لاتوصف وكأنني أسير فوق الغيوم ، كانت فرحتي عارمة فحبي للرسم كبيرة  جدا .

* العلاج من خلال الفن يتم من خلال ترك ذوي الأحتياجات الخاصة بأن يخرجوا ما بداخلهم من نقاء وجمال وما تحمله نفوسهم من خلجات و أحاسيس خلال تقديمهم لرسم .. هل تشعرين بأن ما تقومين به يعزز فيك النجاح والأمل بمستقبل واعد ؟

–  بالتأكيد المشاركات الفنية تعزز في داخلي روح الاستمرار والمثابرة لأبدع اكثر بمساندة عائلتي .. أرى أن العلاج بالفن يتيح للأستقلالية أكثر من خلال إسهاماتي المتزايدة في ترجمة ما أشعر به وتأويل إبداعاتي الخاصة. فهو يشجعني على التعبير بتلقائية وحرية أكثر …  لذلك ارجو من كل من يجد في ابنائه اي أعاقة ، أن يأخذ  بيد الاولاد ومساندتهم ليعبروا  اكثر عن انفسهم ويكسروا قيد الخجل الذي يحطم نفسيتهم و شخصيتهم .

* يعتقد البعض أن الاقتصار على تقديم بعض الرسوم أو الأعمال اليدوية وعرضها على ذوي الأحتياجات الخاصة هو علاج كاف لهم  ، مما ينعكس عليهم بالارتياح النفسي، هل تعتقدين أنه اعتقاد خاطئ ؟

– الرسم يكسر ظلمة الروح ، وهو عامل محفز للعلاج ولكنه غير كافي .. الدعم المعنوي والعاطفي والنفسي ايضا علاج مهم لذوي الأحتياجات .  وينعكس ذلك على حالته الجسدية و شفاء من الكثير من الأمراض النفسية  ، وهذا سبب اساس لنجاح الطفل  .. ولكن هذا لن يتم دون مساندة فعالة تخلق من هذا الكائن انسان مبدع .

* هل ساعدتك التكنولوجية الرقمية الحديثة في التغلب على بعض التحديات التي من شأنها أن تمنعك من ممارسة أبداعك بشكل كامل ؟

– بالتأكيد التكنولوجيا سبب آخر للنجاح ، التكنولوجيا تساعد على دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة في المجتمع من خلال البرامج التي توفرها .. وفعلا سهلت لي مواقع التواصل الاجتماعي متابعة المنتديات الفنية للرسم ومنها أستفدت الكثير ، ففي كل يوم تقنية جديدة للرسم  ، ومن خلالها تغلبت على بعض الشدائد وساعدني ذلك و خلق بروحي وفكري التحدي والسعادة لابدع اكثر.

* لدي شعور بأنك تحاولين بموهبتك الرائعة توصيل رسالة معينة للمجتمع مرتبطة بموضوع ذوي الأحتياجات الخاصة  ؟ فهل أنا على حق ؟

– بالتاكيد هناك رسالة مرئية من خلال الفنون التي أقدمها  ..  لا شيء يحد الانسان ، فالله ياخذ منك ويعطيك حتى يرضيك فلا تجعلوا الإعاقة سبب ابدا … رسالتي واضحة جدا انطلقوا بكل حب وشغف لمعنى الحياة  ، أنظروها بعين ثانية اكثر جمالا .. وأخلقوا شعورا بالمسؤولية وبالتالي القضاء على الوصمة الأجتماعية الواضحة والمرتبطة بالإعاقة .

* ماهي الرسالة والنداء الذي ترفعينها للمسؤولين في مجال التربية والتعليم والعمل الأجتماعي لتمكين من ذوي الأحتياجات الخاصة التعبير عن صراعاتهم ومشكلاتهم النفسية الكثيرة ؟

– للاسف في العراق لا يوجد دعم لهذه الفئات فهي متضررة جدا من حيث الأخذ بايديهم ومساندتهم معنويا و ماديا للمضى قدما بمواهبهم ولو كانت صغيرة  .. أتمنى من المسؤولين العمل على توفير بيئة تربوية نفسية ملائمة واختيار طرقاً تدريسية مناسبة توفر الجو الملائم الذي يساعد على تنمية مهارات و أعادة تكيف الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة مع المحيطين به ، فهو جوهر إنساني قبل كل شي وهدفه نبيل ويحقق سعادة كبيرة ،  كذلك لأزاحة كافة المعوقات التي تعرقل تقدمه في المجتمع  ولأستعادة التوازن الانفعالي والتوافق الشخصي والاجتماعي للفرد والحفاظ على صحته النفسية  تعزيز وتقدير الوعي بالحياة والتعبيرات الفنية للأشخاص من ذوي الإعاقات المختلفة .

زر الذهاب إلى الأعلى