“ستيلتو” نموذج للتعريب أفقد الدراما العربية ونجومها أهميتهم
النشرة الدولية –
العرب – حنان مبروك –
توضع المسلسلات المعربة أوتوماتيكيا في مقارنة مع العمل الأصلي، ويخضعها الجمهور للكثير من النقد والتحليل، خاصة في ما يتعلق بأداء الممثلين وتركيبة الشخصيات وطريقة طرحها في النسخة العربية، والحوار المتبادل بينها، وهذا ما يحصل حاليا مع مسلسل “ستيلتو” الذي أثار موجة انتقادات واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، تتهمه في أغلبها بحفاظه على خصوصيته “التركية”.
تعرض منصة “شاهد” التابعة لمجموعة قنوات “أم.بي.سي” منذ الشهر الماضي مسلسلا بعنوان “ستيلتو”، وهو النسخة العربية عن مسلسل تركي بعنوان “ستيلتو فانديتا”، الذي ينتمي إلى فئة الدراما البوليسية.
وصنف المسلسل من قبل النقاد على أنه سوري رغم تنوع أبطاله بين نجوم سوريا ولبنان. وأسندت البطولة إلى كاريس بشار، وسامر المصري، وديمة قندلفت، وقيس شيخ نجيب، وندى أبوفحات، وريتا حرب، وكارلوس عازار، وبديع أبوشقرا، ونور علي، بينما يشاركهم التمثيل ثلة من الممثلين اللبنانيين والسوريين الآخرين.
كتبت قصة المسلسل في نسختها العربية لبنى مشلح، بينما أعدت السيناريو مي حايك، وأخرج العمل المخرج التركي إندر إيمير.
ولئن كان المسلسل قد قدم على أنه النسخة العربية من المسلسل التركي، إلا أنه جاء عربيا فقط على مستوى اللغة المستخدمة والفنانين المشاركين ولم يمتلك أي ملامح أخرى تدل على “عروبته”، فقد حافظ على كل مقومات المسلسل التركي وأركانه حتى أنه ساهم في شهرته بعد أن فشل في تحقيقها حين عرض في العام 2017 على الشاشات التركية، وحتى عرضه على بعض قنوات موقع يوتيوب مدبلجا إلى العربية لم يحقق له الانتشار عربيا، وهو ما دفع البعض إلى التساؤل عن سبب رهان منصة “شاهد” على إنتاج مسلسل لم يحقق نسب مشاهدة مرتفعة.
ويسرد المسلسل قصة أربع نساء صديقات يكتمل اجتماعهن بعد سنوات طويلة، ما يؤدي إلى فتح صفحات الماضي وما تحمله من مشاكل ووقائع سابقة في طفولتهن، حين تسببت ثلاث منهن في تدمير حياة صديقتهن الرابعة وأستاذهن. تدعّي النسوة الأربع الصداقة فيما بينهن، لكنها صداقة بنيت على المكائد والجرائم الصغيرة وتستمر عليها.
ويقوم المسلسل على ثنائية الخير والشر، عبر قطبين هما فلك وألمى، اللتين تتصارعان منذ الصغر، إحداهما يقدمها على أنها نموذج للشر المطلق، في حين أن الأخرى نموذج للخير المطلق. لكنه يكشف الظلام في شخصية كل امرأة من الصديقات الأربع، ففلك كانت صورة عن الشر وحب السيطرة والنفوذ، بينما ألمى هي صورة للخوف والهرب من المواجهة، في حين تأتي جويل صورة عن الغيرة والثرثرة وعدم الاتزان، وتجسد نائلة صورة المرأة الضعيفة والمترددة والتابعة.
وتبدأ أحداث ستيلتو بجثة تهوي من شرفة منزل خلال حفل كبير على مرأى ومسمع من الجميع، فتشرع الشرطة في التحقيق مع كافة الحضور، وخلال الاستجوابات يعود بنا العمل إلى الماضي عبر تقنية “الفلاش باك”، ويركز على روايات الشهود وفقا لرؤيتهم ومعلوماتهم الشخصية، على أمل اكتشاف هوية الجاني مع نهاية الحلقات. كل ذلك والشرطة لم تحقق مع الصديقات وأزواجهن، محور المسلسل.
وخلال التحقيقات، يبتعد السرد عن جوهر الموضوع، ويضيع في التفاصيل السطحية والعلاقات الشائكة بين الشخصيات وتاريخها، ما قد يبدو أمرا مسقطا لا معنى له في سياق التحقيق. فالشرطة لن تكون في الواقع مستعدة لسماع كل التفاصيل البعيدة والقريبة من تاريخ الحادثة ولا وقت لديها لإضاعته.
وقد تولّد متابعة العمل الضجر بسهولة، لكن ذلك لا ينفي وجود شكل مميز للحبكة الدرامية لم نألفه في المسلسلات العربية، ما يجعل كل شيء يبدو عبثيا وغير متوقع، فكل الأحداث تسير عكس توقعات المشاهد، وتحمله كل مرة نحو تفصيل جديد وعقدة درامية جديدة تبعده عن التساؤل المهم: من الذي قُتل وتحقق الشرطة في جريمة مقتله؟ ومن القاتل؟ لينشغل بفهم العلاقات بين الشخصيات وكواليسها.
وربما يعود سبب ذلك إلى أن العمل ينتمي إلى الدراما البوليسية، وهو ما يعني اعتماده بشكل أساسي على الغموض ومحاولة شد انتباه المشاهد إلى آخر حلقات العمل، لكن منتجي المسلسل تجاهلوا أو ربما لم ينتبهوا إلى أن “ستيلتو” مقتبس حرفيا من المسلسل التركي المتوفر على الإنترنت، وهذا يعني أن الجمهور يستطيع معرفة من القاتل بكبسة زر، يكفيه مشاهدة الحلقة الأخيرة من العمل الأصلي، أو حتى الاطلاع على العشرات من المقاطع من نهاية المسلسل والمقالات والتقارير التي تحكي القصة بالكامل على
موقع غوغل.
هذه المسألة تضع منتجي المسلسل في مأزق ربما يفرض عليهم تغيير النهاية للتمكن من إقناع الجمهور الغاضب، الذي دشن ضدهم حملة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، تتهمهم بتقديم دراما لا تشبه الحياة في الدول العربية، ولا ترتقي إلى المستوى الذي اعتادت على تقديمه الإنتاجات العربية.
لكن هذا الأمر يبدو مستبعدا، فشاهد سبق وأن عرّبت أعمالا درامية تركية مثل “عروس بيروت”، وحافظت على خصوصية المسلسل التركية التي تبدو واضحة مع اختيار الديكور والملابس وكادرات وأماكن التصوير، وحتى الأكلات والأماكن السياحية.
لا شيء يشبهنا
روجت منصة “شاهد” للمسلسل منذ أشهر واستقطبت نجوما عربا وأسماء كبرى، لها تجارب ناجحة في الدراما السورية واللبنانية، فرفعت سقف توقعات المشاهدين وانتظارهم لقيمة العمل.
ورغم الإشادة بالحبكة المثيرة والطابع الرومانسي الذي صار منتشرا في المسلسلات العربية وله محبوه، أو حتى الإشادة بمستوى التصوير والأزياء، فقد تعرض المسلسل لانتقادات حادة، خاصة على مستوى الحوار الذي وصفه البعض بالساذج، والإخراج الذي جاء شبيها بالمسلسلات التركية التي تفتقد البصمة العربية، رغم جودة الصورة وجاذبيتها.
وأصر منتجو المسلسل على تصدير أماكن التصوير على أنها في لبنان، بتمرير كلمات على ألسنة الشخصيات تشير إلى مناطق بعينها في بيروت مثل “الأشرفية”، وإرفاق صورة الرئيس ميشال عون داخل مراكز الشرطة ومكتب التحقيقات وحتى الإدارات الرسمية، بالإضافة إلى العلم اللبناني الذي يرفرف في كل مكان، متناسين أن مخرج العمل العربي هو نفسه مخرج النسخة التركية، وجرى في السابق الحديث عن تصوير المسلسل في تركيا، وتحديدا في أحد أحياء إسطنبول الراقية، كما أن الجمهور اللبناني لهم بالمرصاد، فليس من الصعب عليه أن يكتشف زيف المناطق المنسوبة لبلاده والتنويه بها عبر مواقع التواصل، ولم لا إقامة مقارنات بين المؤسسات الأمنية في لبنان وتلك التي يستعرضها المسلسل؟
“ستيلتو” العربي جاء نموذجا عن التعريب الحرفي الذي أفقد الدراما العربية أهميتها، وجعل نجوم الدراما كالدمى المتحركة
وتبدو الحبكة الدرامية نفسها وطبيعة “الجرائم الصغيرة” التي يطرحها العمل غير مهمة أحيانا، وردود فعل الممثلين مبالغا فيها أحيانا أخرى، وهي جرائم وأفعال تجعل المسلسل سطحيا في طرحه للفكرة.
وجرى أيضا الحفاظ على الحوار والأداء وحتى الموسيقى التصويرية، وظهرت الممثلات العربيات “يمثلن” بصريح العبارة، فهن أنيقات دائما، حتى حين يطبخن وينظفن المطبخ أو يتشاجرن أو يمرضن، يبدون وكأنهن مستعدات لاستعراض مفاتنهن على السجادة الحمراء في أشهر المهرجانات السينمائية.
“إنهن لا يشبهننا”، هكذا تنتقدهن العشرات من التعليقات النسائية على مواقع التواصل، بل لا شيء فعلا يشبهنا في هذا المسلسل، يشبهنا نحن العرب، في أوطاننا وهوياتنا وعاداتنا وتقاليدنا، مهما اختلفت شرائحنا الاجتماعية، لا شيء يشبهنا فعلا، و”ستيلتو” العربي جاء نموذجا عن التعريب الحرفي الذي أفقد الدراما العربية أهميتها، والأهم أنه جعل نجوم الدراما العربية كالدمى المتحركة التي تعيد لعب الأدوار “التركية” نفسها. وحدها الرومانسية الطاغية على أحداث المسلسل ومظاهر الثراء الفاحش من تخاطب لاوعي المشاهد وتجذبه لمتابعة بقية الحلقات.