لقاءات متتالية لتجاوز التوتر الدبلوماسي… واشنطن لا تشيح النظر عن الجزائر

النشرة الدولية –

النهار العربي – نهال دويب –

صنعت زيارة المنسق الأميركي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك للجزائر الحدث إعلامياً، وحظيت بتغطية واسعة من الصحافة المحلية، وحتى الأجنبية. والتقى ماكغورك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بحضور وزير الخارجية رمطان لعمامرة والمستشار لدى الرئاسة المكلف الشؤون المتصلة بالدفاع والأمن بومدين عتو والمدير العام للوثائق والأمن الخارجي اللواء مهنا جبار.

كذلك التقى المسؤول الأميركي رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة في حضور ألوية وعمداء من أركان الجيش ووزارة الدفاع الوطني وأعضاء الوفد العسكري الأميركي. وتطرق الطرفان إلى التعاون الثنائي بين البلدين، وبحثا في الوسائل الكفيلة بتعزيزه أكثر فأكثر، كما سلطا الضوء على السياق الأمني على الصعيدين الإقليمي والدولي.

دلالة التوقيت

في التوقيت، جاءت الزيارة عقب القمة الأفريقية – الأميركية، التي انعقدت من 13 إلى 15 كانون الأول (ديسنبر) الجاري في واشنطن والتي غاب عنها الرئيس تبون ومثله الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن. وسلطت القمة الضوء على محاور عدة متعلقة بالجوانب الأمنية والسلام والأمن الغذائي والمسائل الاقتصادية والبحث عن التخفيف من تبعات الأزمة الصحية والعمل المشترك من أجل تسوية ملف الأوبئة والأمراض المعدية، علاوة على وضع رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات الأميركية – الأفريقية.

كما تأتي هذه الزيارة بعد أيام من التوتر الذي شهده محور الجزائر – واشنطن، على خلفية انتقادات لأعضاء في الكونغرس الأميركي لعلاقة الجزائر بروسيا، وقوبلت بصمت رسمي من حكومتي البلدين.

فبتاريخ 29 أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلنت السيناتور عن الحزب الجمهوري ليزا ماكلين، عبر موقعها الرسمي، أنها جمعت 27 توقيعاً في الكونغرس بشأن رسالة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن تدعوه فيها إلى “تطبيق قانون معاداة أميركا” على الجزائر.
لكن أعقبت هذا التوتر، سلسلة من الزيارات واللقاءات بين كبار المسؤولين في الدولتين، بعضها يصنف في خانة اللقاءات النادرة على غرار اللقاء الذي جمع السفيرة الأميركية إليزابيث مور أوبين والفريق شنقريحة، فمن النادر جداً أن تشهد البلاد لقاء مثل هذا، إذ أن رئيس الدولة هو من يستقبل السفراء في الغالب وليس قائد الجيش.
وطبعاً جاء اللقاء مباشرة بعد رسالة السيناتور الأميركي ونائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ماركو روبيو التي بعث بها إلى بلينكن بخصوص فرض عقوبات على الجزائر بسبب اقتنائها الأسلحة الروسية.
ونشرت السفارة الأميركية بياناً عن اللقاء ورد فيه: “تشرفت السفيرة أوبين بمناقشة فرص التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والجزائر مع الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي”.
وفي نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، اجتمعت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان مع لعمامرة، على هامش الاجتماعات الرفيعة المستوى للدورة السادسة والسبعين للجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك، وعلقت الخارجية الأميركية على هذه اللقاءات بالقول إن “الجزائر شريك قوي لواشنطن من أجل تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والقارة الأفريقية”.
 
الأهداف 
وبناء على هذا يمكن التأكيد أن العلاقات الجزائرية – الأميركية تشهد تقارباً لافتاً في ظل الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين وتصريحاتهم التي تكشف عن “مستقبل حيوي وإيجابي”، رغم التحريض داخل الكونغرس على تطبيق قانون “معاداة أميركا” على الجزائر لأنها ثالث أكبر متلقٍ للأسلحة الروسية في العالم.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بسكرة البروفيسور نور الصباح عكنوش في حديث الى “النهار العربي” إن “القراءة المنهجية للتحرك الأميركي إزاء الجزائر تكون في إطار محددات جيوسياسية ذات صلة بالتنافس الدولي على مناطق النفوذ في البحر المتوسط، منطقة الساحل والمغرب العربي”.
ويرى أن “المركب الصناعي العسكري في واشنطن يرى في الجزائر قوة إقليمية مفتاحية على صعيد الشراكة الأمنية والاستراتيجية في قضايا الإرهاب بالدرجة الأولى ثم الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعيةّ”.
ووفقاً لعكنوش فإن “الدور الجزائري بحسب غرف التفكير الأميركية هام جداً في تأمين الوضع في المنطقة الهشة، فالجزائر معروفة بقوة جيشها واستقرار مؤسساتها وهو ما يجعل البيت الأبيض يحاول الإسراع في إشراكها برؤيته، بخاصة أنها كبلد محوري محل استقطابات قوية من كبار العالم، لا سيما محور واشنطن، ومحور موسكو وبكين”.
وما يقلق الغرب، وبخاصة أميركا “البديل الروسي للدور الفرنسي، وما القمة الأميركية – الأفريقية الأخيرة إلا رسالة الى القارة السمراء مقابل علاقات اقتصادية وشركات تجارية ودبلوماسية وواقعية”، يقول عكنوش.
وهو ما لمح له بن عبد الرحمن خلال القمة، فقد ظهر متأسفاً على تراجع التعاون في مجال الاستثمار مع أميركا خلال العقدين الماضيين، إذ تأتي أميركا في ذيل الترتيب من حيث قيمة المشاريع الاستثمارية. وقال بن عبد الرحمن إن “الحضور الأميركي في السوق الجزائرية لا يزال بعيداً من إمكانات البلدين والفرص الاستثمارية التي تتيحها السوق الجزائرية”.
ويقول عكنوش إن “هذه المرحلة تشكل فرصة استراتيجية للجزائر لاستقطاب الاستثمارات، بخاصة أن الدبلوماسية الجزائرية متوازنة في قراءتها للعلاقات الدولية وبراغماتية في سلوكها مع كبار العالم لمصلحة للبلاد بالدرجة الأولى في عالم متقلب وغير واضح المعالم”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى