اهملنا الاسبوع الاول من شباط
بقلم: رلى السماعين
النشرة الدولية –
الاسبوع الاول من شباط فيه نتذكر مبادرة اسبوع الوئام العالمي بين الاديان، وأسبوع الاخوة الانسانية، فبينما الاولى، مبادرة اردنية عالمية تدعو الناس بغض النظر عن خلفيتهم الدينية أو اللادينية الى تمتين الترابط الاخوي واحترام الكرامة الانسانية، مبادرة الاخوة الانسانية جاءت لتذكير رجال الدين بالذات على أهمية دورهم في بناء المجتمعات بمختلف مناطقها على أسس المحبة والاخوة والوئام.
ولكن أولا أبدأ بالترحم على ضحايا الزلزال الذي ضرب البلدين العزيزين سوريا وتركيا، والذي علمنا، أو بالاحرى أيقظ فينا دافع الرحمة من جديد، ووحدنا بالانسانية وذكرنا بأن كل مادي ما هو الا للزوال وبأن الدايم هو الله.
مع تقدم الوقت وبعد ثلاثة عشر سنة من مبادرة اسبوع الوئام بين الاديان، كانت ملاحظتي خلال السنوات الخمس الماضيات بأن ما يحتفل به في ذكرى هذه المبادرة المهمة لا يتعدى ورق يُقرأ في الندوات خلال تجمع نخبة مخلصة وجادة في احداث الافضل بالمجتمع ومؤمنة بأن الدين علاقة خاصة مع الخالق بينما ما يجمع البشر هو أننا حميعاً ابناء آدم واخوة بالانسانية.
هذه النخبة بدأت تتقلص مع الوقت وبدأ الاحساس بأن الندوات واللقاءات في هذه المناسبة بالذات ما هي الا مجاملة. حتى الصحافة فقدت الابداع الحقيقي في نقل الخبر فباتت الاسطر بليدة، والكلام مكرر يعيد نفسه.
من ناحية اخرى، عملت صحيفة ملح الارض الالكترونية استبياناً استهدفت فيه احدى المجموعات الكبيرة على الفيسبوك بسؤال: هل تؤمن بالوئام بين الاديان. ليكون جواب الغالبية (اكثر من ٧٠٪) بالنفي. لم تكن مفاجئة الحقيقة، لان المجموعات الفيسبوكية لا تجامل، والتملق فيها ضعيف والتصنع في الاستبيان يكون ضئيل في غالب الاحيان.
ولكن يبقى هذا الاستبيان مجرد جس نبض ليس الا، لكونه غير ملتزم بالقواعد العلمية. المجموعة التي تم استهدافها، كما المجموعات الاخريات الكبيرة على المواقع التواصل الافتراضية، تضم اناس من خلفيات ثقافية وعلمية ومعرفة ونضج فكري متباينة، فهي غالباً تكون شاملة، اي غير مختصة، لذا تكون الاجابات بالعادة سلبية وغير منطقية.
وانما هذه النتيجة جعلتني افكر بموضوع غاية في الاهمية ويعتبر مؤشر معياري جليل لبناء مجتمع مزدهر ومتناغم، الا وهو صناعة الامل بين الناس، الجزء المهم الذي يعمل على التقارب ويعزز الثقة، خاصة بين اتباع الاديان المختلفة، في مجتمعات التنوع الديني.
الثقة بين اتباع الاديان المختلفة، لنطلق عليها “الثقة الدينية”، هو موضوع جوهري، اذا وُجد بالقول كما بالفعل، سهّل التفاعل اليومي بين الافراد ونظمه، هذا التناغم لا بد وأن ينعكس على الحياة اليومية، ومن ثم على الخطاب العام في المجتمعات التي تنادي بالديموقراطية، الامر الذي له تأثير مباشر على القوانين في البلاد.
فإن الثقة ونشر الامل هما اساس العلاقات السليمة.
أما فقدان الامل فيؤدي الى العزلة، الامر الذي قد يعمل على اضعاف الجبهة الداخلية، وتصبح المجتمعات عرضة لاي وكل الافكار والاجندات الغريبة والهدامة.
ماذا علينا أن نفعل؟
الحقيقة هناك قلق على عودة وتنامي التطرف الديني والتعصب وانتشارهما وتوسعهما والسبب تغول الحياة الرقمية والتأثير الكبير الذي تحدثه المواقع الاجتماعية المتعددة على الافراد التي ساهمت “بنجاح” في تصاعد الاستقطاب في الفترات السابقة.
التوعية ضرورية لمواجهة اي فكر متطرف مستقبلي -لا سمح الله- ، لكنها ليست كافية، علينا مواجهة الفكر المتطرف بالفكر الذي يدعو الى السلام من خلال استغلال فعلي للمواقع الرقمية من قبل جادّين والعمل على استخدام المعلومات بآلية مناسبة، وتكرارها من اجل زيادة المعرفة، ومناقشتها مع الاخرين في المجموعات المختلفة لان الناس تتعلم من خلال تبادل الافكار والمعلومات ومناقشتها ، على أن لا يكون الامر موسمياً بل بشكل دوري ومكثف بهدف تعزيز الثقة التي هي الغاية المرجوة.
ومن ثم نقل هذه الافكار التي لا بد وأن تكون بناءة الى العمل على ارض الواقع الذي يعكسه احترام القوانين والاخلاص في امور حياتنا الشخصية والعامة.
مبادرة اسبوع الوئام هي بالاساس مبادرة عملية، جاءت لتحث الافراد في عمل مشروع ولو بسيط يعمل على التقارب واخماد فتيل التوتر والنزاع. وعليه، علنا في السنوات القادمة أن نحتفل في الاسبوع الاول من شباط في المدارس والجامعات و المجتمعات الصغيرة كما الكبيرة بأعمال تعكس المبادرات الانسانية التي من الاساس خرجت من اردننا الحبيب الذي تأسس منذ البدايات على العدل والمحبة والاخاء. وهذا فخرنا.
نقلاً عن جريدة الدستور الأردنية
*صحافية وكاتبة مختصة في شؤون حوار الاديان والسلم المجتمعي