يوم فاجأ طارق الباب ألفرد نقاش: أدعوك باسم المفوّض السامي لأن تكون رئيساً
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
صار تعداد الجلسات النيابية الهادفة إلى انتخاب رئيس في لبنان، تقليداً متبعاً. لم يعد أمراً مستغرباً أن تنتهي الجلسة السابعة من دون انتخاب رئيس بقدر استغراب انتخاب رئيس من خارج التسوية ومن دون كلمة سر إقليمية دولية. كلما استفسرت نائباً عن موعد انتخاب رئيس للجمهورية كان الجواب «بكير بعدها بتحمل»، وذلك قياساً على عدد الجلسات التي عقدت سابقاً وبلغت 19 جلسة بعد نهاية عهد الرئيس إميل لحود و45 جلسة قبل انتخاب ميشال عون والذي يبقى رقماً قياسياً حتى تاريخنا الحاضر. الإستحقاق الرئاسي وإن كان لبنانياً لكنه يشكل تقاطع مصالح دولية متداخلة وعادة ما ينتخب الرئيس اللبناني بقوة دفع خارجية. وهذا ما يشير اليه المؤرخون وترويه التجارب.
في كتابه الصادر عام 1961 «رؤساء لبنان كما عرفتهم» يكتب الصحافي السياسي اسكندر الرياشي عن حكّام لبنان الفرنسيين وعن رؤساء لبنان وعما رافق عهد كل منهم من تقلبات وأحداث وعن أثر هذا كله في جو السياسة العربية التي لا يزال لبنان يلعب فيها دوراً رئيسياً. الكتاب الذي يهديه مؤلفه الى الجنرال الأمير فؤاد شهاب الذي «جاء بدون قيد أو شرط»، يتحدث فيه عن سيرة الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم لبنان وكيف أنّ اختيارهم لم يكن مرة لبنانياً محضاً، وكيف أنّ الفرنسيين كانت لهم الكلمة الفصل في اختيار رئيس الجمهورية. يقول الرياشي إنّ لبنان مرّ في سنواته الأولى في ثلاث مراحل وثلاثة أنظمة حتى وصل أخيراً الى «النظام الجمهوري السعيد، أو التعيس الذي نعيش فيه الآن» متابعاً «لم يكن هناك من مانع أن يكون النظام ملكياً او أميرياً وليس جمهورياً لو رجع الأمر للأهالي، ولو أن الفرنسيين الذين ملكوا البلاد لم يكونوا جمهوريين فوجدوا من الفضيحة أن يعلنوا الملكية في بلد ينزلون فيه بعد ان حاربوا وخلعوا الملكية في بلادهم».
يروي سيرة أربعة حكام لم يحكموا وهم «الحاكم الأول الذي كان جارنا»، أي الكابتن ترابو الذي عين حاكماً لدولة لبنان الكبير. كان يجمع المعلومات العسكرية والسياسية ويقدمها إلى الفرنسيين، لكنه اشتهر بنزاهته وطيبة قلبه حتى بات مصدر سخرية لخصومه. في عهده بدأت دولة السكرتيرية والمستشارين.
الحاكم الثاني «دوماً ضائع في كرم الرب» ويقصد به أنطوان بريفا اوبوار الذي كان «ادارياً فهيماً يعرف بالأصول ويعرف كيف يحكم لكنه كان يعرف كيف يشرب وكان لا يعرف شيئا عندما يشرب. لقد كان مدمناً على الخمرة مما جعله يترك الأمر لمعاونه وخصوصاً السكرتيرية». الثالث هو «الشيخ الوقور الماشي على العكاز أي الجنرال «فاندنبرغ» الذي كان جاوز الحد الأقصى في السن. جاء إلى السراي تحفة قديمة مثل لوحة أو رسم ثمين جداً لكنه جامد ولا حياة فيه»، إنتهى عهده بإنقلاب الجنرال «سرايل» عليه فغادر لينزل ضيفاً معززاً على صديق له في فرنسا.
مع ولاية سرايل «الذين كانوا فوق صاروا تحت» و»انقلب كل شيء الى عكسه»، يقول الرياشي «بعد أن كنا نرى السرايات تضيق بالكهنة وصنائع الكهنة وأهل الدين صرنا نمر فلا نرى فيها ثوباً أسود واحداً وبعد أن كان السكرتيرية يتمخطرون ويتجبرون فيها صرنا نراهم ينسلون بالخفاء، يلاصقون الجدران كي لا يشاهدهم أحد كأنهم لصوص جاؤوا يسرقون».
في عهد الجنرال دي كايلا الذي خلفه تمت مطاردة الإكليروس وأقفلت أبواب السرايات في وجوههم، سيطر على البلاد وهو الذي رد على مقالة كتبها الشيخ يوسف الخازن منتقداً عهده بالقول «القافلة تسير والكلاب تنبح». وبعد عزله إنتهت ولاية الحاكم الرابع والأخير في لبنان وانتهت معها حكاية «لبنان الكبير» وصارت الدولة جمهورية وجاء أول رئيس للجمهورية شارل دباس وأعلن دستور البلاد في 26 أيار سنة 1926.
في المرحلة التي تلت إعلان الدستور حكم ثمانية رؤساء للجمهورية يصنّفهم الرياشي على الشكل التالي «شارل دباس الذي بدأ كبيراً ثم خانه نجمه، طيلة الأربع سنوات كان يقول إنّ الحكم بيد الفرنسيين وإنّ رئاسة الجمهورية رئاسة شرفية تقريباً». عن حبيب باشا السعد الذي»دخل نظيفاً وخرج نظيفاً»، وإميل اده «صديق الفرنسيين وخصمهم العنيد» والذي اصطدم مع المفوض السامي فور تسلمه مهامه. مثل بالنسبة إلى الفرنسيين، فرنسا المشرق وكان يُعد ضالتهم والمثال الأعلى لمدنيتهم وثقافتهم في الشرق الاوسط.
أمّا ألفرد نقاش الذي «دخل بهدوء وخرج بهدوء» فكان الوقت متأخراً يوم فاجأ طارق باب منزله يبلغه «جئت أدعوك باسم المفوض السامي لأن تكون رئيس جمهورية، وهو بانتظارك في القصر». لاحقاً إستقال تحت ضغط الفرنسيين، ثم أيوب ثابت «البروتستانتي عندما يريد والماروني عندما يريد» وهو الذي نادى بتقسيم طائفي جديد للمقاعد النيابية في المجلس النيابي يكون فيه النصارى أكثر عدداً من المسلمين. أول ما فعله بترو طراد لما تسلم رئاسة الدولة خلفاً لأيوب ثابت سنة 1943 هو تعيين نفريْن من البوليس على باب مطبخه يمنعان الوقحين من دخول المطبخ لأنّه كان يحرص على أن يجمع فيه مجموعة من الوصيفات وهو الذي أقسم ألا يتزوج. كان رجل الليل رقم واحد ويعتبر النوم مضيعة للوقت. لم يكن له أنصار ولا خصوم والكلمة الفصل في عهده كانت للسلطات العسكرية.
عهد بشارة الخوري
عن عهد بشارة الخوري يكتب انه «أول رئيس لم يأت سكرتيراً للمفوض السامي، كان يحكم متكلاً على الله وعلى الجيزويت وعلى الفرنسيين»، فيما تحدث عن كميل شمعون على أنّه «الرئيس الذي حكم ست سنوات لوحده»، وكان على يمينه كمال جنبلاط وعلى يساره حميد فرنجية وأمامه السياسيون السنّة بأكثريتهم المطلقة. هو أيضاً كان عليه أن يرسخ علاقته مع الفرنسيين والدول العظمى.
في تلك الحقبة تسيّد الفرنسيون وحكموا ومع تغيير الوقائع وتبدّل الدول دخلت على خارطة الخيارات دول أخرى، فبات الأميركي لاعباً أساسياً الى جانب السوري كلاعب إقليمي أعقبه السعودي بعد الأزمة في سوريا وتنامى دور مصر فيما تراجع دور فرنسا وبريطانيا تدريجياً. المقصود قوله إنّ البدايات مهما تنوعت فإنّ النهاية واحدة، ما يفعله القيّمون من اللبنانيين الآن يؤكد نظرية المشككين دائما أنّ رئيساً يسقط اسمه من الأعلى ليقول الجميع سمعاً وطاعة. المرشحون أنفسهم ينتظرون كلمة سر الخارج ويسلّمون أنّ الداخل مجرد أداة تنفيذية إلا في ما ندر وأن قلّة من رؤساء الجمهورية دخلت التاريخ بأفعالها.