هل يجعل مونديال 2022 من قطر “دولة ليبرالية”؟
ترحب بجميع الزوار وتبدو متسامحة مع المثلية والخمور
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
منذ حوالى 12 سنة، وتحديداً في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2010، وما أن أعلن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وقتها جوزيف بلاتر فوز الدوحة بشرف تنظيم نهائيات كأس العالم 2022، أصبحت قطر أول دولة عربية وشرق أوسطية تنظم هذا الحدث الأهم على مستوى اللعبة.
لكن على الصعيد العالمي أثار إسناد البطولة للدوحة جدلاً كبيراً، بل ذهب بعضهم ليصف نهائيات كأس العالم بالأكثر إثارة على الإطلاق، إضافة إلى تساؤلات حول الطريقة التي فازت بها قطر بحق استضافة المونديال، وكيف تتعامل مع العمال الذين يبنون الملاعب، وما إذا كانت تتمتع بالموقع المناسب لإقامة هذه الفاعلية.
ومع اقتراب موعد صافرة الانطلاق تجد الدوحة نفسها أمام سيل متعاظم من الانتقادات بسبب مواضيع شتى، أولها ملف الحقوق والحريات.
اتهامات حقوقية
في حين أشادت وسائل إعلام دولية بجاهزية دولة قطر لاستضافة بطولة كأس العالم، ووصفتها بأنها أضحت مركزاً رياضياً وسياسياً واقتصادياً في الشرق الأوسط، لافتة إلى أنها حققت نهضة كبيرة في مجال الابتكار الرياضي، مما يؤهلها إلى احتضان أهم الشركات العالمية في هذا الحقل.
إذاعة “مونت كارلو” (Radio Monte Carlo Italia) الإيطالية أشادت في تقرير لها أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالتصميم الفريد لملعب “لوسيل” الذي سيحتضن أبرز المباريات خلال كأس العالم، ومنها المباراة النهائية.
وأشارت الإذاعة إلى أن أكثر ما يثير الدهشة هو فاتورة استهلاك الكهرباء في هذا الصرح الرياضي الضخم، إذ “ستكون حقاً قليلة التكاليف وبكل تأكيد أقل من كلفتها لدينا”.
وأضاف التقرير، الذي حمل عنوان “إليكم الملعب المستقبلي في قطر الذي ستكون فاتورة استهلاك الكهرباء فيه أقل من فواتيرنا”، أن الملعب ذا الهيكل الاستثنائي الذي افتتح قبل شهر، صمم من قبل الشركة البريطانية “فوستر أند بارتنرز” بدعم من شركتيMANICA Architecture “” وKEO Consultants””، وأنه سيكون محايداً للكربون بفضل النظام الكهروضوئي المذهل.
كما أن الكهرباء التي تنتجها الألواح الشمسية ليست كافية فقط لاحتياجات الملعب، بل تستفيد منها أيضاً المباني المجاورة.
كانت قطر قد بنت سبعة ملاعب للنهائيات ومطاراً ومترو جديدين وطرقاً جديدة، ومن المتوقع أن تصل تكاليف بناء منشآت البطولة إلى نحو 300 مليار دولار، لكن الدولة تعرضت لانتقادات بسبب معاملتها لـ30 ألف عامل مهاجر يعملون في تلك المشاريع.
منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان اتهمت قطر عام 2016 باستخدام السخرة، وقالت إن عديداً من العمال يعيشون في مساكن بائسة ويدفعون رسوم توظيف ضخمة ويعانون حجب أجورهم ومصادرة جوازات سفرهم.
وأظهر استطلاع عالمي أجرته المنظمة سبتمبر (أيلول) الماضي، أن نحو ثلاثة أرباع الأشخاص البالغين 73 في المئة من البلدان التي شملها الاستطلاع يؤيدون أن يقوم الاتحاد الدولي لكرة القدم بتعويض العمال الأجانب الذين تضرروا أثناء عملهم في التحضير لمباريات كأس العالم.
وكانت نسبة الدعم أعلى في صفوف الأشخاص الذين يرجح أن يشاهدوا مباراة واحدة على الأقل 84 في المئة، كذلك أظهرت استطلاعات شركة “يوغوف” YouGov التي استطلعت آراء ما يزيد على 17 ألف شخص من البالغين في 15 بلداً أن الأغلبية الساحقة 67 في المئة منهم يريدون من اتحادات كرة القدم الوطنية أن تجاهر بمواقفها من قضايا حقوق الإنسان المرتبطة بمباريات كأس العالم في قطر، بما في ذلك دعم تقديم تعويضات للعمال الأجانب.
وكانت الحكومة القطرية اتخذت ومنذ عام 2017 تدابير لحماية العمال المهاجرين من العمل في درجات حرارة عالية، والحد من ساعات عملهم وتحسين الظروف في معسكرات سكن العمال.
وتدعم نتائج الاستطلاع حملة “فلتدفع_الفيفا”، إذ انتشر هاشتاغ #PayUpFIFA الذي أطلقه ائتلاف منظمات حقوق الإنسان في 19 مايو (أيار)، من بينها منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” و”فير سكوير” وتحالف عالمي يضم مجموعات حقوق المهاجرين، والنقابات العمالية، ومشجعي كرة القدم الدوليين، وضحايا الانتهاكات، ومجموعات الأعمال والحقوق، وبعض جماعات المشجعين والنقابات العمالية، التي دعت الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى تخصيص صندوق لتعويض العمال ومنع وقوع انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل.
ويطالب الائتلاف الـ”فيفا” بتخصيص ما لا يقل عن 440 مليون دولار أميركي للصندوق، وهو مبلغ مواز لقيمة الجوائز المقدمة للمنتخبات المشاركة في بطولة كأس العالم، وتقدر عائدات البطولة التي يتوقع أن يجنيها “فيفا” بنحو ستة مليارات دولار أميركي.
وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد نشرت في تقرير لها، فبراير (شباط) 2021، معلومات عن أن 6500 عامل مهاجر من الهند وباكستان ونيبال وبنغلاديش وسريلانكا لقوا حتفهم في قطر منذ فوزها باستضافة كأس العالم.
ولم يتم تصنيف الوفيات، التي أبلغت عنها السلطات في الدول الآسيوية الخمس، بحسب المهنة أو المكان أو العمل، لكن مجموعة الحقوق العمالية “فيرسكوير” قالت إنه من المرجح أن عديداً ممن ماتوا كانوا يعملون في مشاريع البنية التحتية لكأس العالم، لكن متحدث باسم الحكومة القطرية قال للإعلام “لقد تم إحراز تقدم كبير لضمان تطبيق الإصلاحات بشكل فعال”.
أندرياس غراف رئيس قسم حقوق الإنسان ومكافحة التمييز بـ”الفيفا”، عبر في مداخلة خلال مؤتمر نظمه الاتحاد الألماني لكرة القدم بمدينة فرانكفورت خلال سبتمبر الماضي لبحث قضايا حقوق الإنسان عن أن “المهمة الرئيسة تتمثل في الدفع باتجاه بناء إرث إيجابي طويل المدى بعد انتهاء كأس العالم في قطر”، مثمناً الإصلاحات التي قامت بها دولة قطر في ما يتعلق بحقوق العمال.
هل تتغير قطر من أجل المونديال؟
في تقرير لمركز “كارنيغي أوروبا” نشر أواخر أكتوبر الماضي، بعنوان “هل غير كأس العالم قطر؟” قال الكاتب فرانشيسكو سيكاردي، وهو مدير وباحث بالمركز، “لأكثر من عقد من الزمان، عارض مشجعو كرة القدم واللاعبون والاتحادات الوطنية لكرة القدم قرار منح حقوق استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال لعام 2022 إلى قطر، وهي دولة لا تتمتع بتقاليد كروية، بل تقاليدها في هذا المجال معدومة، ولها سجل طويل من انتهاكات حقوق الإنسان.
ورد الـ”فيفا” على هذا الرأي، بأن الأضواء التي سلطت على قطر بسبب البطولة دفعت الحكومة إلى تعزيز إصلاحات غير مسبوقة في مجال الرفاهية والعمالة.
رد الاتحاد الدولي أثار جدلاً حول الدور الذي يمكن أن تلعبه كرة القدم لدعم القيم الليبرالية دولياً، وحول ما يدفع جهود اتحادات اللعبة التي تبشر بها كثيراً لتعزيز مجتمعات أكثر مساواة، وحول التناقضات التي تواجهها كرة القدم عندما تحاول تعزيز تغييرات اجتماعية عميقة، بحسب الكاتب.
وكان جدل أخذ حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام الأجنبية والعربية، بشأن الطريقة التي يعتزم اللاعبون المشاركون في البطولة التعبير بها عن رأيهم بشأن قضايا حقوق الإنسان وموقف قطر من المثلية الجنسية.
ورد 10 اتحادات أوروبية لكرة القدم، من بينها إنجلترا وويلز، على طلب الـ”فيفا” للدول المتنافسة “بالتركيز الآن على كرة القدم”، وقالوا إن “حقوق الإنسان عالمية وتنطبق في كل مكان”.
كما تعرض طلب الـ”فيفا” لانتقادات من منظمات حقوقية من بينها “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” ونشطاء مجتمع الميم في إنجلترا وويلز.
في المقابل طالب مدرب نادي ليفربول الإنجليزي يورغن كلوب بضرورة عدم تحميل اللاعبين المشاركين في مونديال قطر فوق طاقتهم لإرسال رسائل احتجاجات بما أثير عن انتهاك الدوحة لحقوق العمال المهاجرين الذين شيدوا منشآت بطولة كأس العالم.
وأوضح المدرب الألماني في تصريحات تلفزيونية أنه يجب عدم مطالبة اللاعبين والمدربين مراراً وتكراراً بالدفاع عن قضايا العمال المهاجرين وحقوق الإنسان في قطر.
وأشار إلى أنه “لم يتم فعل أي شيء عندما تم منح الدوحة حق استضافة بطولة كأس العالم قبل 12 عاماً”. وأضاف “لا أحب حقيقة أن اللاعبين عليهم من وقت لآخر أن يواجهوا موقفاً يتعين من خلاله إرسال رسائل معينة”.
وكان خالد سلمان، وهو لاعب كرة قدم قطري دولي سابق وأحد سفراء مونديال 2022، وصف المثلية الجنسية بأنها “اضطراب في العقل”، وذلك في مقابلة مع القناة الألمانية العامة “تسيد دي اف” (ZDF).
وجاءت تصريحات سفير برنامج “إرث قطر” لمونديال 2022، قبل أسبوعين فقط من انطلاق المونديال، وفقاً لما نقلت وكالة “أسوشيتد برس”.
وقال سلمان (60 سنة) ستحصل أمور كثيرة في البلاد فلنتحدث عن مثليي الجنس، “الأهم هو أن الجميع سيقبلون أن يأتوا إلى هنا، لكن عليهم قبول قواعدنا”.
وتابع أن مثلية الجنس “حرام لأنها اضطراب في العقل”، قبل أن يتم قطع الحوار من قبل المتحدث باسم اللجنة المنظمة لكأس العالم، الذي كان يرافق القناة الألمانية خلال التصوير.
الجميع مرحب بهم
وكان ناصر الخاطر الرئيس التنفيذي لمونديال قطر أشار في مقابلة مع شبكة “سكاي نيوز” نشرت 14 أكتوبر إلى أن أي شخص يفرط في الشرب سيحظى برعاية.
وأوضح “أعلم أن هناك خططاً لتوفير مناطق مخصصة للمخمورين حتى يستعيدوا نشاطهم إذا أفرطوا في الشراب”، مضيفاً أن الهدف هو التأكد من سلامتهم وأنهم لن يلحقوا الضرر بالآخرين أو بأنفسهم، ووصف الفكرة بأنها “جيدة”.
كما كرر الخاطر رسالة الطمأنة بأن مجتمع الميم مرحب بهم، وعندما سئل عن رسالته إلى جمهور هذا المجتمع، أجاب “الجميع مرحب بهم هنا وسيشعر الجميع بالأمان عندما يأتون إلى قطر”.
ورداً على سؤال عما إذا كان ذلك يشمل المشجعين المثليين الذين يمسكون بأيدي بعضهم بعض في الأماكن العامة، قال “نعم”، وأجاب “نعم” أيضاً عندما سئل عما إذا كانت هذه رسالة طمأنة.
وسبق أن أكد منظمو البطولة أن الجميع محل ترحيب بغض النظر عن الميول الجنسية أو الخلفيات، لكنهم حذروا المشجعين من التعبير عن المشاعر في الأماكن العامة.
وحظرت قطر ودول عدة في المنطقة عرض فيلم الرسوم المتحركة ديزني “لايت يير” (Lightyear)، الذي يدور حول علاقة مثلية في دور السينما هذا العام.
يذكر أن المنتخبات الأوروبية وافقت على استخدام كأس العالم كمنصة لإبراز قضية حقوق المرأة وحقوق مجتمع الميم في قطر، حيث يخطط قادة الفرق إلى ارتداء شارات قوس قزح أثناء البطولة، وهو أمر لم يؤكده الـ”فيفا” بعد، مع أن أمير قطر كان قد أكد أن جميع الزوار مرحب بهم في قطر، وأنه يتوقع احترام الثقافة المحافظة في البلاد.
دور مشجعي كرة القدم
بالنسبة إلى الباحث فرانشيسكو سيكاردي فإن لعشاق كرة القدم دوراً يلعبونه، لكن أولئك الذين يريدون مزيداً من العمل بشأن حقوق الإنسان يكافحون من أجل إسماع أصواتهم.
وأعلن الـ”فيفا” هذا الأسبوع أنه تم بيع أكثر من 90 في المئة من المقاعد، حيث يأتي كبار المشترين من الولايات المتحدة والسعودية وإنجلترا، لذا حتى لو كانت غالبية المشجعين تؤيد مقاطعة كأس العالم أو استخدام عائدات البطولة لتعويض العمال الذين عانوا انتهاكات حقوق الإنسان، فإن التغيير الهادف سيتطلب إجراءات منسقة في جميع أنحاء العالم، وهذا لا يحدث.
وتساعد المبادرات المحلية، مثل قرار بعض المدن الأوروبية بعدم بث مباريات كأس العالم علناً، في إبقاء أوجه القصور بمجال حقوق الإنسان في قطر تحت الأضواء.
وتذكر هذه الأعمال الرمزية المعجبين بأن استهلاك المنتجات الترفيهية الملوثة بـ”تحسين الصورة عبر الرياضة” له آثار أخلاقية، وأنهم يتمتعون بالقدرة على إحداث التغيير، إلى أي مدى، لا يزال الأمر غير واضح.
وأشار اقتراح الـ”فيفا” لاستضافة كأس العالم كل عامين إلى أن قوة المال وقيمة الترفيه في كرة القدم من المقرر أن تتغلب على مخاوف المشجعين، وصحة اللاعبين، في السنوات المقبلة.
في السياق نشرت وسائل إعلام عديدة لائحة تتضمن أربعة محرمات يجب معرفتها قبل حضور كأس العالم 2022 في قطر، بما في ذلك سياسات الكحول والمخدرات والجنس وقواعد اللباس، لكن اللجنة العليا للإرث والمشاريع القطرية نفت صحة المنشور المتداول والمعنون بـ”قطر ترحب بكم” والخاص بممنوعات أقرتها الحكومة القطرية بشأن الزوار.
وتنطلق بطولة كأس العالم 2022 يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بمباراة تجمع منتخب قطر المضيف أمام منتخب الإكوادور في اللقاء الافتتاحي ضمن منافسات الجولة الأولى من المجموعة الأولى التي تضم أيضاً منتخبي هولندا والسنغال.