نهاية الحرب في أوكرانيا أبعد من أي وقت مضى
بقلم: بيل ترو
انهيار اتفاق تصدير الحبوب يكشف امتداد تبعات المعارك إلى ما وراء حدود طرفي النزاع وحتى الدول المجاورة
النشرة الدولية –
جنب اتفاق تصدير الحبوب بشكل غير مباشر وقوع نحو 100 مليون شخص في براثن الفقر المدقع، وفقاً للأمم المتحدة. كما خفض أسعار السلع الغذائية حول العالم. وكان يحمي الزراعة والمحاصيل للمواسم المقبلة. وكان من المفترض به أن يبعد شبح الجوع عن السنوات المقبلة.
فالاتفاق الذي ظهر بداية كما لو أنه اتفاق على التخزين والتصدير بين روسيا وأوكرانيا، أمن في الحقيقة الحماية لقسم كبير من الناس حول العالم.
أما الآن، فقد علقته موسكو إلى أجل غير مسمى، بعد توجيهها يوم السبت اتهاماً إلى كييف، إضافة إلى “اختصاصيين بريطانيين”، بشن هجوم ضخم بالطائرات المسيرة على أسطولها الراسي في البحر الأسود، في مرفأ تابع لشبه جزيرة القرم التي ضمها الرئيس بوتين بشكل غير قانوني إلى بلاده في عام 2014. فهذا العمل “متهور” كما قالت موسكو، وقد دمر سلامة ممر تصدير الحبوب.
يمكن أن يؤدي قرار الكرملين إلى عواقب وخيمة ومدمرة على عالم يعاني ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص السلع الغذائية، الذي من أحد أسبابه غزو بوتين لأوكرانيا في فبراير (شباط). وعلق المسؤولون الأوكرانيون بقولهم إن هذا إثبات بأن أي نوع من المفاوضات مع روسيا “مضيعة للوقت”. يظهر أن نهاية الصراع في أوكرانيا أبعد اليوم من أي وقت مضى.
كما يبرز انهيار اتفاق الحبوب بسبب هجوم المسيرات المزعوم هذا، الحاجة الملحة إلى فصل مجريات المعارك الميدانية عن الآليات التي تحمي العالم. وفي غياب ذلك، تستطيع الدول أن تضع سيفاً على رقبة ملايين الأشخاص، وهذا نفوذ يجب ألا يتمتع به أحد.
ضمن الاتفاق، الذي جرى توقيعه بعد وساطة الأمم المتحدة وتركيا في يوليو (تموز)، حركة المرور الآمنة للسفن المحملة بالحبوب والمنتجات الغذائية، من وإلى ميناء أوديسا الرئيسي في أوكرانيا، إضافة إلى ميناءين آخرين: أي شكل من “الهدنة بحكم الواقع” بالنسبة للمراكب والمنشآت التي يشملها الاتفاق.
وحرر الاتفاق تسعة ملايين طن من الحبوب، كما منتجات زراعية من قبيل زيت نوار الشمس، كانت عالقة في أوكرانيا، البلد الذي لقب قبل الحرب بسلة خبز العالم. وقعت الأمم المتحدة وروسيا كذلك اتفاق تفاهم يلزم الأمم المتحدة بتسهيل وصول الأسمدة الروسية وغيرها من المنتجات، إلى الأسواق العالمية من دون عوائق.
كان تنفيذ الاتفاق برمته يجري تحت إشراف مركز تنسيق مشترك يضم مسؤولين من روسيا وتركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة. وقالت الأمم المتحدة إن الهدف منه هو “توفير بعض الراحة للجنوب العالمي”.
طبعاً، قبل إبرام هذا الاتفاق، رأيت بأم العين وقع أزمة الحبوب مباشرة في لبنان المتعثر مالياً، الذي يعتمد على القمح الأوكراني، وعانى نقصاً حاداً في الخبز بعد اندلاع الصراع بقليل. كما تكثر الهواجس بالنسبة إلى دول مثل الصومال، التي حذرت الأمم المتحدة من أن “المجاعة تطرق أبوابها”، بينما يلقى آلاف حتفهم بسبب موجة جفاف تاريخية زادت تبعات غزو بوتين لأوكرانيا من حدتها. ساعد اتفاق تصدير الحبوب في تخفيف وطأة هذه الأوضاع.
بعد تطبيق الاتفاق، سجل مؤشر الغذاء العالمي الذي تضعه الأمم المتحدة لقياس التقلبات الشهرية في الأسعار العالمية لسلة السلع الغذائية الرئيسة، انخفاضاً لأشهر متتالية، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الجمعة، أي قبل يوم واحد من انسحاب روسيا من الاتفاق.
وتابع السيد غوتيريش بقوله إنه من دون الاتفاق، الذي ضمن وصول الأسمدة والغذاء إلى الأسواق العالمية، كان من الممكن أن يتأثر موسم الزراعة حول العالم. وكانت المحاصيل في كل مناطق العالم لموسمي 2023 و 2024 لتتعرض للخطر، وتخلف “أثراً حاداً على إنتاج الأغذية وأسعار السلع الغذائية حول العالم”.
كان من المقرر أن ينتهي سريان الاتفاق الشهر المقبل، لذلك حث غوتيريش جميع الأطراف على تجديده. لكن بعد يوم واحد فقط، حدث العكس وهذا ما سيخلف تبعات تؤثر في العالم بأسره.
حذر الرئيس الأميركي جو بايدن من أن نهاية الاتفاق تعني استشراء الجوع، واتهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن روسيا بتحويل الغذاء إلى سلاح، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن موسكو تحاول خلق مجاعة مصطنعة في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.
لكن روسيا ردت الضربة وقالت إن شركاء أوكرانيا يدافعون بشكل أساسي عن عمل “إرهابي”، مضيفة بأن كييف تتحمل مسؤولية انهيار اتفاق تصدير الحبوب.
أما تركيا، فلم تعلق على الموضوع حتى الساعة، وسوف تلعب مهاراتها التفاوضية دوراً أساسياً. فيما قالت الأمم المتحدة من جانها إنها تجري محادثات مع المسؤولين الروس، سوف تتسارع التحركات الدبلوماسية المكثفة قبل ذلك لمحاولة إصلاح الاتفاق الذي من شأنه إنقاذ أرواح لا تحصى.
لكن انهيار الاتفاق كشف عن مدى امتداد تبعات هذه الحرب إلى ما بعد الحدود الأوكرانية أو الروسية، أو حتى حدود الدول المجاورة. وسلط الضوء على أهمية وضع ضوابط حماية تشكل ضماناً بعدم وضع حياة الملايين في يد القلة.