ما هي انعكاسات رسالة الضمانات الأميركيّة لإسرائيل على لبنان وسلاح “حزب الله” ورئيس الجمهوريّة الجديد؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
منذ منتصف الليل، أصبح ميشال عون رئيسًا سابقًا للجمهوريّة، وتولّت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، وسط إشكالات سياسيّة وطائفيّة تمّ تدثيرها بـ”اجتهادات” دستوريّة يقودها “التيّار الوطني الحر” الذي أصبح له إلى رئيسه جبران باسيل “أب روحيّ” هو والد زوجته، وبدأت البلاد “رحلة التفتيش” عن رئيس جديد للجمهوريّة، وسط “فيتوات” متبادلة، وثابر “حزب الله” على الترويج لوجوب “تأبيد” سلاحه الذي يستعمله في الداخل بسطًا لنفوذه، وفي الخارج “طاعة” ل”الحرس الثوري الإيراني”، مستفيدًا من نسب الفضل في التوصّل إلى اتفاق الترسيم البحري الحدودي مع إسرائيل إليه.
وسط هذا المشهد، تذهب إسرائيل، اليوم الى انتخابات نيابية مبكرة، في محاولة جديدة تهدف الى توفير أكثرية واضحة من شأنها توفير استقرار السلطة، بعدما اطمأنّت، نهائيًا، ليس على “حقل كاريش” الغازي الذي بدأ الإنتاج إلى جانب الحقول الأخرى التي حوّلتها إلى دولة مصدّرة للطاقة، فحسب بل إلى “تبريد طويل المدى” لجبهتها الشماليّة مع حدود لبنان الجنوبيّة، أيضًا.
وهذا “التبريد” لا يقوم على استنتاجات تقدّمها الجهة الإسرائيليّة التي وقّعت الاتفاق وتريد استخدامه لمصلحتها الانتخابية، بل على رسالة ضمانات أميركيّة يوقّعها الرئيس جو بايدن، تجعل أمن الحدود الشماليّة مع لبنان مسألة مرتبطة بالأمن القومي الأميركي.
وفي رسالة الضمانات هذه، إذ تلتزم واشنطن بالتنفيذ الكامل للإتفاق بما يتضمّنه من “حقوق إسرائيل الأمنية والاقتصادية” وبالوقوف الى جانب إسرائيل ضد أيّ محاولات لخرق الإتّفاق، تشدّد على التزام الولايات المتحدة بدعم قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها، بما يشمل الدفاع عن البنية التحتية للغاز والسفن في البحر المتوسط.
وتعترف الولايات المتحدة أيضًا بخط العوّامات الذي يمتد 5 كيلومترات في البحر من رأس الناقورة باعتباره خط الوضع الراهن، وتعارض أيّ محاولة لتغيير الخط من دون موافقة إسرائيل.
وتلتزم واشنطن في الرسالة بدعم الحقوق الاقتصادية الجزئية لإسرائيل في حقل “قانا” للغاز، وتؤكد أنها ستمنع “حزب الله” من الحصول على أيّ عائد منه.
وبرسالة الضمانات الأميركيّة هذه، يتحوّل اتفاق ترسيم الحدود البحرية إلى ضامن للأمن الإسرائيلي الحدودي، من جهة وإلى داعم للتفوّق الإستراتيجي لإسرائيل في المنطقة التي تعنيها في الضفّة الشرقيّة من البحر الأبيض المتوسّط، من جهة ثانية وإلى مسهّل لحصول إسرائيل على الحصّة المالية التي لها في “حقل قانا”، من جهة ثالثة.
بناء عليه، فإنّ لبنان، وفي حال أخلّ بالتزاماته المعلنة والسريّة التي تفضحها “رسالة الضمانات الأميركيّة” سوف يخسر كلّ شيء، ومعه، بطبيعة الحال، “حزب الله”.
بعض المراقبين، وفي ضوء مضمون رسالة بايدن التي صاغها مع رئيس الحكومة الإسرائيليّة يائير لابيد بمشاركة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، يجنحون الى الإعتقاد بأنّ “حزب الله” وقع في الفخ، ولكنّ العالمين ببواطن الأمور يرفضون هذا الإعتقاد ويؤكّدون أنّ “حزب الله” كان يعرف أبعاد موافقته على الإتّفاق، إذ كان حاضرًا في صوغ كل عبارة وردت فيه، وقد حاول، في “ربع الساعة الأخير” إدخال تعديلات عليه، لكنّه إزاء الرفض الإسرائيلي القاطع، عاد وتراجع عن ذلك.
ولا يظن أحد أنّ تراجع “حزب الله” عن ملاحظاته التي كانت تهدف الى التقليل من الأبعاد العسكريّة السلميّة الواضحة في الاتفاق مع إسرائيل، جاء مجّانيًا، إذ ضمن أنّ سلاحه، طالما بقي محصورًا جنوبًا بخدمة الاتفاق الحدودي البحري، لن يكون محور بحث جدّي، لا في الأروقة الدوليّة ولا في أيّ تسوية لبنانيّة-لبنانيّة يمكن أن يسعى إليها المجتمع الدولي، إذا اقتضت الضرورة.
وهذا يعني أنّ “حزب الله” في الوقت الذي خسر فيه سلاحه “حجّته الأنتي إسرائيليّة” نال تغطية لاستمراره داخليًا، بحجّة قدرته على ضبط أيّ تفلّت من الفصائل الفلسطينيّة التي قد ترغب في إيصال “رسائل صاروخيّة” من خلال الأراضي اللبنانيّة، ممّا يحوّله إلى ضامن للإلتزام بالاتفاق البحري الحدودي، من الطرف اللبناني.
بديهي، والحالة هذه، أن يحاول “حزب الله” أن يربح في الداخل اللبناني ما خسره في الاتفاق الحدودي.
وقد صبّت التطوّرات السياسيّة والدستوريّة اللبنانيّة الأخيرة في مصلحة “حزب الله”، إذ إنّ ما أثاره الرئيس السابق ميشال عون و”التيّار الوطني الحر” من إشكاليات، جعل الحزب “بيضة القبّان”، فمصير حكومة تصريف الأعمال، مرهون بموقفه، وفاعليّة معارضة “التيّار الوطني الحر” معقودة على قراراته، والإتجاهات التي سوف تسلكها الانتخابات الرئاسيّة، مرتبطة بتطلّعاته.
إنّ السؤال الذي يفرض نفسه، والحالة هذه، يتّصل بما سوف تُقدم عليه الفئات اللبنانيّة الرافضة لكلّ ذلك، فهل تملك القدرة الفعليّة على التصدّي؟ وما هي الأوراق التي تملكها؟ أم إنّ بدء الحديث، ولو من خلال تسريبات لا يتمّ تكذيبها، عن إمكان تخلّي أبرز قواها السياسيّة عن ترشيح النائب ميشال معوّض لمصلحة مرشّح “وسطي” يتمّ التوافق عليه، يعني أنّ الجميع بدأ يتأقلم مع الرياح التي هجرت الجنوب اللبناني إلى الداخل؟