نهج منصور عباس والانتخابات الاسرائيليه
بقلم: د. سهير ابو عقصه داود

النشرة الدولية –

*محاضره في العلوم السياسية-جامعة كوستال كارولينا، الولايات المتحدة

في الانتخابات السابقة 2021، توحدت الاحزاب العربية في القائمة المشتركة (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، التجمع الوطني الديموقراطي والعربية للتغيير) تحت هدف اسقاط بيبي نتانياهو، رئيس الوزراء الاطول حكما في اسرائيل. لم تتوقع هذه الاحزاب، على الاغلب، ان الحكومة الجديدة ستكون الأسوأ خاصة وأن أحد مركباتها حزبا عربيا إسلاميا فاجأ الجميع، حتى البعض من مؤيديه،  بمواقف تتماهى كليا مع سياسات الدولة العنصريه والعدوانيه ضد  المواطنين العرب في البلاد وفي الاراضي الفلسطينيه المحتلة.

 

ومن مؤيد الى معارض لنهج عباس قال الصحفي عبد الرحمن مجادله: “أنا أيدت، ومثلي الكثيرون، دخول الائتلاف من أجل إحداث تأثيرعلى القرارات، وتحقيق الانجازات لصالح المجتمع العربي. قلت لعباس: أردناك أن تكون رأس حربة وأن تحرز الأهداف في الملعب السياسي، لكن لم نتوقع منك هذا. لقد تجاوز منصورعباس والقائمة الموحدة خطوطاً حمراء وتخلوا عن ثوابت وطنية ودينية من أجل الحقوق المدنية وميزانيات هي في الأساس حقنا الشرعي كمواطنين، وصدرت عنه تصريحات في السنة الأخيرة أساءت للرواية والرأي والموقف التاريخي لفلسطينيي الداخل. حتى الادعاء بتحصيل الميزانيات وتحقيق مكاسب مدنية ليس سبباً للتخلي عن الثوابت الوطنية والإسلامية.  لا يوجد أي مبرر له. ومن وجهة نظريلقد تعدى بتصريحاته ومواقفه حدوده كممثل للجماهيرالعربية الفلسطينية وحدود الله عندما قال “أن دولة إسرائيل قامت يهودية وستبقى يهودية “شاء من شاء،وأبى من أبى” وعندما تجاهل كل ما حصل في الحرب على غزة وذهب إلى رئيس بلدية اللد الذي سمح للمستوطنين المتطرفين، في شهر مايو 2021،بالتعدي على السكان العرب في اللد، وممارسة أعمال العنف والإرهاب ضدهم في المدن المختلطة يافا وعكا كما ذهب ليتلقى بركة ورضا كبير الحاخامات وزعيم اليهود الصهاينة المستوطنين حاييم دروكمان”.

 

رغم التهجم واتهامه بالارهاب من قبل أعضاء كنيست من اليمين الفاشي أعلن منصور عباس انه مستعد للدخول في أي ائتلاف، وقال أنه لا يلغي أحدا. ويقول مجادلة: “تصريح منصورعباس بنية دخول أي ائتلاف حكومي موقف مؤسف وأمر خطير لم يسبق له مثيل. هو بمثابة تعبيرعن قلة وعي وإدراك، وفيه تضارب مع المنطلقات والعقيدة، إنسان يؤمن بالعقيدة الاسلامية، القرآن والسنة والشريعة،وأن الإسلام هو الحل، من المفروض أن يدرك أن هذا يتنافى مع دخول الكنيست أصلاً”.

 

ولكي نفهم سابقة قرار دخول قائمة عربية ترتكز بمعظمها على حركة وتيار ترفع شعار الدين والشريعة الاسلامية علينا العودة بالتاريخ لمسار التحول الذي قطعته الحركة الإسلامية من حركة اعتقل مؤسسها المرحوم الشيخ عبدالله نمر درويش وعدد من أبنائها سنة 1981 بتهمة ” الانتماء لمنظمة معادية” والقيام بأعمال معادية لإسرائيل، ثم اطلاق سراحه ضمن ما عرف “بصفقة جبريل” إلى أن بلغ بها الأمر باتخاذ قرار دخول المعترك السياسي، ثم خوض الانتخابات للكنيست الإسرائيلي بعد خلاف داخل الحركة الاسلامية ادى إلى انقسامها الى شقين، الشق الجنوبي برئاسة مؤسس الحركة الإسلامية الشيخ عبد الله نمر درويش،المؤيد لدخول الكنيست ودخول الائتلاف الحكومي والشق الشمالي برئاسة الشيخ رائد صلاح المعارض لهذا الدخول.

 

تحدث منصور عباس عن نهج جديد للتأثير على صنع القرار، وأن لا يقتصر وجود الأحزاب العربية على مدرج المتفرجين ودكة الاحتياط، بل داخل الملعب لتحقيق / الأهداف والإنجازات وتحصيل الحقوق المدنية والميزانيات لصالح المجتمع العربي ففي اللعبة السياسية أعضاء الإئتلاف يكونوا “أقرب إلى الصحن “، ويحصلوا على ميزانيات أكثر في مجالات التعليم،الصحة ميزانيات للسلطات المحلية العربية، عنف وجريمة وغيرها. وتم اعداد خطة خماسية وميزانية بمبلغ 36 مليار شاقلاً (بعض الجهات تتحدث عن 53مليار) على مدار خمس سنوات، يتم تمريرها وفق النظم والقوانين لتنفيذ مشاريع عمرانية وتطويرية في القرى والمدن العربية. لكن هذه الميزانيات بقيت حبراً على ورق بسبب عدم وجود الأراضي لإقامة وانشاء المشاريع العمرانية والتطويرية في المدن والقرى العربية التي تعاني من ضائقة في الأراضي العامة والخاصة ،بسبب استيلاء ومصادرة إسرائيل للأراضي، وبسبب مطالبة السلطات المحلية العربية التي تعاني من ضائقة مالية خانقة، بدفع نسبة مئوية، كما يتم في معظم المشاريع العمرانية، مما سيؤدي لعدم خروج هذه المشاريع لحيز التنفيذ.

 

قام بيبي نتنياهو بالتواصل والتفاوض السري مع منصور عباس بشأن دخول القائمة الموحدة / الاسلامية للائتلاف الحكومي، ليس لأنه  أصبح فجأة انساناً ديموقراطياً أو تقدميأ أو حباً ورغبة منه بدمج المواطنين العرب ومشاركتهم بصنع القراروانما بسبب عاملين هددا حياته السياسية، الأول عدم ضمانه أغلبيه من الأحزاب اليهودية تمكنه من تشكيل الحكومة، والثاني مواجهة القضاء في عدة ملفات تشمل الغش والخداع وخيانة الأمانة.  ومن أجل التملص من القضاء أراد بكل ثمن تشكيل الحكومة، والعمل على سن قانون الذي يمنع بموجبه تقديم رئيس حكومه خلال بمنصبه، ومن أجل ذلك ” حلل ” او شرعن القائمة الموحدة ” لقناعته بأن للحركة الاسلامية قبول بهذا الموضوع أكثر من الجبهة والتجمع، فبادر من جهته لاجتماعات سرية تم فيها التفاوض مع منصور عباس ( هذه الاجتماعات تم الكشف عنها قبل شهور في وسائل الإعلام العبرية )، لكن عضو الكنيست من اليمين الاستيطاني المتطرف بتسلئيل سمورتش من حزب “اليهودية الصهيونية ” رفض بشكل قاطع وجود القائمة العربية الموحدة ومنصور عباس في الإئتلاف، وبذلك منع من بيبي نتنياهو من تشكيل الائتلاف وترأس الحكومة.

 

وتقول الناشطة زهرية عزب ان منصور عباس ليس ظاهرة جديدة: “هو استمرار لظاهرة الاسرلة. وهو لم يضف اي شيء على حقوقنا كمواطنين عرب في هذه الدولة لا بالميزانيات ولا بغيرها. منصور عباس لا يمثل كل نسيج المجتمع الفلسطيني في الداخل. هو متقوقع في رداء اسمه الحركة الاسلامية وهو لا يمت للاسلام بصله سوى انه ربما يصلي مثلنا. بالعكس انتماءه هو تبطين سيء لكل شيء ديني او قومي. كما يجب الا ننسى انه نجح باصوات البدو في النقب التي تطغى عليه الحياة القبلية ونظام القطيع التي تكفي لان يقرر شخص واحد في العائلة. نظام لا يوجد به حرية الاختيار. يجمعون منهم الهويات وحتى انهم قد يصوتوا عنهم . ”

 

هناك داخل الحركة/ القائمة الموحدة قيادات غير راضيه عن نهج منصور عباس ، وقد صرحوا بذلك في مقابلات لوسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي،ولكن بسبب المصالح والمنفعة الشخصية التي تربطهم بالحركة الإسلامية الجنوبية ومن أجل مصلحة الإطار لم يحصل الانشقاق والانقسام، ومن أبرز المعارضين هو إبراهيم عبد الله صرصور، رئيس الحركه الاسلاميه سابقا وعضو كنيست سابق عن الحركه والرئيس السابق لبلدية كفر قاسم، والذي نشر بوست قال فيه  أن نهج  عباس يخالف كل شيء تؤمن به الحركة الإسلامية و أنه ضد هذا النهج وكذلك النائب السابق مسعود غنايم وآخرون.”.

 

وأكد مجادله انه يعلم أن جميع الحكومات لها نفس الوجه والتوجه في السياسة الخارجية والأمنية، ولكنه اعتقد أنه من الممكن احداث التغيير والتأثير من الداخل في القضايا المدنية والحقوق من خلال دعم الإئتلاف الأقل ضرراً، لكن هذه الحكومة التي اجتمعت فيها احزاب يهودية يسارية وحزب عربي كانت حكومة سيئة اتجاه المواطنين العرب، و بدل: ” أن تكون هذه حكومة التغيير، ثبت أنها حكومة أسوأ من حكومة نتنياهو فقد تجاوزت جميع الخطوط الحمراء من تعدي المستوطنين بدعم وحماية جنود الاحتلال، قتل شيرين أبو عاقلة، تصفيات وقتل، هدم بيوت في النقب ، السماح بمسيرة الاعلام رغم تحذير الشاباك والأجهزة الأمنية، والتي منعها بيبي،  طفرة في بناء المستوطنات وأرتفاعا ً في الاعتقالات الادارية وهدم البيوت في محيط مدينة القدس وغيرها”. واضاف ان أعضاء القائمة الموحدة  صوتوا على ميزانية بقيمة 90 مليون شيكل لصالح المثليين، كما أنهم لم يمانعوا الجلوس في ائتلاف فيه أربعة أعضاء بارزين من المثليين بينما فكت الموحدة الشراكة مع القائمة المشتركة بسبب عدم التزام  احد مركباتها، الجبهة الديموقراطية، بعدم دعم أي مشروع قانون لصالح المثليين.”

 

أما الياس ابو عقصة عضو الجبهه الديمقراطيه فقال انه منذ البدايه اعلن عباس انه مع الائتلاف الحكومي بأي ثمن بحجة “نريد مصلحة الناس وليس التدخل بشؤون الدولة والامن” بمعنى اخر “عالغميض” وترجم نهجه الجديد بالتصويت مع الحكومة ضد مصالح العرب والفلسطينيين مثلاً صوت ضد قانون كيمنيتس العنصري حول التصديق على هدم البيوت غير المرخصه وضد قانون لم الشمل للاسر الفلسطينية، ضد ربط البيوت العربيه غير المرخصه بالكهرباء، ضد الغاء امتحان البسخمتري للدخول الى الجامعات خاصه ان المتضرر الاول لها هو الطالب العربي، ضد اقامة لجنة تحقيق في الجريمة والعنف في الوسط العربي وغيرها . لقد حصل عباس على وعود بدون رصيد اذ وعدوه بالملايين مقسمة على عدة سنوات وواضح ان الوعود طارت مع سقوط الحكومة ولم يتم تحويل قرش واحد مما وعد به.”

 

 

 

وقال ابوعقصه ان شرط الجبهه للانتخابات الحاليه ان تعتذر الموحدة عن مواقفها وتتراجع عن “نهجها الجديد” بقيادة منصور عباس وذلك بتغيير عباس نفسه وطالما بقي الوضع على حاله فلا امكانيه للاتفاق والتحالف.

 

وبحسب الصحفي أليف صباغ انه حتى لو ربح العرب ثلاثه عشره مقعدا او اكثر في الكنيست  فهدا لن يغير شيئا  “لأن قانون القوميه ،الذي سن عام 2018،  اغلق الباب نهائيا امام  امكانيه تصحيح مكانه المواطن العربي والحلم بالمساواه  وحتى التفاوض مع الشعب الفلسطيني لايجاد حل سلمي. فعلى مدى عقود اثبتت الكنيست فشلها في استيعاب الناخب العربي وكانت عدوا للمواطن العربي وحقوقه. القانون قال كلاما واضحا بأن صوت اعضاء الكنيست العرب غير مقبول واذا كانت اصواتهم لا تساوي شيئا فماذا يفعلون بالكنيست؟؟”

 

 

 

ويدعو البعض للمقاطعه كالحركة الاسلاميه الجناح الجنوبي التي اخرجت عن القانون على عهد نتانياهو عام 2015. وهذه ليست المره الاولى التي يتم فيها دعوه الفلسطينيين للمقاطعه  والتي تتكرر مند قيام الدوله من قبل تيارات وافراد يرون ان الكنيست الاسرائيلي  تجليا للمشروع الصهيوني وما ذهاب الفلسطينيين للاقتراع في الانتخابات النيابيه الا شرعنه لهذه المؤسسه وتجميلا لواقع الفلسطينيين الذي يعيشون في ظل تنامي العنصريه. ولكن خيبه الامل ليس فقط من تفكك الموحده وانما من ضعف الاحزاب العربية وطريقه تعاطيها مع تحديات كبرى من جهه  وغيابها عن الشارع العربي من جهه اخرى يقابلها تأكيد الاحزاب العربيه ان المقاطعه ستؤدي الى تقويه اليمين الاسرائيلي وان واجب العربي في اسرائيل منع اليمين من الفوز. اسقاط نتانياهو لكن بديل نتانياهو اثبت انه ليس بالضروره افضل. فلا شك ان التحديات التي تواجه الفلسطينيون في اسرائيل هي أخطر بوجود حزب عربي اسلامي يشرعن الاحتلال والقوانين العنصريه والتعدي على المواطنين العرب في البلاد ويعطي غطاءا لسياسات التهويد والقتل والعنصرية المتنامية. ويبقى السؤال: هل العمل البرلماني هو سقف النضال للعرب في اسرائيل؟ وما هي اليات العمل السياسي خارج البرلمان التي قد تحقق الاهداف التي عجزت عنها الاحزاب العربيه موحدة او مفككة من تحقيقها خلال سنين طويلة من العمل داخل الكنيست الاسرائيلي.

زر الذهاب إلى الأعلى