فيروز نجمة فى 87: الكشف عن فيديو نادر.. «مصر عادت شمسك الذهب»
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية

الدستور المصرية –

.. وسط اهتمام رفيع المستوى، عاشت العاصمة اللبنانية بيروت، لحظات مع عيد ميلاد الفنانة المطربة العالمية “فيروز”.

 

المفاجأة التي أثارت الأوسط كافة، ما نشرته ريما الرحباني، ابنة المطربة فيروز، وثيقة سمعية بصرية مرئية “فيديو” نادر لجارة القمر، خلال  بروفات تحضيراتها أغنية «مصر عادت شمسك الذهب»، تمت في القاهرة، والتي غنتها في حب مصر وتعبر فيها عن حبها لمصر وشعبها، وبحسب، مصادر عائلة فيروز، الفيديو تم تصويره في 1989.

الكشف ونشر الفيديو تمت بمبادرة من ريما الرحباني، الفيديو عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وعلقت عليه قائلةً: «هدية منيّ، من أرشيفي خصيصًا لكم..

 

*فيروز.. امرأة الخيال..

 

«وسيلتي الوحيدة لمخاطبتكم جميعا: صوتي ..» وها هي، تعود الى الغناء عبر العاصمة عمان، من جديد بعد سنوات جعلت جمهورها ينتظر شوقا الى صوت سفيرة النجوم الرائعة فيروز التي تنهمر أغنياتها على قلوبنا، مثل نجوم صغيرة، نلتقطها ونغني «أحب من الاسماء» و «أنا فزعانة» و«سألتك حبيبي» «حبيبي بدو القمر» و«اشتقتلك» و«شادي» و«سنرجع يوما».. و «دروب الهوى» و «يامينا الحبايب يا بيروت» وعندما تتشبع نفوسنا وجيوبنا من نجوم «السيدة».. نطلب المزيد.. ويبقى لنا المزيد من فيروز وصوتها الملائكي الساحر الرنان، النادر والفريد.

.. ولها، فيروز رحيق النور والنوار والحرير والنول والدار الكبيرة التي تمتد على ثرى كل البلاد العربية والعالم.. عدا الفضاء والكون.. فما تركته من بصمات ساحرة، على واقع الاغنية والطرب العربي الأصيل، المتجذر في النفس والروح .. بعيدا عن هرج ومرج وسخافات عشرات المهرجانات الصيفية المقيتة، التي غيبت غذاء الروح الى أشباه راقصات الملاهي و قارعي الطبول.. بينما الصوت الجوهرة.. بقي يحن الى أيامنا، في اردن الخير، الذي احتضن فيروز الرحابنة وعلى مسارحنا وتشهد مدارج مهرجان جرش، دار الأوبرا المصرية، أطراف الاهرام المصرية، بغداد الرشيد.. تألقت فيروز وأبدعت وعلى هدير مسرحية بترا أبكت عالمنا المتعب على متاعب حماية البلاد والأولاد والأرزاق.

*جارة القمر التي حملتنا الى النجوم و جعلتنا نعشق الحياة

الزمان في ظهر يوم 21 تشرين ثان 1935 تشرين ثان، نوفمبر  1935

في قرية انطلياس، ضمن جبل لبنان، وفي بيت صغير، متواضع من غرفة واحدة.. ولدت ذات شتاء قارس، ناهد حداد، التي نقل البشارة لوالدها وديع حداد عامل مطبعة القرية.. بينما كانت أمها اليزابيث البستاني، تنظر الى طفلتها التي ولدت قبل شهر من أعياد الميلاد يوم 25 تشرين ثان العام 1935.. لتعيش طفلة مدللة، موهوبة ذات صوت رخيم واوبرالي واسع الطيف، جعل أحد أهم أساتذة وعمالقة الغناء العربي يصفق لها، وبالتالي يتبنى موهبتها، وكأن هذا العملاق، الملحن «محمد فليفل» والذي عرفها على شرطي البلدية، الموسيقى الكبير ـ فيما بعد ـ عاصي الرحباني الذي استمع الى نهاد وعشقها في آن واحد.. ومعها سجل اغنية «عتاب» في ستوديوهات الشام.. ليتزوجها في العام 1954.

وعندما جاءت الشابة وتقدمت الى الاذاعة اللبنانية، كان خط الغناء العربي المعاصر يتجسد في هذا الصوت الذي إنطلق في العام 1952، بتشجيع من «فليفل الرحباني».. وكانت تعرف بإسمها «نهاد حداد» واسم الدلع «يولا» أو فتاة الجبل.

فيروز العام 1952

«حاجي تعاتبني، يئست من العتاب

ومن كتر ما حملتني، هالجسم داب

حاجي تعاتبني، واذا بدك تروح ..

روح، روح، روح …

وأنا قلبي تعود عالعذاب»

وفي خضم صراعات الوجود والحريات والاستقلال، التي عاشتها لبنان العام 1952 كانت «فيروز» تعيش نجاحها في عالم الطرب والغناء، وحملتها أغنية «عتاب» الى ارجاء البلاد العربية، وعلى صعيد الفن، تصدرت فيروز ذاكرة كبار الملحنين والشعراء والمطربين الكبار منذ ذاك العام وحتى اليوم أمثال: محمد فليفل، فيلمون وهبي، عاصي الرحباني، حليم الرومي، توفيق الباشا، خالد ابو النصر، سليم الحلو، منصور الرحباني، مدحت عاصم، رياض السنباطي، محمد عبدالوهاب، رسمي ناصيف، زياد الرحباني.

 

وتدخل فيروز، عامها الطربي، الإبداعي الجديد، محققة «52» عاما من الريادة والفن الإنساني الذي يصل ذاكرة الشعوب، ويوحد القلوب ويبكى العشاق وينتصر للحق وللأرض المنهوبة، مثلما يحمل معاني كثيرة للحرية والأصالة وجزالة الحضور، سواء على الإذاعة أو التلفزيون أو السينما أو المسرح.

*ثورة 23 يوليو 1952

لقد اجتاحت ثورة 23 يوليو 1952، مصر والأمة العربية، بالذات في بلاد الشامل والعراق وشمال أفريقيا، الوسط اللبناني على صعيد السياسة والثقافة والفن وتعاظم شأنها في ظل مطالبة الشعب اللبناني بالحريات العامة والاستقلال وهي السنة التي أوصلت الرئيس كميل شمعون الى رئاسة لبنان في ثورة بيضاء، ما أدى الى بناء دولة قوية، أقرت فيما أقرت، حق المرأة اللبنانية في الحقوق المدنية والسياسية الأمر الذي جعل اعلام الفن والثقافة من النساء المبدعات يتصدرن العالم العربي وكانت فيروز في طليعة هذا الجيل الذي تأثر بالإبداع الإنساني والفكر الحر، وتزامن ذلك مع إطلاق الرئيس المصري جمال عبدالناصر ثوابت ثورته الناصرية، التي وضحت للمرأة وللفن وللإبداع، عوامل نجاح ومنافسة قوية، إلا أن فيروز شقت طريقها في ظل وجود أسماء فنية مهمة في مصر ـ تحديدا ـ أمثال ام كلثوم ونجاة الصغيرة وشادية وفتحية أحمد وغيرهم.

وغنت فيروز لشعراء العربية الكبار أمثال: جبران خليل جبران، عمر أبوريشة، نزار قباني، وسعيد عقل، ميخائيل نعيمة، الياس أبوشبكة، جوزيف حرب، طلال حيدر، وغيرهم، اضافة الى العديد من النصوص الشعرية من الشعر العربي خصوصا الموشحات الأندلسية. فباتت اسطورة لبنان والبلاد العربية، وسحرت الشرق والغرب، بقدرتها على التنوع في الأداء وفنون الطرب العربي متأثرة بشاعرية وشخصية فذة وضعت ثوابتها وخياراتها وشفافيتها في جميع الأوساط الفنية والاجتماعية إضافة الى الأطياف السياسية والدينية والانسانية عامة.

*مفتاح القدس

بعد نكسة فلسطين العام 1967 وظفت فيروز قدراتها الانسانية والفنية الغنائية لصالح القضية العربية الفلسطينية.. وغنت عدة أغان مهمة، لعل ما بدأ في «أوبريت عائدون» الذي غنت فيه اروع الأغاني الوطنية في تاريخ الغناء والطرب العربي الأصيل وهي: أغنية «راجعون» وأغنية «جسر العودة» و «زهرة المدائن» وبعيد أشهر قليلة، تزور فيروز القدس، تتسلم «مفتاح المدينة العام 1968» وتعيد غناء راجعون وزهرة المدائن و«غنيت مكة» للجيل العربي المؤمن بالحق الفلسطيني المسلوب على أرض فلسطين.. وتصبح اغانيها .. المفتاح السحري لكبار الكتاب والملحنين، لخوض غمار الأغنية الوطنية، ولينفتح أهم باب غنائي أحيا الآمال وشحن عزائم الشباب وجعل الارض أمامهم لا تغيب.

فيروز، في هذه المرحلة اخترقت مهج محبيها وتناوبت معهم العيش بسلام ورومانسية آسرة، مطلقة.. وظل صوتها شامخا، شموخ أرز لبنان وزيتون وبرتقال فلسطين ونخيل بغداد وياسمين الشام، وآهات عمان التي غنت لها: «عمان في القلب.. أنت الجمر والآه» ومنذ القدس.. وإلى اليوم.. أحبت فيروز الارض العربية والمدنية العربية وجسدت ذلك في أجمل أغانيها الخالدة: بيروت، دمشق، بغداد، مكة.. وغيرها، لعل أبرزها أغنية «مصر عادت شمسك الذهب»، التي تعد من وثائق الزمن الجميل.

*إمرأة الخيال

يخترق الشاعر اللبناني الكبير أنسي الحاج، حضور شاعريته الشفيفة، لتتوحد مع شقيق روح ونفس فيروز، فيصف هذه الفنانة، جارة القمر قائلا:

«الكتابة عن صوت فيروز متعة يعرفها معظم الشعراء، ويعرفون ـ أيضاـ أنها فخ مؤلم ولذيذ، فخ الوقوع في تجربة التعبير عما يلح عليك للتعبير عنه، وهو في الوقت نفسه غير قابل تماما للتعبير».

ويضيف كأنه يحلل اسطورة من العالم الآخر: «قيل الكثير في أسباب حبي لصوت فيروز الا الحقيقة «!!» والحقيقة هي إنني لا أرى في صوت فيروز مجرد صوت أخاذ بل، أرى فيه تارة طفلة خائفة تحتاج الى حماية وطورا امرأة هي أجملهن: امرأة الخيال».

ويرتقى الشاعر الحاج في وصف صوت فيروز، وأنوثة طربها المغني، وهذا يحيلنا الى كلمات، عبر فيها الموسيقار محمد عبدالوهاب عن فيروز وصوتها المميز بالقول:

«صوت فيروز نسيج وحده في العمق والحساسية، صوتها قادر على التعبير عن أدق الخلجات والمشاعر.. ولن يجود القدر بمثل هذا الصوت المعجزة».

ويردف عبدالوهاب بجرأة الفنان والملحن والمطرب القدير: «فيروز ظاهرة هامة جدا في الفن العربي ولون منفرد، لم تقلد أحدا من فنانات عصرها» ويؤكد عبدالوهاب في حوار نشر معه في ايلول العام 1981، أن فيروز كانت قامة لا تعرف التقليد أو محاكاة صوت غيرها.. بما في ذلك أم كلثوم باعتبارها حالة استثنائية، أو كما قال بالنص: «فيروز لم تقلدا أحدا من عصرها.. حتى أم كلثوم التي التف في ظلها العملاق كل فنانات عصرها».

جميع ذلك يفسر قول الحاج إنها «امرأة الخيال» و«المخيال» الذي يرتقى اليه جميع الأسوياء من البشر الذين عشقوا سحر صوتها، خصوصا أنها بدأت رسم صورتها النغمية والموسيقية، عبر مشوار متعب من تعلم فنون الطرب والموسسيقى والسلم الموسيقي وحفظ الأناشيد والتراتيل الدينية، وقد علمها الموسيقار حليم الرومي، سبل وطرق تجويد القرآن الكريم والتراتيل الدينية الكنسية، اضافة الى الموشحات الاندلسية، وكان لها مختارات مست الوجدان الشعبي ورفعت من شأن من يفهم من هي فيروز وبالذات عندما غنت «يا عاقد الحاجبين» ونجحت في توجيه جمهورها الجاد الصادق نحو دلالات وتحولات الفن داخل النفس البشرية، فنالت سهامها حظوظها وشقت لها طرق الابداع.. فأصبحت، في ضمير كل من يحبها ويصعق لشفافيتها وحنان صوتها الماسي: سفيرة عشاقها نحو النجوم.. والى أعماق الإنسان بهدوء وشخصية جادة.

*سينما ومسرح.. ورقة الفضة

فيروز، كانت ساحرة في الغناء.. وفي التواصل الإنساني.. ولهذا بدعت في الطرب، كما ابدعت في السينما من خلال عدة أفلام مميزة قدمتها ومنها:

– سفر برلك «المنفى» عام 1966، إخراج هنري بركات.

– بياع الخواتم عام 1965، إخراج يوسف شاهين.

– بنت الحارس عام 1966 إخراج هنري بركات.

واللطيف، ان فيروز حظيت بمئات المقابلات التلفزيونية وحفلات التكريم وكان لها حضور مميز في السينما العربية والعالمية كشاهد على الواقع والثقافة العربية ومؤخرا أعد المخرج الهولندي «جاك جانسن» ابرز افلامه الوثائقية عن فيروز/ الحال العربي والعالمي من خلال عشق لصوت فيروز والفيلم بعنوان «أحببنا بعضنا كثيرا».

وعلى المسرح، قدمت فيروز، جل حياتها وابداعها وجولاتها الفنية وكان لها فيه جهد مميز، هنا وتخليص عمل، موسيقى بحد ذاته:

انها فيروز جارة القمر وامرأة الخيال، شمعة على دراج بعلبك.

*مِصْرُ عادَتْ

.. من كلمات وألحان:الأخوين الرحباني، كانت الأغنية، وثيقة في حب مصر:

مِصْرُ عادَتْ شمسكِ الذّهبُ

تحملُ الأَرضَ وتغترِبُ.

كَتب النيلُ على شَطِّهِ

.. قِصصاً بالحبِّ تلتهِبُ.

 

لك ماضٍ مصرُ إِنْ تذكُرينْ

.. يَحملُ الحقَّ وينتسِبُ.

ولك الحاضرُ في عزِّهِ

.. قِبَبٌ تَغْوَى بها قببُ٠

 

جئْتُ يا مصرُ وجاء معي

.. تعبٌ، إنَّ الهوى تعبُ.

وسُهادٌ مُوجِعٌ قُلْتُهُ

.. هارباً منِّي ولا هَرَبُ.

صِرْتُ نَجمَ الحُبّ أُحْصَى إِذا

.. أُحْصِيَتْ في الظُلْمَةِ الشُهُبُ.

قسَمَاً بِالمُبدِعِ سَبَباً

.. يا حبيبي إِنَّكَ السبَبُ.

 

الحضاراتُ هُنا مهدُها

.. بعطاءِ المجدِ تَصْطَخِبُ.

نقشَتْ في الصَّخرِ أَسفارَها

.. فإِذا من صخرِكِ الكتُبُ.

مِصْرُ يا شعباً جديدَ غَدٍ

.. صَوْبَ وَجهِ الشمس يَغتَرِبُ.

.. وها هي فيروز، تحتفي بإقترابها من العقد التاسع من عمرها، وقد بدأت في مأسسة ارشيفها الغنائي والثقافي النادر.

زر الذهاب إلى الأعلى