الحبكة والبناء الدرامي في رواية «أنا مريم» لعنان محروس

النشرة الدولية –

الدستور الأردنية – الناقد محمد رمضان الجبور –

قد تكون نقطة التأزم في رواية (أنا مريم) للروائية عنان محروس، هي البناء العام الذي رسمته الروائية للشخصية الرئيسة (مريم)، فمريم هي نقطة البداية وهي أيضا نقطة النهاية.

والحبكة في أغلب الأحيان ما هي إلا تلك الأحداث التي ترتبط بعضها ببعض في تسلسل زمني يوضحها ويحكمها حركة الشخوص الرئيسة والثانوية في القصة، وتزداد قوة الحبكة عندما تكون مُستلة من الواقع أو قريبة من الواقع الذي تعيشه الشخصيات، مما يثري العمل ويزداد عنصر التشويق لجذب المتلقي، ومعرفة ما تؤول إليه الأمور. يقول فلاديمير بروب وفيكتور شكلوفسكي «إن لكل عمل خيالي متن حكائي ومبنى حكائي. المتن الحكائي هو مجموعة الأحداث الخيالية المرتبطة معا في العمل، أما المبنى الحكائي فهو طريقة نقل معلومات وتفاصيل المتن الحكائي إلى القارئ، وهما يشكلان معا الحبكة».

وقبل أن نسترسل في الحديث عن الحبكة لابد لنا أن نشير إلى أن رواية (أنا مريم) هي امتداد لما بدأت به الروائية عنان محروس في روايتها السابقة (خُلق إنسانا) فتكرار بعض الشخصيات الرئيسة مثل مريم، آدم…وتنويه الروائية عنان محروس في نهاية روايتها الأولى بانتظار آدم في الجزء الثاني، فنحن أمام حبكة متماسكة تقوم على مجموعة من الحوادث المترابطة ، ويشعر المتلقي في هذا النوع من الحبكة بترابط الأحداث وسيرها في اتجاه واحد، فتبدأ أحداث الرواية (أنا مريم) من حيث انتهت أحداث رواية (خُلق إنسانا) (شيزوفرينيا) فبعد عنوان قصير (قرار) تبدأ الروائية بالدخول إلى أحداث الرواية بعنوان المصح العقلي، من هنا يبدأ التصعيد والتنامي للحبكة التي تتمحور حول الشخصيات الرئيسة للرواية، مريم و آدم، فقد بنت الروائية عنان محروس روايتها على العلاقة التي لم تُثمر غير التعب والألم لشخصية مريم، فمريم تمثل دور المخلصة لزوجها وحياتها العائلية رغم العوائق التي تقف في طريقها، وآدم يمثل دور الخائن المخادع الذي لا يحفظ الجميل، بل يتمادى في تمثيل دور المخادع ويتقن دوره، فنحن أمام مجموعة من الثنائيات الضدية التي تتمثل في شخصية مريم وآدم، فمريم الفتاة الجميلة التي بهرت كل من صادفها بجمالها، وآدم يمثل القبح، مريم المخلصة الوفية، وآدم المخادع الغادر الخائن، فهناك العديد من التداخلات المعقدة التي زادت من جرعة التشويق لدى المتلقي «انصتي جيداً، آدم لم يتناول أي دواء غير الفيتامينات طوال فترة إقامته في المصح، لقد خدعك وخدع كل من حوله للتهرب من مسؤوليات انهياراته المادية، وأفعاله التي لم توافق مزاجكِ….»

والمتتبع لأحداث رواية (أنا مريم) برى أن الروائية قد استطاعت أن تبني مجموعة من الأحداث المترابطة، والتي تتميز بوفرة عنصر التشويق في كل فصل من فصولها، فهي تشتمل على أحداث تصاعدية ومواقف درامية، يلمحها المتلقي من خلال متابعة تطور الشخصيات والأحداث، وهي تؤدي مجتمعة إلى وجود بناء درامي، نستطيع من خلاله أن نلج إلى عمق ما أرادت الروائية. ولا شك أن مصطلح الدراما من المصطلحات التي تخص الجنس المسرحي، ولكن هذا لا يمنع أن نرى بعض ملامح الدراما في الكثير من الأجناس الأدبية الأخرى ومنها الرواية فهي أكثر قرباً من المسرح وذلك لوجود بعض العناصر الهامة مثل الحوار، والمنولوج الداخلي، والحبكة والحدث الدرامي، وحركة الشخوص، والزمان والمكان، والمفارقة الدرامية، واللغة والصراع، وجميع هذه العناصر قد توفرت في الرواية التي بين أيدينا، حتى بدا البناء الدرامي واضحا، وكان لا بد لنا من أن نُعرج على بعض هذه العناصر لنرى مدى وضوح هذه العناصر.

، وما ميز الرواية وجعل منها بناءً درامياً متكاملا، ما قامت به الروائية عنان محروس بتقسيم روايتها إلى ثلاثة فصول، وكل فصل من الفصول ضم عناوين فرعية تخدم البناء، وتفتح الطريق أمام المتلقي للولوج إلى متن العمل الروائي، مستعينة بعنصر التشويق لجذب المتلقي، فكانت هناك مجموعة من العناوين الفرعية تحت الفصل الأول بلغت تسعة عناوين رسمت الطريق للمتلقي في متابعة أحداث الرواية…قرار، المصح العقلي، آدم ومريم، إنذارات، مماحكة… إلخ.

الحدث الدرامي:

الفضاء العام للرواية مبني على فكرة الصراع التي تعيشها الشخصية الرئيسة (مريم)، فالظروف التي تعيشها هذه الشخصية جعل منها بؤرة الحدث، فمنها تنطلق كل أحداث الرواية، فالصراع التي تعيشه الشخصية تمثل في أمور وأشكالٍ كثيرة، فجمال مريم كان سبباً من أسباب الصراع، فقد طمع بها كل من صادفها من الذين تتعامل معهم، فلجأت الروائية إلى شيء من التحليل النفسي لهذه الشخصيات التي أعماها الطمع للفوز بجمالها بسبب ظروفها القاهرة ، فهذا «مدير البنك شريف…هادئ، لطيف، وملتزم بالعائلة والأخلاق الحميدة ظاهرياً فقط» «أما أمين…نائب مدير دار النشر خاصتي فهو الأصرح، الأوضح الأكثر رذيلة وجموحاً بالإضافة أنه الأصغر سناً وعقلاً»، وجود مثل هذه الشخصيات أثرى العمل الروائي، وزاد في وجود أحداث ساعدت في تأزم الحبكة الرئيسة وهذه سمة من سمات البناء الدرامي.

وشخصية آدم التي كانت المحور الذي تدور حوله الكثير من أحداث الرواية وهو جزء هام جداً في الحبكة الروائية، فهو يمثل الصورة السلبية في حياة مريم، وتسير الأحداث بأسلوب درامي سلس وفيه الكثير من التشويق.

ولا شك أنّ للزمان والمكان الأهمية الكبرى في الأعمال التي تعتمد على البناء الدرامي وتسلسل الأحداث، فقد برعت الروائية عنان محروس في توظيف المكان والزمان لخدمة العمل الروائي، فبالإضافة للمكان العام (لبنان) هناك أماكن أخرى تم توظيفها في الرواية، كان لها الأثر في نمو البناء الدرامي.

اللغة من العناصر الهامة والرئيسة في جميع الفنون الأدبية، إلا أنها في الرواية لها أهمية خاصة، فمن خلالها تظهر العناصر الأخرى من زمان ومكان وشخوص وأحداث، فيزداد أهمية العمل بوجود لغة قوية مؤثرة تؤدي الوظيفة المرجوة، فاللغة هي العنصر الأهم في نقل الأفكار ونسج الأحداث، وقد استطاعت الروائية لفت انتباه المتلقي بتوظيفها لغة تقترب من الواقع، بسيطة قوية، واضحة، وظفت فيها الحكمة والمثل وما جاد به قاموسها المعرفي الغزير.

هذا العمل من الأعمال الروائية التي سجلت حضورا لافتا في المشهد الثقافي الأردني والعربي، وحظيت بدراسات عدّة.

Back to top button