“فاطمة التي لا تُنسى” نجمة افتتاح أيام قرطاج السينمائية

النضال في وجه التمييز منح فاطمة المرنيسي بطاقة الخلود

النشرة الدولية –

العرب – حنان مبروك –

افتتحت أيام قرطاج السينمائية دورتها الثالثة والثلاثين بفيلم مغربي عن واحدة من أشهر المناضلات النسويات، ورغم أنه فيلم توثيقي لسيرة مفكرة راحلة إلا أنه يسلط الضوء على واقع النضال النسوي في الدول العربية ومدى حاجتنا اليوم إلى نساء شبيهات بفاطمة المرنيسي قادرات على افتكاك الحقوق والانتصار للمرأة في وجه كل الممارسات الذكورية المسلطة عليها.

تحت شعار “حل ثنية”، أي افتح لي طريقا في عالم الفن السابع، انطلقت فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، دورة تبعث الحياة مجددا في القطاع الثقافي والسينمائي التونسي وتعلن عن إنهاء التباعد الجسدي جراء أجواء جائحة كورونا التي طغت على الحياة الثقافية خلال العامين الماضيين. وتعلن انتهاء عامين من “تباعد ثقافي” حرم المبدعين من النشاط الفني ومن التقائهم بالجمهور ونفاهم بعيدا عن المهرجانات الصاخبة.

وتفيد إحصائيات المهرجان أن هذه الدورة ستعرض مئة وسبعين فيلما في الفترة الممتدة من الثلاثين من أكتوبر الجاري وحتى الخامس من نوفمبر القادم، تتوزع على اثنين وعشرين صالة عرض في تونس العاصمة ومدن أخرى، بمعدل ستين عرضاً كل يوم.

وتمثل الأفلام حوالي أربعين بلداً عربياً وأفريقياً، بينها السعودية، ضيفة شرف المهرجان هذا العام مع أربعة أعمال سينمائية.

ويتضمن برنامج المهرجان ورشات نقاش حول مسألة حفظ التراث السينمائي الأفريقي “المهدد”، وكذلك عن صعوبات توزيع الإنتاجات السينمائية الأفريقية والعربية في العالم.

ويسلط المهرجان السينمائي الأفريقي الأعرق، الذي انطلق عام 1966 واستحال موعداً سنوياً منذ 2014، الضوء على السينما الفلسطينية من خلال عرض نحو عشرة أفلام أُنتجت منذ العام 1969 وتساهم في “تخليد نضالات الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل استرداد وطنه”.

افتتاح محتشم

الفيلم جعل فاطمة المرنيسي سلطانة لا تنسى وأشبه بالسلطانات اللواتي كتبت عن نضالاتهن في وجه الأنظمة الذكورية الفيلم جعل فاطمة المرنيسي سلطانة لا تنسى وأشبه بالسلطانات اللواتي كتبت عن نضالاتهن في وجه الأنظمة الذكورية

جاء افتتاح فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائي “محتشما” أو ربما “بعيدا” عن جمهوره من صحافيين وفنانين ونقاد ومخرجين، يبعث لدى المتفرج عبر الشاشة أو حتى الحاضرين في قاعة الأوبرا التونسية إحساسا بأنه يشاهد خشبة مسرح كبير تعتليها مقدمة تتلو نصا مترابطا تصحبه بعض الفيديوهات القصيرة. وما يزيد هذا الشعور حدة هو تخلي المهرجان عن إتاحة المجال للجان التحكيم والفنانين المكرمين لاعتلاء الخشبة ومخاطبة الجمهور وإلقاء كلمات مقتضبة، عدا عن أنه تخلى أيضا عن تقليد تسليم جوائز تكريم المبدعين الذين دأبت أكبر المهرجانات على تكريمهم ضمن حفل الافتتاح.

هذه المرة، حضرت منى واصف وعبدالمنعم عمايري وهالة صدقي وبشرى والعديد من النجوم الآخرين، ومنهم من حضر من أجل التكريم فقط ثم يغادر، لكنهم لم يحضوا بالتكريم في المهرجان الأمر الذي خلف حيرة في الوسط الصحافي وأغلب الحضور، في حين كرمت هالة صدقي من وزير الثقافة حياة قطاط، وبحضور وزراء وسفراء دول عربية، الأمر الذي جعل التكريم ينسب إلى الوزارة وليس إلى المهرجان، وهو ما يدفعنا للتساؤل هل إن قرطاج السينمائي يؤسس بمثل هذا الأمر لاعتماد التكريمات “الشكلية” التي يحضر فيها النجوم لمجرد التقاط الصور مع محبيهم والمغادرة؟ أو ربما هو يؤسس لاستقبال ضيوف مكرمين باسمه، هم في الحقيقة مكرمون من الوزارة التي تشرف عليه؟

مهرجان قرطاج السينمائي دأب أيضا على عرض فيلم في حفل افتتاحه، لكن الوقت يبدو قد حان لمراجعة مثل هذه الثوابت، فبمجرد انتهاء حفل التقديم والإعلان عن الفيلم، يخرج الضيوف “أفواجا” دونما احترام حتى لمخرج العمل. ومثل هذه الممارسات قد تخلف الكثير من الحسرة والأسى في قلوب المخرجين، فالغرض من مشاركتهم في هذا اليوم بالذات هو عرض الفيلم للجمهور وليس أمام عدد قليل جدا ممن هم فعلا مهتمون بالسينما.

جاء فيلم “فاطمة.. السلطانة التي لا تموت” للمخرج المغربي محمد عبدالرحمن تازي ليكون نجم افتتاح أيام قرطاج السينمائية، فهو لا يستعرض فقط السيرة الذاتية للكاتبة وباحثة الاجتماع المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي (1940 – 2015) وإنما يستعرض جزءا لا يتجزأ ونموذجا مهما عن نضالات المرأة المغربية والعربية لافتكاك حقوقها وفرض حضورها الفعّال داخل المجتمع متحدية تيارات الإسلام السياسي والأحزاب والجماعات الدينية.

فاطمة.. مناضلة مغربية

 

تتبع لحياة امرأة جعلتها أفكارها أيقونة لا تنسى
تتبع لحياة امرأة جعلتها أفكارها أيقونة لا تنسى

 

وولدت فكرة الفيلم الذي نقل من خلاله المخرج اهتمام المرنيسي بالكتابة وبالتراث الثقافي الإسلامي، من علاقة وثيقة جمعته بها حيث عرفها وعاش معها مراحل مهمة من حياتها بدءا من الطفولة إلى الدراسة إلى مراحل أخرى من حياتها صنعت منها مناضلة لا تنسى. لذلك كان الفيلم أشبه بنظرة ذاتية لعالم “السلطانة” فاطمة، لكنها نظرة تبحث عن إنصاف موضوعي يوضح للعالم الكواليس الحقيقية والأسرار الصغيرة التي صارت بفضلها البطلة فاطمة التي يسمع عنها ويقرأ لها الكثيرون حول العالم.

في هذا الفيلم، استطاعت مريم الزعيمي، التي تلعب دور البطولة، أن تنقل عالم فاطمة المرنيسي إلى المشاهد، بهدوء وسلاسة، وجاء أداؤها التمثيلي مقنعا نجحت من خلاله في تقمص شخصية المفكرة والباحثة، التي كانت في الماضي من أقوى الشخصيات النسائية حضورا في الفضاءات الأكاديمية والثقافية المغربية، وتحدت الصعاب، وكانت بمثابة “شهرزاد المغربية” التي تكتب وتحكي القصص والأفكار لتنتصر لهن، وخلدها التاريخ بأنها صوت النساء المقهورات والمهمشات.

مريم الزعيمي التي تلعب دور البطولة استطاعت أن تنقل عالم فاطمة المرنيسي إلى المشاهد بهدوء وسلاسة

ولم يأت تمكّن الممثلة من دورها من محض الصدفة، وإنما تطلب منها الكثير من العمل، فبالإضافة إلى الاطلاع على مسيرة فاطمة المرنيسي كان على مريم الزعيمي التعرف بأفراد عائلة المفكرة وأصدقائها للتعرف على شخصيتها، والاعتماد على مهارة خبير في التجميل لتصل إلى أقصى درجات الشبه، وتطلب الأمر سنة ونصف السنة للخروج بست هيئات تجسد فيها الممثلة مختلف مراحل حياة الراحلة فاطمة المرنيسي.

ويركز الفيلم على عالم المرنيسي “الحاضر” في الزمن الفيلمي إن صح التعبير، مع ربطه بالماضي موظفا لإتمام عملية المزاوجة تلك موسيقى مستوحاة تارة من التراث المغربي والصوفي وطورا من الموسيقى العربية التي ارتبطت بحديث المرنيسي عن النساء العربيات اللواتي كن أول الثائرات في وجه الإسلام السياسي والقيود المفروضة عليهن من المجتمعات الذكورية.

ولم تثبت كاميرا المخرج في مكان واحد، كما هي حال فاطمة، فتنقلت بين المدينة العتيقة لفاس والرباط ومدينة زاكورة وجامعة محمد الخامس ومسارح وصالات مونتاج ومطاعم، عدا عن منزل فاطمة ومنزل عائلتها، ليضفي الكثير من الواقعية على الفيلم، واقعية تدفع المشاهد لعيش حياة البطلة والمرور بكافة الصراعات الذاتية والجماعية التي خاضتها.

هذا الفيلم الذي جعل فاطمة المرنيسي سلطانة لا تنسى وأشبه بالسلطانات اللواتي استحضرت هي سيرتهن وكتبت عن نضالاتهن في وجه الأنظمة الذكورية، وكان أشبه برسالة من فاطمة المرنيسي ما انفكت تبعث بها إلى كل امرأة تعيش في الوطن العربي تذكرها فيها بأنه “لم يتمّ التلاعب دائمًا بالنصوص المقدسة فحسب، بل إن التلاعب بها هو سمة بنيوية لممارسة السلطة في المجتمعات الإسلامية”، لكنه أيضا تناول إسهامات المرنيسي في قضايا شائكة أخرى مثل المركزية الأوروبية، والتقاطعية، والأفكار العابرة للقوميات، والنسوية العالمية.

فاطمة.. مناضلة مغربية

 

تتبع لحياة امرأة جعلتها أفكارها أيقونة لا تنسى
تتبع لحياة امرأة جعلتها أفكارها أيقونة لا تنسى

 

وولدت فكرة الفيلم الذي نقل من خلاله المخرج اهتمام المرنيسي بالكتابة وبالتراث الثقافي الإسلامي، من علاقة وثيقة جمعته بها حيث عرفها وعاش معها مراحل مهمة من حياتها بدءا من الطفولة إلى الدراسة إلى مراحل أخرى من حياتها صنعت منها مناضلة لا تنسى. لذلك كان الفيلم أشبه بنظرة ذاتية لعالم “السلطانة” فاطمة، لكنها نظرة تبحث عن إنصاف موضوعي يوضح للعالم الكواليس الحقيقية والأسرار الصغيرة التي صارت بفضلها البطلة فاطمة التي يسمع عنها ويقرأ لها الكثيرون حول العالم.

في هذا الفيلم، استطاعت مريم الزعيمي، التي تلعب دور البطولة، أن تنقل عالم فاطمة المرنيسي إلى المشاهد، بهدوء وسلاسة، وجاء أداؤها التمثيلي مقنعا نجحت من خلاله في تقمص شخصية المفكرة والباحثة، التي كانت في الماضي من أقوى الشخصيات النسائية حضورا في الفضاءات الأكاديمية والثقافية المغربية، وتحدت الصعاب، وكانت بمثابة “شهرزاد المغربية” التي تكتب وتحكي القصص والأفكار لتنتصر لهن، وخلدها التاريخ بأنها صوت النساء المقهورات والمهمشات.

مريم الزعيمي التي تلعب دور البطولة استطاعت أن تنقل عالم فاطمة المرنيسي إلى المشاهد بهدوء وسلاسة

ولم يأت تمكّن الممثلة من دورها من محض الصدفة، وإنما تطلب منها الكثير من العمل، فبالإضافة إلى الاطلاع على مسيرة فاطمة المرنيسي كان على مريم الزعيمي التعرف بأفراد عائلة المفكرة وأصدقائها للتعرف على شخصيتها، والاعتماد على مهارة خبير في التجميل لتصل إلى أقصى درجات الشبه، وتطلب الأمر سنة ونصف السنة للخروج بست هيئات تجسد فيها الممثلة مختلف مراحل حياة الراحلة فاطمة المرنيسي.

ويركز الفيلم على عالم المرنيسي “الحاضر” في الزمن الفيلمي إن صح التعبير، مع ربطه بالماضي موظفا لإتمام عملية المزاوجة تلك موسيقى مستوحاة تارة من التراث المغربي والصوفي وطورا من الموسيقى العربية التي ارتبطت بحديث المرنيسي عن النساء العربيات اللواتي كن أول الثائرات في وجه الإسلام السياسي والقيود المفروضة عليهن من المجتمعات الذكورية.

ولم تثبت كاميرا المخرج في مكان واحد، كما هي حال فاطمة، فتنقلت بين المدينة العتيقة لفاس والرباط ومدينة زاكورة وجامعة محمد الخامس ومسارح وصالات مونتاج ومطاعم، عدا عن منزل فاطمة ومنزل عائلتها، ليضفي الكثير من الواقعية على الفيلم، واقعية تدفع المشاهد لعيش حياة البطلة والمرور بكافة الصراعات الذاتية والجماعية التي خاضتها.

هذا الفيلم الذي جعل فاطمة المرنيسي سلطانة لا تنسى وأشبه بالسلطانات اللواتي استحضرت هي سيرتهن وكتبت عن نضالاتهن في وجه الأنظمة الذكورية، وكان أشبه برسالة من فاطمة المرنيسي ما انفكت تبعث بها إلى كل امرأة تعيش في الوطن العربي تذكرها فيها بأنه “لم يتمّ التلاعب دائمًا بالنصوص المقدسة فحسب، بل إن التلاعب بها هو سمة بنيوية لممارسة السلطة في المجتمعات الإسلامية”، لكنه أيضا تناول إسهامات المرنيسي في قضايا شائكة أخرى مثل المركزية الأوروبية، والتقاطعية، والأفكار العابرة للقوميات، والنسوية العالمية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى