الأسم جزء من هويتنا
بقلم: أمل محي الدين الكردي

الاردن دولة أجتمعت بها ثقافات ولهجات مختلفة وشكلت بشكل لافت توليفة تتقاطع عندها الموروثات والتقاليد.
والتاريخ هو زمان ومكان ومجتمع إنساني متحرك ومتجدد على مر العصور ودراسة التاريخ هي حكاية شعوب على وجه الارض بكل حيثياتها وأبعادها..

ورغم صعوبة البحث وضرورته والتقصي الموثق والدقيق والدراسة والبحث يبقى هناك معلومة مفقودة في بعض الاحيان هكذا تعلمنا من البحث ودراسته ،فبقدر ما نحب الحاضر ونتوق لبناء المستقبل ،لكننا نحب الماضي لأنه تاريخنا وجزء منا .. بدون القديم لا يوجد جديد ،وبدون الماضي لا يوجد حاضر.

فالأسماء هي جزء من هويتنا وتاريخنا وذاكرتنا – طالما وجودنا وهويتنا وثقافتنا موجودة ، والاسم هو جزء من المكان والزمان الذي يربط الأنسان في بقعة جغرافية معينة.

كثيرة هي الأسماء الشخصية وأسماء العائلات والعشائر … التي لا تزال مهنهم ومواقفهم وحضورهم موجودة بيننا ،لا بد لنا , من معرفة ولمحة تاريخية , حول معنى كلمة الإسم والتسمية ؟

يقول الباحث أنيس فريحة في مقدمة كتابه: ( معجم الأسماء المدن والقرى اللبنانية )
” اختلف الناس في اشتقاق كلمة ” إسم ” فمنهم من عّدها من الكلمات الثنائية الأصل شم أو سم , ومنهم من قال أنها من جذر وسم التي لا تختلف معنى عن وشم , فيكون الإسم عندهم سمة أو وشماً , أي علامة فارقة للإنسان والحيوان والنبات والمكان . ومنهم من قال أنها من سما سموا أي ارتفع وعلا , ومنها السماء لإرتفاعها عن الأرض،وفي التوراة ما يوافق هذا الرأي . فيكون الإسم عند هؤلاء تعظيماً ورفعة . ويعتبرون أن إسم سام ابن نوح الجد الأعلى للشعوب السامية مشتق من السمو والعظمة.

وقد كانت تسمية المولود الجديد , عند المتقدمين , من المراسيم الدينية . وللإسم عندهم أهمية عظيمة فقد كانوا يطلقون على المولود إسمين : إسماً يعرف به عند عامة الناس , وإسماً اّخر سرياً يعطى له عند البلوغ أو عند الإنخراط الرسمي , أي التكريس في القبيلة , وهذا الإسم لا يذكر ولا يعطى للغير تخوَفاً من فعل رقية أو سحر . ذلك لأن الشعوب القديمة لم تستطع أن تفرق بين الذات – إيكو أو إيخو – وبين الإسم.

فكان الواحد لا يبوح بإسمه – ومن هذا الإعتقاد امتناع أفراد بعض القبائل من إعطاء أسمائهم أو ذكر عدد مواشيهم – والقارئ في تاريخ الأديان – التوراة – قصة يعقوب يلاحظ ذلك ..!؟

ولا يزال حتى اليوم يعمل بهذا التقليد ( الإسمين ) في بلادنا العربية عند المسيحيين خاصة , يأخذ المولود الجديد إسم أحد القديسين عند المعمودية عدا إسمه الحقيقي الرسمي . ( كذلك يوجد هذا التقليد أيضا في كثير من الدول الأوربية مثلاً في بولونيا)

” يبدأ التاريخ المدوَن منذ 6000 سنة , ولكن معلوماتنا اليوم تتعدى هذه الفترة القصيرة من تاريخ البشرية , وذلك بفضل علمين حديثي العهد نسبياً , هما علم الحفريات أو ( الأركولوجيا ) , وعلم ( الفيلولوجيا ) أو فقه اللغة.

وعلم الفيلولوجيا ينظر إلى الكلمة الواحدة أنها متحجَر إجتماعي قديم وصل إلينا منذ اّلاف واّلاف السنين , وكل كلمة تتضمن فكرة , صورة ذهنية , تعكس لنا ناحية من نواحي التفكير الإنساني.

والأسماء قديمة العهد , وكل واحد منها ينطوي على فكرة دينية , عاطفية , سياسية , وتنحصر القيمة التاريخية لدراسة الأسماء في نواح ثلاث : 1 – الناحية الدينية – 2 – الناحية الإجتماعية – 3 الناحية السياسية.
وهنا لا بد من ملاحظة هامة يجب ذكرها بالنسبة للناحية السياسية.
فالمؤرخ يعتبر الناحية السياسية مهمة جدا لأنها مصدر تاريخي قديم . فإن الشعوب تفقد إستقلالها السياسي وتنقرض لغتها , ويندمج الشعب المغلوب بالغالب , ولا يبقى من اّثار المغلوب إلا بقايا من اللغة وفي أسماء المدن والقرى إذ أن هذه لا تتغيَر , بل تبقى شاهداً على تعاقب الشعوب.

ولا زالت الأسماء المتعددة موجودة بيننا منها الكنعانية – والآرامية –والسيرانية – والتركية ….. ومنها ما حمل اسم الصنعة او لقب حكاية او آي موقف ظريف ..الخ

إسم الأنسان بصمته دالة عليه دون غيره ولو تشابهت عشرات الأسماء ، نعشق أسمائنا مهما كانت ومهما تغيرت وتطورت الحياة ، الأسم حياة وولادة ونمو،فحينما يموت الانسان المجرد قد يُنسى لكن الاسم لا ينسى ،يتحول الى ذكرى باقية وبالتالي تصبح الأسماء مقدسة نابعة من قدسية حامليها في مسار المجتمع والحياة .

كشف التقرير السنوي لدائرة الاحوال المدنية في الاردن في عام 2021م عن أكثر الأسماء تكراراً أسم محمد القائمة ب 7339 اسم ويليه اسم آدم ب 3232 ثم احمد 2962 ثم يوسف 2767 ثم المركز الخامس عمر ب 2525 مولوداً أما الأناث خلال عام 2021 م فجاءت سلمى في المقدمة ب1716 مولودة يليها ميرا 1704 ثم وتين 1655 ثم جوري 1403 واخيراً نايا 1383 مولودة .

ونلاحظ في الاردن أن الاسم له قضية جوهرية وهو أبرز السبل للحفاظ على الهوية واظهارها وخاصة عند الاقليات رغم ما يمثل الاسم من انعكاس للهوية الفرعية للاقليات ومصدر فخر للشخص إلا انه يؤدي ببعض الاحيان الى صعوبات اجتماعية ومواقف طريفة ،ولكن الاندماج والانصهار في المجتمع الاردني وادخال الأسماء العربية لا يعني التخلي عن هوية الاصول الاصلية فيمكننا التعرف عليه من خلال اسم عائلته.

تتحرك خريطة الأسماء في المجتمعات العربية على وفق بعض الشواخص قديماً وحديثاً وتحركها في ذلك ثقافات المجتمعات وأنتمائها الديني والقبلي والعشائري والتقاليد والاعراف السائدة فيه ، وكل حسب المنطقة فمثلاً المدينة غير الصحراء .ولكن اليوم الثقافات الجديدة غيرت مفاهيم المجتمعات ولبست لباساً حضارياً آخر .ولكن منطقتنا العربية بقيت تتشابه بالأسماء كثيراً ولا تزال متوارثة بالرغم من الحداثة .واخيراً يبقى الاسم هو الانسان في الحياة وبعد الموت.

أمل محي الدين الكردي

Back to top button