الزلازل ومصائر رئيسي تركيا وسوريا
بقلم: طوني فرنسيس

مثلما فاز أردوغان سابقاً على ظهر حصان كارثة 1999 يستعد خصومه لإطاحته على أنقاض مأساة 2023

النشرة الدولية –

عندما تنقشع غيوم #كارثة #الزلزال #التركي_السوري سيعود الناس للسؤال عن المسؤوليات السياسية للسلطات وسينخرطون في التداعيات المحتملة على أوضاع البلدين.

فدائماً ما كانت الكوارث الطبيعية أشد وأقسى في حدوثها ونتائجها، لكن البشر يستأنفون بعد حين حياتهم وصراعاتهم وفي رؤوسهم ذلك السؤال الأبدي عن الذي حصل، كيف ولماذا؟ وما دور السلطات في ما جرى باعتبار شؤون الطبيعة خارج قدراتهم على إصدار الأحكام، وفي النهاية سيطرحون السؤال: ما مسؤولية البشر في انهيار الحجر ودفن الأحباء وتشريدهم؟ ومن جعل الخسارة بهذا الحجم؟ وما أسبابها وكيف تمت الاستجابة لأعمال الإنقاذ والرعاية اللاحقة؟ وماذا عن البناء ومواصفاته؟ وهل يتمتع بالقدرة على مقاومة العوامل الطبيعية ومواجهة ما ينبه إليه العلماء وأساتذة التاريخ من أن هذه المنطقة بالذات تقع على خطوط الزلازل المتداخلة، خط الفالق الأفريقي وخط فالق الأناضول وخط شرق البحر المتوسط، وهي جاهزة دوماً لإنتاج الهزات وترويع المقيمين.

توج زلزال الأسبوع الماضي في جنوب تركيا وشمال سوريا مسيرتين سياسيتين لرئيسي البلدين المعنيين، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”، إذ غنما السلطة عام 2002 في أعقاب زلزال إزميت على بحر مرمرة الذي قضى رسمياً على 17 ألف مواطن، وفي إحصاءات غير رسمية 45 ألفاً. حصل الزلزال هذا عند الثالثة فجراً في أغسطس (آب 1999)، وتقريباً في التوقيت نفسه لحصول الزلزلة الأخيرة، وعلى الفور بدأت حملة على حكومة بولنت أجاويد تحملها مسؤولية التقصير في كل شيء، من مراعاة شروط البناء إلى عمليات الإنقاذ، وأسفرت تلك الحملة عن فوز حزب أردوغان ليتولى السلطة عام 2003 ويستمر حتى الآن، مستعداً لولاية أخرى خلال انتخابات مايو (أيار) المقبل.

استفاد أردوغان من الزلزال والأوضاع الاقتصادية المتردية في حينه ليصل إلى السلطة، لكن نظيره السوري بشار الأسد توّج زلازل حكمه بالهزة الأكثر تدميراً، إذ كانت البنى التحتية بما فيها المساكن والأبنية في المنطقة التي تعرضت للكارثة في شمال سوريا مهيأة للضربة القاتلة الأخيرة بعد سنوات من القصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وعلى مدى أشهر تعرضت حلب لأطنان من المتفجرات هدمت وخلخلت أسس أبنيتها، وفي المناطق الأخرى في إدلب وقراها وضواحيها تهدمت البيوت ليتم استبدالها بعشوائيات تجار البناء، وفي الساحل باللاذقية ومحيطها لاحظ المقيمون أن تجار البناء الفاسدين صنعوا أبنية لم تصمد فوقعت فوق رؤوس سكانها، وقارنوها بأبنية صمدت كانت من إنشاء القطاع العام السوري في ذروة عمله.

كانت الزلازل السورية المتواصلة منذ 2011 أرضية ملائمة لجعل هزة الأسبوع الماضي تتويجاً للخراب العميم ومناسبة للنظام كي يتحرك، لا عن رأب فالق الانقسام والتشتت السوري وإنما بحثاً عن شرعية لا عن المفقودين، وكانت لحلفائه فرصة إثبات الحضور في لباس فرق الإنقاذ والإسعاف بعد أن لعبت لسنوات دورها في التدمير الممنهج إلى جانب تنظيمات الإرهاب والتهريب.

 

سبق قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني الأسد إلى حلب، وأعطى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أوامره لقاعدة حميميم بالتحرك، وانشغل النظام بكيفية جعل الكارثة فرصة لخوض معركة مع الغرب “غير الإنساني” على قول الأسد في حلب، والذي يمنع المساعدات التزاماً بـ “قانون قيصر”.

أراد الأسد، ووافقه في ذلك الروس والإيرانيون، اغتنام الفرصة لا للحصول على دعم كاف في مواجهة الكارثة، وإنما لكسب شرعية دولية وعربية يفتقدها نظامه، لكن ذلك بدا صعباً على رغم جهود حلفاء الأسد، فالاتصالات التي أجراها عدد من القادة العرب معه بقيت في إطار التعاطف والتعاون مع الشعب السوري في مصابه، والإشارتان الجديدتان في موضوع تطبيق علاقات دمشق مع الدول العربية لم تفاجئا أحداً، فزيارة وفد الحكومة اللبنانية المستقيلة وقرار الرئيس التونسي قيس سعيد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دمشق لم يضيفا شيئاً إلى حال العزلة التي يعيشها الحاكم السوري.

لم ينل الأسد التعاطف الدولي الذي سعى إليه على ظهر الزلزال، فأميركا نسفت نظرية حصار “قيصر” بسماحها على مدى ستة أشهر بتقديم أشكال العون والإغاثة، و”الاتحاد الأوروبي” و”وكالة التنمية الأميركية” اللذان تلقيا طلبات سورية رسمية للدعم قررا التلبية، لكن المشكلة بقيت عند النظام الذي تأخر أربعة أيام في إعلانه الاستعداد للسماح بوصول المساعدات إلى الأراضي خارج سيطرته، وعند الأتراك الذين تنحوا عن تقديم المساعدة اللازمة لإنقاذ ضحايا مناطق محسوبة عليهم بمقتضى “اتفاقات أستانا” الروسية – الإيرانية – التركية حول مناطق خفض التصعيد، وأدى عدم توفر معدات الإنقاذ وضآلة المواد الإغاثية في هذه المناطق التي تعيش أصلاً على المساعدات الدولية إلى تفاقم نتائج الكارثة وزيادة أعداد الضحايا.

في المقابل فاز أردوغان بإجماع عالمي يحتاجه أكثر من أي وقت مضى، من موسكو إلى واشنطن ومن الاتحاد الأوروبي إلى حلف الأطلسي، واستنفر القادة لإبداء الدعم والتعاطف وانهمرت المساعدات على تركيا مثل المطر، فأردوغان على عكس الأسد تماماً نجح خلال السنوات الأخيرة في بناء موقع لبلده يحتاجه الشرق والغرب، فتراجع حيث رأى ذلك مناسباً وتقدم حيث اقتضت مصالحه، وها هو في حرب أوكرانيا المقياس الحاضر للعلاقات الدولية، يلعب لعبة جعلته شخصاً لا غنى عنه لجميع الأطراف.

ومع ذلك يستشعر أردوغان أخطار تداعيات الكارثة على حكمه، فمعركته في الـ 14 من مايو المقبل ستكون حاسمة، ومثلما فاز سابقاً على ظهر حصان كارثة 1999 يستعد خصومه للإطاحة به الآن على أنقاض كارثة 2023.

لقد سارع زعيم المعارضة التركية كمال أوغلو إلى القول ومن دون تردد إنه “إذا كان هناك شخص واحد مسؤول عن هذا فهو أردوغان”، وتستخدم المعارضة في معركتها ضد الرئيس التركي حججاً مماثلة لحججه قبل ربع قرن، وكانت الحكومة فرضت في أعقاب زلزال إزميت “ضريبة الزلازل” و”ضريبة الاتصالات الخاصة” في زمن الكوارث، وكان عليها إنفاق نحو 4.6 مليار دولار للوقاية وتطوير خدمات الطوارئ، وتسأل المعارضة الآن أين ذهبت كل تلك الأموال؟

مثل هذه الأسئلة تجد صدى واسعاً لدى الجمهور الذي ضربته الفاجعة وتتفاعل في أوساط المجتمع التركي قاطبة، ولقد بدا أردوغان متجهماً خلال جولته في المناطق المنكوبة، فهو وإن كان بدا حزيناً ومتعاطفاً إزاء هول ما جرى فإنه يخشى محاسبة قريبة في صناديق الاقتراع. وعلى عكس صورة الرئيس التركي الحزين والمتجهم أطل الأسد مبتسماً بل وضاحكاً في حلب، ربما لأنه لا يخشى مساءلة ولا محاسبة، فنظامه باق برعاية الحلفاء الروس واسماعيل قاآني في غياب مريب للمجتمع دولي عن مساعدة الشعب السوري الذي يعاني مجزرة مضاعفة في إيجاد تسوية حازمة لمشكلة بلاده التي تتقاسمها الدول ويوحدها الزلزال.

زر الذهاب إلى الأعلى