«73 ساعة في لبنان»… رواية ترصد أزمات تشعلها الحروب

النشرة الدولية –

جريدة الجريدة – حمزة عليان

لم نتعرف على الكاتب مشعل الملحم من خلال مقابلاته وإطلالاته في عالم العقار، فقد عرفناه صاحب خبرة في هذا القطاع، لكننا وجدنا شخصاً آخر في روايته (73 ساعة في لبنان)، شخصاً يمتلك خيالاً واسعاً بأدب الرواية والخيال الذي ينقلنا إليه وهو يسرد حكاياته تلك. الرواية فيها اختلاف واضح من حيث الأحداث التي كتب عنها وواجهته في رحلته الميمونة تلك، أو من حيث الإخراج الفني الذي اتبعه. ينبّه القارئ في البداية إلى أن الأحداث واقعية، أما الأسماء فكلها مستعارة، وأي تشابه بينها وبين شخصيات حقيقية هو محض الصدفة. في المقدمة يشرح من أين جاءت الفكرة، وإلى ماذا تهدف. حدود الدولة «73 ساعة في لبنان» قصة رجل أربعيني من الخليج العربي يسافر إلى لبنان بهدف شراء أرض في منطقة معظم سكانها يعتنقون الديانة المسيحية، لكن رحلته تأخذ منعطفاً مهماً، بعد اشتعال احتجاجات شعبية، ومحاصرة المحتجين لمطار بيروت، وتدهور الأوضاع الأمنية، في فترة تأجج فيها الصراع الفكري والطائفي في المنطقة العربية كلها، وخلال الأيام الثلاثة التي قضاها في لبنان، عاش الرجل أحداثاً متوترة عرَّضته إلى مواقف ساهمت في تغيير مفاهيمه ورؤيته لكثير من المسلَّمات الفكرية. «73 ساعة في لبنان» كتاب يبحر في سلوك النفس البشرية التي تعيش تحت أزمات تشعلها الحروب والنزاعات، وتنتج عنها انقسامات فكرية وسياسية ودينية. الرواية صيغت في فصول قصيرة، متسلسلة في سياقها، ومنفصلة في أحداثها. وبغض النظر عن الموقع الجغرافي للقصص، فالأفكار التي ترويها هي خارج حدود الدولة التي شهدت أحداثها إلى كل تلك الدول التي توجد فيها مثل تلك الأفكار. رسالة المؤلف يبعث المؤلف مشعل الملحم برسالة إلى قارئه يطلب منه أن يقرأ له ولا يقرؤه، فكتاباته أهم من شخصيته، ورسالته أهم من هويته، وقصته أولى من معرفته، مضيفاً: «أوصيكم بألا تبنوا آراءكم في رواية الأحداث بناءً على جنسي أو أصلي أو ديني، وأن تتجردوا من كل الأحكام المسبقة، وتتنقلوا بين صفحات الكتاب، وتتحرروا من أي أفكار ثقيلة، أو معتقدات قد توهن عقولكم وتحرمكم من التحليق بين سطور هذا الكتاب بحرية». لماذا أكتب؟ في الواقع، وكما يقول: «أنا لا أكتب لأبهر قراء أو أقنع شخصاً أو أثبت رأياً، لا أكتب لأعظ خلقاً أو أنصح بشراً، أنا أكتب لأني أحوج من غيري لكلامي، أكتب لأعيد ترتيب عقلي المبعثر، أكتب لأنظم أفكاري وآرائي وتساؤلاتي بين ما لقنت وما أدركت، وبين ما حفظت وما أبصرت. لقد نقش الآخرون بأقلامهم على كتاب عقلي من أول صفحة فيه، لذلك أمسكت قلمي لأخط بيدي على ما تبقى من صفحاته. سأكتب عليها لأغيِّر الأفكار التي غرست في رأسي، وترعرعت في روحي، سأكتب عليها كي أرسم هويتي وأعلن استقلاليتي. سأكتب بعدما اكتظت صفحات عقلي بالتساؤلات. سأكتب بعد أن غص وجداني بالكلمات، وضاقت به المساحات. سأكتب بعد أن سئمت النقش على حوائط عقلي سراً، وتوجست من البوح جهراً. سأكتب ليستقيم عقلي من انحرافات العابرين فيه». نطالع نصاً أدبياً أفرغ فيه المؤلف قناعاته وأفكاره، التي رأى فيها إرثاً غير جدير بأن يحمله وهو في سن الأربعين، لديه أسلوب ساخر أحياناً، وناقد أحياناً أخرى، وساخط إلى حد التمرد في أحيان كثيرة، كلما رافقته في محطة من محطات أيامه الثلاثة التي أمضاها في لبنان ستعثر على مشعل ملحم الحقيقي. ربما كان الجزء السادس والأخير والمنشور تحت عنوان «هنا بيروت» من القصص التي يغوص فيها عميقاً في المفاهيم والسرديات المتواترة، والتي ينفذ منها إلى عالم غير زائف، وبعيداً عن الاستبداد والاستئثار. ينهي قصصه بعبارة إنسانية يوجهها إلى الشعب اللبناني: «عظيم الحب والتقدير للبنان وشعبه»، بعد أن رسم بقلمه 29 لوحة عميقة غاصت في الفكر البشري، تنقل للعين المجردة صوراً قد نكون غفلنا عن رؤيتها. الكتاب صادر عن دار ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع في الكويت بالقطع المتوسط وب 342 صفحة.

زر الذهاب إلى الأعلى