الصين خرجت للعالم بقفازات القوة الناعمة
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
الصين خرجت إلى العالم الثالث فعلياً ودخلت في مشاركات ومشاريع واتفاقات اقتصادية وتنموية، أخفقت في بعضها ونجحت في أخرى، خصوصاً في مسألة القروض التي قدمتها والديون المترتبة على الدول الفقيرة، والتي تشكل عائقاً أمام تحقيقها معدلات نمو رسمتها لها بكين.
اقتربت الصين كثيراً من إزاحة أميركا عن تبوؤ مركز الصدارة والقيادة للعالم، نقول اقتربت لكنها لم تحقق فعل الإزاحة حتى الآن، ونحن في القرن الحادي والعشرين، تطرح نفسها «بمعجزة» تتجلى في التنمية المستدامة والتخلص من الفقر، وتقوم على «أنقاض الغرب والعولمة».
فهل تتحقق هذه المعجزة؟ أم أننا أمام مارد جديد يرتدي ثوباً ناعماً عماده التنمية والاقتصاد يكون بديلاً عن «الغرب» بكل مقوماته، يشق طريقه إلى العالم عبر مبادرة «الحزام والطريق»؟
جميلة هي المبادئ التي تحملها وتجتهد في تسويقها، مفاهيم صينية قوامها «التشارك في المنافسة والبناء والفوائد»، لكن كيف نترجمها على أرض الواقع، هذا هو الاختبار الحقيقي والسؤال الأهم؟
ومن جديد تسمع خطاباً عقلانياً لم نعهده عند الغرب، وأنه سيخلّص العالم من الفقر ويضيق الفجوة مع الأغنياء ويحسن البيئة التحتية وينهي حالة الركود، ويؤكد إصلاح الموانئ والارتقاء بالخطوط الملاحية وقدراتها على النقل البحري، سعياً إلى تحقيق التناغم بين الإنسان والبحر.
الفكرة الأساسية التي بنت عليها الصين مبادرتها «الحزام والطريق» تقوم على تعويض ما ينقص النمط الغربي وما ينقص التنمية الاقتصادية، وتجاوز هذا النمط المتوحش إلى نمط جديد من العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين.
تبشرنا الصين أن العالم في المستقبل لن يكون له مركز واحد، بل مراكز متعددة لاعتقادها أن مركز العالم ليس في البحر الأبيض المتوسط بل في قلب آسيا، وثمة اختلافات عميقة في الرؤى بين مبادرة الحزام والطريق ومفاهيم وركائز العولمة الغربية، والمشكلة كما يقولون أننا جميعاً نعرف كيف نصطاد السمك، لكننا لا نجد السمك لنصطاده!
تشير الإحصاءات الأولية أن مبادرة «الحزام والطريق» ستمتد إلى 64 دولة باستثناء الصين وقيام 900 مشروع وباستثمارات تبلغ 800 مليار دولار أميركي، وقد دخلت حيز التنفيذ عام 2016 وستتحقق البنى التحتية في عام 2024، وفي عام 2049 ستكون الحلقات اكتملت بقيام رابطة مصلحة مشتركة.
لقد بنت الصين توجهاتها على أخطاء الغرب وإخفاقاته ونهبه لثروات الدول النامية والعاجزة واستفادت منها في توظيف تلك الثروات لمصلحة اقتصاداتها ورفاهية شعوبها، لكن على حساب الآخرين، وهم غالبيتهم في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.
مفاهيم العدالة في المصالح، كما تروج لها الصين، وهي مسألة أغرتْ الكثير من دول العالم الثالث الذي استنزفت موارده الخام على يد الغرب، فهل نرى فعلياً نهجاً مغايراً يرتكز على مبدأ التشاور في البناء والتشارك في المناقشة والفوائد؟
الصين خرجت إلى العالم الثالث فعلياً ودخلت في مشاركات ومشاريع واتفاقات اقتصادية وتنموية، أخفقت في بعضها ونجحت في أخرى، خصوصاً في مسألة القروض التي قدمتها والديون المترتبة على الدول الفقيرة، والتي تشكل عائقاً أمام تحقيقها معدلات نمو رسمتها لها بكين.
العالم اختبر جيداً أميركا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ووقف على حروبها وهزائمها وانتصاراتها، وعرف جيداً مكامن الخلل، لدرجة أن البعض بات مقتنعاً بأن من يتعامل معها كمن يتاجر بالفحم، ليس له من تجارته سوى سواد الوجه والكفين.
فهل تقدم الصين نموذجاً معتدلاً في سياستها الخارجية ومصالحها الاقتصادية مع العالم الآخر يتمتع بمصداقية ومشروعية أكثر؟ فلننتظر لنرى ونحتكم على الأرض وفي الأزمات والصراعات الدائرة والقادمة.