لبنان في “الرمق الأخير” والمساعدات تمنحه أنفاس الحياة

يستضيف أعلى نسبة لاجئين في العالم مقارنة بعدد سكانه الذين يعيش نصفهم تحت خط الفقر

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

يشبّه كثيرون لبنان بالمريض الذي يعيش في غرفة الإنعاش ويعتمد على المصل الطبي الذي يجري في عروقه كي يحافظ على الرمق الأخير، وبالنسبة إلى بلد الأرز الذي يصارع أزمة اقتصادية وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أكبر 10 أزمات على مستوى العالم منذ القرن الـ19، إضافة إلى فشل مستمر في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية المفروضة من قبل البنك الدولي، وفساد استشرى في أروقة الدولة والمؤسسات الحكومية، فإن المصل هنا هو المساعدات الدولية.

سوسن مهنا

“كورونا” والمرفأ واللاجئون

“برنامج الأغذية العالمي” أفاد في تقرير له، في سبتمبر (أيلول) الماضي، بأن الأمن الغذائي أصبح مصدر قلق بالغ لكثيرين، إذ يعيش أكثر من نصف سكان لبنان حالياً تحت خط الفقر، واستجابة لذلك يضمن البرنامج تلبية الاحتياجات الغذائية لنحو 10 آلاف أسرة لبنانية بحلول نهاية 2021 من خلال توزيع المواد الغذائية العينية، كما يساعد توفير الطرود الغذائية في مواجهة تأثير التضخم وانخفاض القوة الشرائية بعد هبوط قيمة العملة الوطنية.

ورغم أن اللبنانيين واللاجئين (لدى لبنان أعلى نسبة لاجئين في العالم مقارنة بعدد سكانه، وتصل نسبتهم إلى 40 في المئة من مجموع السكان البالغ عددهم 6.7 مليون نسمة وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) كانوا يعانون بالفعل الركود الاقتصادي الذي تفاقم بسبب جائحة كورونا، فإن الانفجار المدمر الذي ضرب ميناء العاصمة بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020 أدى إلى تدمير المنازل والشركات وكذلك صوامع الحبوب الرئيسة، مما تسبب في تدمير فعلي للبلاد، وشكل ضربة موجعة لاقتصادها.

وبما أن 70 في المئة من إجمالي التجارة اللبنانية كانت تمر عبر مرفأ بيروت قبل الانفجار، فقد أصبح شراء السلع الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية، مصدر قلق بالغ. وكان لزاماً على الجهات الفاعلة الوطنية والدولية اتخاذ إجراءات سريعة لضمان توفير السلع في السوق المحلية، وتمكين السكان من تأمين احتياجاتهم الغذائية والأساسية.

وخلال الفترة بين عام 2019 ويونيو (حزيران) 2021، فقدت العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها، وفي شهر مايو (أيار) 2021، سجل “برنامج الأغذية العالمي” زيادة بنسبة 340 في المئة بأسعار المواد الغذائية الأساسية.

يعيش على المساعدات

يعتبر تقرير صادر عن “مرصد الأزمة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت، يوليو (تموز) 2021، أن لبنان يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من ناحية تلقي التمويل والمساعدات الإنسانية الدولية بعد سوريا واليمن.

وبحسب التقرير المبني على بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد حصل لبنان خلال عام 2020 على 1.6 مليار دولار منحاً معظمها عبر الهيئات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية، وهذا المبلغ شكّل ارتفاعاً ملاحظاً عن المساعدات الممنوحة للبنان خلال عام 2019 بمقدار نصف مليار دولار، إذ حصل حينها على 1.1 مليار دولار.

وينال لبنان 5.8 في المئة من مجموع التمويل الإنساني في العالم بعد سوريا (9.6 في المئة)، واليمن (8.1 في المئة)، لكنه يحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث حصة الفرد المستهدف من هذا التمويل، بحسب تقرير “مرصد الأزمة” الذي احتسب الفئات المستهدفة من الفقراء اللبنانيين بـ(مليون فرد) واللاجئين السوريين (مليون فرد) والفلسطينيين (270 ألفاً)، وتقدر هذه الحصة بنحو 700 دولار للفرد سنوياً.

وتركزت التقديمات في ثلاث جهات دولية مانحة قدمت نحو 76.5 في المئة، بحسب المرصد، هي الولايات المتحدة و”المفوضية الأوروبية” وألمانيا. وقد وجهت أكثرية المساعدات إلى برنامج الاستجابة لأزمة اللجوء السوري في لبنان، تليها خطة الاستجابة لأزمة كورونا، والمساعدة الطارئة التي جرى تقديمها على أثر تفجير مرفأ بيروت.

وحصلت ثلاث منظمات دولية على 66 في المئة من التمويل الإنساني، وهي “برنامج الغذاء العالمي” (29.8 في المئة)، و”مفوضية اللاجئين” (25.2 في المئة)، ومنظمة “اليونيسف” (10.9 في المئة). ولم ينحصر التمويل في قطاعات معينة، إذ حصل كل من قطاعات الصحة على 102 مليون دولار، والأمن الغذائي على 76 مليوناً، والتعليم على 37 مليوناً. وتنفذ هذه البرامج بواسطة منظمات دولية ومؤسسات غير حكومية بالتعاون مع الإدارات الرسمية في قطاعات محددة كالصحة والتعليم، إضافة إلى الهيئات المحلية في بعض الأحيان، وفقاً للتقرير.

 

انهيار وفساد

يتحدث تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، يوليو 2021، عن غياب الشفافية والمساءلة حيال المساعدات الدولية للبنان، إذ ترتفع أخطار حدوث فساد في البلدان التي تتدفق إليها الأموال، وهذه الحقيقة مثبتة في كل أنحاء العالم رغم النوايا الإنسانية الحسنة، وليس لبنان بمنأى عن هذه القاعدة.

فالبلد الذي حلّ خلال عام 2020 بالمرتبة 149 على مؤشر مدركات الفساد بين 180 بلداً وحصد 25 نقطة فقط من 100، تسهم شدة الأزمة الناجمة عن الانهيار المالي والوضع الوبائي وعواقب انفجار المرفأ في مضاعفة حدة الفساد به.

بمعنى آخر، يبدو واضحاً أن خطر تبديد المساعدات الدولية المتدفقة إلى لبنان ليس مرتفعاً وحسب، بل هو آخذ في الارتفاع أكثر بسبب الفساد المستشري، مما يتطلب إدارة ورؤية وعملاً جماعياً منسقاً في كل مرحلة من مسار تدفق المساعدات الدولية لضمان المساءلة والشفافية في توظيف أموال المانحين.

ومنذ عام 2016 جمعت الأمم المتحدة تقارير عن تدفقات التمويل من الجهات المانحة إلى المؤسسات الوطنية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والصناديق الخاصة بلبنان والجهات الفاعلة وغيرها من الشركاء بما في ذلك القطاع الخاص. ويجري ذلك من خلال تقارير تراكمية محدثة فصلياً حول الأموال المتاحة المبلغ عنها (المصروفة والمنقولة من السنوات الماضية)، إضافة إلى الالتزامات المستقبلية أو المتوقعة للبنان في هذا المضمار.

وتقدم هذه التقارير المحدثة والفصلية نظرة عامة عن الدعم المقدم من المانحين للبنان، إضافة إلى الأموال المقدمة في إطار خطة الاستجابة للأزمة السورية في لبنان، وخطة الاستجابة لحالات الطوارئ، وإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الأعمار.

السعودية أكبر المانحين

وثق تقرير دولي عام 2016 حجم المساعدات التي قدمتها السعودية للبنان خلال الفترة الواقعة بين عامي 1990 و2015 مقارنة بالتقديمات الإيرانية للبلاد، كاشفاً عن أن الهبات والمنح التي قدمتها الرياض تناهز 70 مليار دولار، فيما لا تتعدى التقديمات الإيرانية مبلغ 100 مليون دولار، بموازاة تقديم 200 مليون دولار سنوياً لـ”حزب الله”.

وكشف تقرير أعدته قناة “روسيا اليوم” عن أهمية الدعم المالي والاقتصادي السعودي للبنان اقتصاداً ودولة منذ “اتفاق الطائف” عام 1989، رغم أن الدعم السعودي يعود إلى فترات أقدم، إذ أسهمت الرياض في دعم الاقتصاد اللبناني، فضلاً عن المشاركة في حصة كبيرة من إعادة إعمار ما هدمته الاعتداءات الإسرائيلية.

وضخت السعودية في الدورة الاقتصادية اللبنانية بين 1990 و2015 أكثر من 70 مليار دولار بشكل مباشر وغير مباشر، بين استثمارات ومساعدات ومنح وهبات وقروض ميسرة وودائع في البنوك والمصارف.

وبحسب التقرير الذي يستند إلى مراجع علمية موثقة، حولت السعودية إضافة إلى التقديمات السابقة وديعة مالية بقيمة مليار دولار خلال حرب 2006، مشيراً إلى أن “ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار، أي 10 في المئة من الودائع غير المقيمة في لبنان، مملوكة لمستثمرين سعوديين”.

ويشير التقرير إلى أن الاستثمارات السعودية في لبنان بين عامي 2004 و2015 تبلغ نحو ستة مليارات دولار، فضلاً عن أن الصادرات السعودية إليه عام 2014 بلغت 415.4 مليون دولار، في مقابل 50 مليون دولار للصادرات الإيرانية.

وفي المقابل لم يقدم الإيرانيون إلا 25 مليون دولار لإعادة بناء طرق وترميم البنية التحتية في لبنان عام 2007، وبعض الأغطية والمساعدات الغذائية والمعونات الإنسانية عن طريق “حزب الله”، فيما برز اقتراح هبة عام 2014 لدعم الجيش اللبناني لكنه لم ينفذ بعد، وهناك أيضاً مشروع هبة لإنشاء سد للمياه بقيمة 40 مليون دولار.

وقدر البنك الدولي عام 2014 تحويلات اللبنانيين بـ8.9 مليار دولار، مع تقدير أن ما يقارب نصف هذا المبلغ هو من دول الخليج. وبحسب مصادر صحيفة “النهار” حينها فقد أشارت التقديرات إلى وجود نحو 500 ألف لبناني في هذه الدول، بلغت قيمة استثماراتهم عام 2014 مليار ونصف مليار دولار في الإمارات، في مقابل 800 مليون دولار بالسعودية.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن وزير أوروبا والشؤون الخارجية جان إيف لودريان ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أن فرنسا والسعودية ستقدمان دعماً مالياً طارئاً لتنفيذ سلسلة من المشاريع الإنسانية المكرسة لدعم الشعب اللبناني، تنفيذاً للقرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) 2021.

عقب تفجير المرفأ

بعد كارثة تفجير المرفأ عقد مؤتمر دولي افتراضي لدعم بيروت في أغسطس 2020، بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وقررت الدول والمنظمات الدولية المشاركة “العمل بحزم وتضامن لمساعدة بيروت والشعب اللبناني في تجاوز نتائج المأساة”.

حينها أعلن مكتب الرئيس الفرنسي أن فرنسا حصلت على تعهدات بقيمة 252.7 مليون يورو (298 مليون دولار) لمساعدة لبنان على المدى القريب. وقال “الإليزيه” إن المشاركين في مؤتمر “دعم لبنان” تعهدوا تقديم مساعدة بقيمة 252.7 مليون يورو (261.96 مليون دولار)، بينها 30 مليوناً (31.10 مليون دولار) من جانب فرنسا.

وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الاتحاد الأوروبي تعهد دفع 30 مليون يورو (31.10 مليون دولار) “بهدف تلبية الحاجات الأكثر إلحاحاً” لسكان بيروت، إضافة إلى 33 مليون يورو (34.21 مليون دولار) أعلنها لاحقاً.

المملكة المتحدة قدمت مساعدة بقيمة 20 مليون جنيه إسترليني (34.21 مليون دولار)، إضافة إلى خمسة ملايين (5.94 مليون دولار) جرى إعلانها كدعم طارئ وجه خصوصاً إلى الصليب الأحمر البريطاني.

وتعهدت ألمانيا تقديم 20 مليون دولار للبنان، والكويت 41 مليون دولار، و”المفوضية الأوروبية” 63 مليون يورو (65.33 مليون دولار)، والنرويج 70 مليون كورونة (6.74 مليون دولار)، والدنمارك 20 مليون يورو (20.74 مليون دولار).

أما سويسرا فأعلنت تقديم أربعة ملايين فرنك سويسري (3.84 مليون دولار)، وقطر 50 مليون دولار، والولايات المتحدة نحو 994 مليوناً و250 ألف دولار، واليابان 21 مليوناً و664 ألف دولار، وتجمع منظمات إغاثة هولندية 15 مليون دولار، وأستراليا سبعة ملايين و251 ألف دولار، وإسبانيا خمسة ملايين و787 ألف دولار أميركي.

وبالنسبة إلى الجيش اللبناني هناك نوعان من المساعدات: الأول الأميركية التي تقدم من خلال برامج سنوية، فيما يشمل الثاني مساعدات ظرفية من الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تجمعها علاقات صداقة مع الجيش اللبناني.

جدير بالذكر أن الجيش لا يتلقى عادة مساعدات مادية بشكل مباشر، باستثناء ما يقدمه برنامج FMS Foreign Military Sales، وهو عبارة عن مبلغ سنوي تتراوح قيمته بين 70 و150 مليون دولار، وتخصصه الولايات المتحدة للجيش اللبناني بهدف تحقيق ما يراه مناسباً من تدريبات وعتاد، إضافة إلى المساعدات الأمنية، إذ تم إنشاء هذا القسم عام 2009 بهدف التنسيق المباشر مع الولايات المتحدة.

في ما بعد توسع مجال عمل البرنامج ليشمل جميع الدول التي تقدم مساعدات عسكرية وهبات للجيش اللبناني، مثل بريطانيا والإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر وفرنسا وألمانيا والأردن وإيطاليا وروسيا والصين وكندا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وتركيا والاتحاد الأوروبي والكويت وبلجيكا وهولندا والبرازيل، إضافة إلى “اليونيفيل”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى