لبنان 2023: عام التعافي؟
بقلم: نوال الأشقر

النشرة الدولية

لبنان 24 –

أقفل العام 2022 على مشهديّة لبنانيّة فيها من التأزّم السياسي والإنهيار المالي ما يكفي لرسم سيناريو سيء للعام الجديد. لكن، على رغم الإنهيار الذي ضرب كلّ القطاعات في لبنان، وأحال الغالبية العظمى من مواطنيه فقراء، وعلى رغم تصنيف أزمته كواحدة من أسوأ الأزمات الإقتصادية على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، تبدو فرص النهوض كبيرة، وأسرع بكثير مما دوّن البنك الدولي على إحدى سجلّاته، مقدّرًا أنّ يستغرق التعافي ما بين 12 و19 عاماً.

ليس من باب التقليل من خطورة الأزمة غير المسبوقة بتاريخ لبنان الحديث، ولا من منطلق إغفال القدرة الهائلة لـلـ “إصلاحيون الجدد” على تعطيل كلّ فرص النجاة، وتقديس أنانياتهم وتقديم طموحاتهم، وليس من باب تجاهل الإجندات الإقليمية وفائض القوّة المقوِّضة للدولة، بل من منطلق الإيمان بقدراتنا الذاتيّة على النهوض، لاسيّما وأنّ مقوّمات بلد الـ 10452 كلم مربّع ليست بقليلة، تأتي في مقدمها ثروة لبنان البشرية على قلّة عديدها، المقيمة منها والمغتربة، حتّى أنّ البنك الدولي الذي قال إنّ لبنان يأتي بعد تشيلي التي احتاجت إلى 16 عامًا للتعافي من انهيارها عام 1926، وإسبانيا خلال حربها الأهليّة في الثلاثينيات والتي استغرق تعافيها 26 عامًا، البنك الدولي نفسه صنّف لبنان في المركز الأوّل في المنطقة والمرتبة الثانية عالميّاً من حيث تحويلات المغتربين، ملاحظًا أنّ متوسّط كلفة التحويلات الوافدة إلى لبنان من بلدان ذات دخل مرتفع، من ضمن دول منظَّمة التعاون الإقتصادي والتنمية، لا يزال عاليًا جدّاً. وقد بلغ مجموع التحويلات وفق تقديراته 6.8 مليارات دولار عام 2022، علمًا أنّ برنامج المساعدات التي سيمنحها صندوق النقد الدولي للبنان، في حال التوصّل إلى اتفاق معه، لا تتعدّى 3 مليار دولار، مقسّطة على أربع سنوات، أي أقل من نصف قيمة تحويلات المغتربين لعام واحد.

عدم جواز المقارنة بين لبنان وغيره من البلدان المأزومة، ليس بفضل مغتربيه المنتشرين في بقاع الأرض فحسب، بل بفعل تضافر جملة عوامل، منها أنّ اقتصاده صغير جدًا، وعدد سكانه محدود، مقابل مقوّماته الكبيرة، والتعافي لا يستلزم سنوات طويلة، كما لا يتطلب الكثير من الأموال، بل توافر إرادة إصلاحيّة حقيقيّة.

إمكانية التعافي السريع يؤكّدها الخبير الإقتصادي والمالي غسان أبو عضل، لافتًا في اتصال مع “لبنان24” إلى أنّ الفرق الذي يحتاجه الإقتصاد لا يتخطّى قيمة 4 مليار دولار “تحويلات المغتربين تبلغ بالحدّ الأدنى 6 مليار دولار، الصناعة أضحت تُدخل إلى البلد حوالي 3 مليار دولار، عائدات السياحة تقدّر بحوالي 3 مليار سنويًّا، الصادرات الزراعيّة تتأرجح صعودًا وهبوطًا ومتوسط عائداتها يبلغ 1 مليار دولار. وبالتالي يبلغ مجموع العائدات مجتمعة حوالي 13 مليار سنويًا. بالمقابل بلغ حجم الواردات حوالى 17 مليار دولار، وهناك جزء من الإستيراد لا يعود للبنان بل لصالح سوريا، بأي حال حتّى لو فرضنا أنّ حجم الإستيراد سيبقى على هذا المستوى، لن تتعدّى حاجتنا لتدفقات نقدية أكثر من 4 مليار دولار لتغطية العجز. ومن خلال تحقيق أيّ إنفراج سياسي، مع ما يتبعه من فتح باب الإستثمارات، سيدخل أكثر بكثير من 4 مليار دولار. من شأن ذلك تحقيق توازن في ميزان المدفوعات، وتراجع الضغط على الليرة وسعر الصرف، وانتعاش الإقتصاد. ولكن مفتاح التعافي الإقتصادي يكمن في السياسة، لجهة الحاجة لاستعادة الثقة وجذب الإستثمارات”.

في الحديث عن إعادة دور لبنان وإنقاذه من الإنهيار، لا بدّ من التأكد على حتميّة ترميم علاقاته مع الدول العربية والخليجيّة تحديدّا وإعادتها إلى سابق عهدها، ومن شأن ذلك وفق أبو عضل أن ينعكس ارتفاعًا في حجم الصادرات الزراعيّة والصناعات الغذائيّة، وفي إعادة السائح الخليجي المنكفىء “على الرغم من خطورة الأزمة، من السهل على بلد كلبنان أن يتعافى، لكن طريق الإنقاذ لا يقتصر على الشق المالي والإقتصادي الإصلاحي فقط، بل يتعدّاه إلى المقاربة السياسيّة ومنها سياسة لبنان الخارجيّة، فعلى سبيل المثال أبّان حكومة حسان دياب، كان الدولار بألفي ليرة، وكان هناك هناك حكومة ورئيس للجمهورية ومجلس نواب، واحتياطي في البنك المركزي يبلغ 35 مليار دولار، وكانت القطاعات قائمة، ورغم ذلك انهار البلد. بالتالي ليس أيّ انفراج سياسي يحقّق بداية الخلاص، بل انفراج في الإتجاه الصحيح، لأنّ الإبقاء على السياسة الخارجيّة نفسها التي اتبعت في السنوات الأخيرة لا يأتي بالإستثمارات الخليجية والأوروبية والأميركيّة”.

“نحن أمام اقتصاد صغير يمكن إنعاشه بالقليل من المال، ولكن المدخل بانفراج سياسي وعلاقات سليمة مع الدول الخليجيّة” ويبقى أنّ تطبيق الإصلاحات شرط بديهي للتدفقات الماليّة، وفي مقدمها إصلاح الكهرباء وتقليل حجم الإنفاق في القطاع العام، عبر تقليص حجمه وتفعيل الإنتاجية وعصرنة القطاع ومكننته. وكلها مطالب ليست تعجيزية بل تحتاج إلى تغليب المصلحة العامة والإقلاع عن التعطيل، ومعها تصبح عملية النهوض ممكنة وسريعة الوتيرة، فهل يشكّل عام 2023 بداية الخروج من الأزمة؟

Back to top button