محمد العدساني… والقرار الأخطر
بقلم: أ.د. غانم النجار
النشرة الدولية –
عندما ينتقل إنسان من هذه الأرض الطيبة إلى رحمة الله، ويكون قد بذل الكثير، وعاني في سبيل ذلك الأمرّين، يكون واجباً على مَن يعلمون التفاصيل أن يقدّموها للناس كما هي من دون مبالغات ولا رتوش.
عندما وصلني الخبر بوفاة الإنسان محمد يوسف العدساني، انتابتني مشاعر مختلطة، تساءلت عن كيفية تعامُل المجتمع مع رحيل ذلك الإنسان الفذّ، فجاءت ردود الفعل جيدة وفي حدودها التقليدية، بجمع بعض المعلومات عن الوظائف التي تقلّدها، وهي كثيرة ومهمة، والإشادة به والترحم عليه.
يتحدّر العدساني من أسرة كريمة لها إسهاماتها في جذور هذا الوطن، فكان أن تجاوز كل الاعتبارات، ورسخ مجموعة من القيم في الجدية، والعمل المنظم وترسيخ المبادئ لكيفية النهوض في البلاد.
وحيث إن الحديث عن أبي وائل يطول ومتشعّب الأركان، بحكم المهمات التي تصدى لها، أجد من المفيد التركيز على ما عرفته عنه بشكل مباشر، وجهاً لوجه، في أخطر ملف تصدى له، وعانى فيه المعاناة الحادة، وتعرّض بسببه لهجوم شديد، إلّا أنه لم يجفل ولم يتراجع.
من المؤسف أن تلك الفترة المهمة من تطوّر الكويت السياسي لم يسلّط عليها الضوء، كما ينبغي.
وأكاد أزعم أن أخطر وأهم سياسة عامة في البلاد، شكّلت الاقتصاد السياسي في البلاد، في مرحلة ما بعد النفط، كانت سياسة التثمين، التي كان العدساني أول من حاول بجدية وحرص وتفانٍ منقطع النظير أن يقننها وينظمّها ويربطها بالإطار العام للتنمية.
التقيت أبا وائل عدّة مرات خلال سنة 1980، أثناء جمعي المادة العلمية للدكتوراه حول الاقتصاد السياسي الكويتي، وتحديداً بأهم سياسة عامة في تاريخها، وهي الاستملاكات العامة المعروفة شعبياً بالتثمين.
كان، يرحمه الله – وربما كنت في عمر أبنائه حفظهم الله – كريماً معي بوقته، ومعلوماته، وترحيبه. وكان مستغرباً أن أحداً لم يهتم بهذا الموضوع، مؤكداً أنه كان يشعر بالحسرة على ما آلت إليه الأمور. ومن الأسف أن علاقتنا انقطعت بعدها، فكان معيناً لا ينضب من العطاء والرؤية المتقدمة.
رحيل العدساني جعلني أستعيد التفكير في دور التثمين في بناء الدولة أو هدمها، وربما أعاد مجدداً التفكير في ترجمة رسالة الدكتوراة وتحويلها إلى كتاب، وقد طلب ذلك منّي عدة أشخاص، فإنّ تحقق مسعى صدور الكتاب فسيكون الإهداء إلى ذلك الرجل المعطاء، محمد يوسف العدساني.
حقيقة الأمر هي أن التثمين أعاد صياغة الاقتصاد السياسي الكويتي، ولذلك فإنّ فهم ما جرى وكيف جرى، ولماذا جرى، يمثّل عنصراً أساسياً لفهم كيفية الخروج من المأزق، وكان العدساني كاشفاً لمحورية التثمين في السياق التطوري للكويت.
رحم الله محمد العدساني وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان. وللحديث بقية…