القوة السياسية لزي الرئيس الأوكراني الأخضر
زيلينسكي سيتوقف عن ارتدائه عندما تنتهي الحرب
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
قبيل انعقاد القمة الأوروبية-الأوكرانية في العاصمة الأوكرانية كييف، أوائل فبراير (شباط) الحالي، التي تمحورت حول مسألة انضمام أوكرانيا إلى التكتل، عمم الاتحاد الأوروبي مذكرة داخلية، جاء فيها أن هناك قواعد للباس “ارتد ملابس العمل المعتادة”، أو “تعال كما أنت في بروكسل”، و”لا ترتد الأخضر أو الكاكي أو الألوان الزاهية جداً”، وذلك وفقاً لصحيفة “بوليتيكو” الأميركية التي اطلعت على المذكرة. وأوضحت الصحيفة أن “الملابس يمكنها أن توصل الرسالة”، مضيفة أن ذلك قد يساعد في تفسير سبب قيام الاتحاد الأوروبي، حتى قبل إنهاء جدول أعماله وقائمة ضيوفه لقمة مقبلة تستغرق يومين في أوكرانيا، بتعميم المذكرة الداخلية برسالة واضحة. وتابعت “بوليتيكو” “أنها حقيقة بديهية، يكره السياسيون الاعتراف بها، وهي أن وظيفتهم غالباً ما تتعلق بالتقاط الصور والرمزية بقدر ما تتعلق بالسياسة الفعلية”.
إلا أن المفوضية الأوروبية لم تعلق على ذلك. وبحسب “بوليتيكو”، لم تقدم المذكرة التي أرسلتها الأمانة العامة للمفوضية أي تفسير لحظر الألوان الزاهية في المناسبة، لكن دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي قالوا إنها “تتماشى مع التوقعات. وبعد كل شيء، قد يضطر الاتحاد الأوروبي إلى إحباط أوكرانيا في شأن القضايا الشائكة، مثل رغبتها في الانضمام بسرعة إلى الكتلة”. ويبدو أن السبب محاولة واضحة لإبقاء المظهر العسكري محصوراً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والمسؤولين الأوكرانيين، الذين تخوض بلدهم حرباً مستعرة منذ 24 فبراير 2022 مع القوات الروسية، والحرص على إبقاء المظهر الدبلوماسي، حتى باللباس، طاغياً على الضيوف الأوروبيين، بحسب ما أفادت الصحيفة الأميركية.
“الكاكي” أو الزيتي العسكري
ولفت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنظار العالم، منذ بداية الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا، بارتدائه ملابس اتسمت بالبساطة باللون الأخضر أو “الزيتي العسكري”. وكان زيلينسكي قد خلع ملابس الرئاسة الرسمية وصار يرتدي “تي شيرت” من قماش الكاكي خلال تدبيره شؤون بلاده في خضم الحرب الروسية. وتناول الصحف والإعلام كما مواقع التواصل الاجتماعي طريقة لبسه وهندامه في أكثر من مناسبة، وبيعت سترة صوفية ارتداها زيلينسكي ووقع عليها، مقابل 90 ألف جنيه استرليني (نحو 111 ألف دولار)، في حفل جمع تبرعات لبلاده في لندن، في مايو (أيار) 2022، وفق ما ذكرت شبكة “سي أن أن” الأميركية. ونشرت السفارة الأوكرانية لدى المملكة المتحدة في ذلك الوقت، مقطع فيديو على “تويتر” تضمن لقطات لزيلينسكي وهو يرتدي السترة.
وكان رئيس الوزراء البريطاني حينها بوريس جونسون قد دعا إلى “تقديم عروض أسعار أعلى بكثير” بعد عرض سترة زيلينسكي في بداية المزاد بـ50 ألف جنيه استرليني، أي ما يعادل 61 ألف دولار. وأظهر مسؤولو الاتحاد الأوروبي، في أكثر من مناسبة، تضامنهم مع زيلينسكي، إذ ارتدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اللون الأصفر والأزرق خلال زيارتها كييف، تعبيراً عن تضامنها القوي مع السلطات الأوكرانية. بدوره تعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسخرية والاستهزاء بعد أن ظهر في ملابس تشبه ما يرتديه الرئيس الأوكراني، وهو في غرفة الحرب، في مارس (آذار) 2022، بحسب ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية. والصور التي التقطت لماكرون مرتدياً ملابس زيلينسكي جعلت البعض يتهمه بأنه يحاول استقطاب الشعبية نفسها التي يحصل عليها زيلينسكي من شعوب العالم.
وسحر المظهر العسكري للرئيس الأوكراني الشاب عديداً من مؤيديه، وتداول ناشطون على وسائل التواصل، في أبريل (نيسان) 2022، صوراً لملابسه مرفقة بتغريدات تتحدث عن أسعارها، وكتب أحدهم “ارتد مثل زعيم العالم الحر، مجموعة زيلينسكي”، في إشارة إلى مجموعة الملابس التي يرتديها على غرار “الماركات” العالمية.
عام على حرب أوكرانيا
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسعاً على أوكرانيا، لمواجهة خطط توسع حلف شمال الأطلسي. بعد مرور عام، العالم بأسره يعاني من تداعيات الحرب فيما لا تلوح في الأفق أية نهاية قريبة للنزاع.
ألا يمتلك رئيس أوكرانيا بذلة؟
في المقابل، وجه البعض انتقادات للرئيس الأوكراني، ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، في أبريل الماضي، عن الباحث الاقتصادي بيتر شيف الذي رأى في لباس زيلينسكي شيئاً من قلة الاحترام ربما، الذي كتب في تغريدة، بعد لقاء زيلينسكي بمشرعين أميركيين عبر الفيديو “أتفهم أن الأوقات صعبة، ولكن ألا يمتلك رئيس أوكرانيا بذلة؟”. وارتدى زيلينسكي الزي العسكري نفسه، خلال لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن، في أول زيارة رسمية خارجية منذ بدء الحرب، في ديسمبر الماضي. واعتبر عديد من المعلقين المحافظين أن عدم ارتداء البذلة إشارة على “عدم الاحترام”. وعلى رغم أن رؤساء الدول الأجنبية غالباً ما يرتدون بذلات رسمية، فإن زيلينسكي كان يرتدي “سترة كاكي”، كما فعل دائماً منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا.
بدورها، هاجمت شخصيات أميركية الرئيس الأوكراني لارتدائه ملابس قتالية خلال زيارته التاريخية للبيت الأبيض والكونغرس، حيث وجه نداء حماسياً للحصول على مزيد من التمويل لدعم جيشه ضد القوات الروسية. وكتب ويندل هوسيبو من الموقع الإخباري المحافظ “بريتبارت” على “تويتر” “وصل زيلينسكي إلى البيت الأبيض للمطالبة بمزيد من الدعم الذي وصل إلى 45 مليار دولار، مقابل 45 مليار دولار عليك أن تظهر بعض الاحترام وقم باستئجار بذلة”، كما شارك موظفون آخرون في ذلك الموقع بالهجوم، إذ كتبت المحررة السياسية إيما جو موريس “يطير زيلينسكي طوال الطريق إلى الولايات المتحدة، لكنه لا يزال غير قادر على ارتداء البذلة في البيت الأبيض والكونغرس”. وقاد المعلق التلفزيوني لشبكة “فوكس نيوز” تاكر كارلسون الانتقادات ضد زيلينسكي مستخدماً برنامجه في وقت متأخر من الليل لاتهام الزعيم الأوكراني بارتداء ملابس مثل “مدير ناد للتعري يطالب بالمال”.
وانضم إلى الانتقادات دونالد ترمب جونيور نجل الرئيس الأميركي السابق، الذي وصف زيلينسكي بـ”ملكة الرفاهية”. وقال بيني جونسون المذيع في قناة “نيوز ماكس” “هذا القادم من أوكرانيا لا يتمتع باللياقة لارتداء بذلة للبيت الأبيض ولا يحترم البلد الذي يمول بقاءه. يأتي إلينا مرتدياً مثل المافيا. يا لها من إهانة”، كما شارك أيضاً بيتر شيف بقوله “أعلم أن هناك حرباً، لكن زيلينسكي ليس تحت النيران. سافر إلى الولايات المتحدة على متن طائرة خاصة تابعة للحكومة الأميركية، ووصل إلى البيت الأبيض في سيارة دفع رباعي مع سائق، لكنه ظهر مرتدياً قميصاً من النوع العسكري المموه. إنه أفضل من ارتداء تي شيرت، لكنني ما زلت أرى أنه كان عليه أن يرتدي الزي المناسب وهو البذلة”.
من جانبه، قال جون روبرتس من “فوكس نيوز” خلال بث مباشر إنه “لم ير شخصاً يأتي إلى البيت الأبيض بملابس مثل زيلينسكي”.
لا شك أن للثياب وقواعد اللباس أهمية في اللقاءات الدولية، حتى خلال الحروب، إذ غالباً ما تعكس الألوان والأزياء التي يرتديها الرؤساء أو المسؤولون رسائل سياسية. وكتبت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، في يناير (كانون الثاني) الماضي، في هذا الإطار، مقالاً عنوان “اختيار زيلينسكي ملابسه بمثابة تصريح عن زعامته”، معتبرة أنه لطالما ساعدت الملابس العسكرية قادة الدولة في بناء صورتهم، لكن التفاصيل الصغيرة مهمة. وقالت إنه عند وصوله إلى العاصمة (واشنطن)، بدا زيلينسكي وكأنه جندي يأخذ استراحة قصيرة من ساحة المعركة، أكثر من كونه رئيس دولة في مهمة دبلوماسية. وأكدت ملابسه، مع لحيته، على الطبيعة غير المخطط لها للزيارة، إضافة إلى إلحاح ومناشدة زيلينسكي للمساعدة والسلام.
وعلى رغم مقارنة زيارة زيلينسكي بزيارة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، الذي وصل في الحرب العالمية الثانية إلى البيت الأبيض مرتدياً بذلة “صفارات الإنذار” Siren Suit (لباس من قطعة واحدة مصمم ليتم ارتداؤه بسهولة في الغارات الجوية)، كانت هناك اختلافات ملحوظة، إذ بدل تشرشل زيه العسكري وارتدى بذلة رسمية قبل التحدث إلى الكونغرس، بينما كان زيلينسكي يرتدي ملابسه العسكرية باستمرار في الأماكن العامة، لدرجة أن المظهر أصبح يحدد أسلوب قيادته وصورته. واعتبرت الصحيفة أنها “اختيارات مقصودة”. وبحسب الصحيفة، لطالما لعبت الملابس العسكرية، سواء كانت زياً رسمياً أو تكتيكياً، دوراً مهماً في الطريقة التي يبني بها قادة الدولة صورتهم. “إن السلطة القيادية لهذه الملابس تشير إلى الوطنية وتعبر عن التصميم والقوة، ذكورية الطابع. غالباً ما تكون الموضة أدائية، ما يجعلها أداة سياسية قيمة”.
وبحسب صحيفة “فايننشال تايمز”، في وقت سابق، فإن زيلينسكي كان قد حدد موعداً محتملاً للتوقف عن ارتداء زيه العسكري. وقال إنه سيتوقف عن ارتداء الزي العسكري عندما تنتهي الحرب، والرئيس الأوكراني الذي يحرص أيضاً على عدم حلاقة ذقنه كما كان يفعل من ذي قبل، أضاف أنه لن يعود لحلاقة الذقن إلا عندما تنتهي الحرب، فيما يرى خبراء أنه يحرص على الظهور بهيئة الزعيم المنشغل بما يدور في بلده، كما يريد الابتعاد عن صورة الشخص المترف الذي يعيش حياة هادئة، في حين يعاني باقي الشعب بسبب الحرب.
وفي حديث مع صحيفة “الشرق الأوسط”، ترى أستاذة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة نيفين مسعد أن “عالم السياسة مليء بالرسائل المبطنة التي قد تحمل تأثيراً أكثر دلالة من المواقف المباشرة”، وتتابع أن “السياسة لا تتضمن شيئاً من قبيل الصدفة، فالرئيس الأميركي تعمد تأجيج نبرة التحدي للقوات الروسية، وتعميق دعم بلاده لأوكرانيا، على النحو العسكري واللوجيستي وحتى المعنوي”، وذلك تعليقاً على ارتداء الرئيس بايدن ربطة عنق بألوان علم أوكرانيا، الأزرق والأصفر، في لقائه مع زيلينسكي، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة كييف، في رسالة اعتبرها البعض “رسائل دعم مبطنة” لأوكرانيا. وتضيف أستاذة العلوم السياسية أن “التاريخ مليء بالدلالات والرمزية لأزياء تعمد سياسيون ارتداءها، وربما حتى العامة، فكل من يدعم القضية الفلسطينية يعتمد الكوفية المميزة لثقافتهم”. وتشير مسعد إلى مشاهد سياسية تعمدت أن تحمل دلالات ربما للتوافق أو العكس، وتقول “لا يوجد شيء يدلل إلى أهمية ما يعتمده السياسيون من أزياء وسلوكيات مثل موقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، حين زار السعودية وتمايل بالسيف، في إشارة إلى علاقة ود واحترام مرتقبة بين البلدين”.
وأشارت دراسة أميركية، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، إلى “فرضية التأثير الدبلوماسي للأزياء”. وقال الباحث السياسي الأميركي ديفيد أوكونيل، في الدراسة التي نشرت في مجلة “وايت هاوس ستاديز”، إن “الأزياء لعبت دوراً بارزاً في تأثير رؤساء الولايات المتحدة الأميركية على مدار حقب زمنية متتالية وفي ظروف سياسية متباينة”. وتوصل من خلال قراءته للمشهد إلى أن نجاح الرؤساء يتعلق بـ”ما يرتدون”، إذ اعتمد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ربطة عنق مطبعة بأبواق خلال اجتماعه التاريخي في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وبحسب تحليل الباحث أوكونيل، “حملت ربطة العنق إشارة مبطنة لقصة سقوط أسوار أريحا بالأبواق”. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، تعتمد الدبابيس “البروش” بحسب موقفها السياسي، فحين التقت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في فبراير 2000 في موسكو، اعتمدت دبوس القرود في إشارة حملت “إهانة مبطنة” احتجاجاً على حرب روسيا على الشيشان. وخلال لقائها الزعيم ياسر عرفات عام 1999 وضعت دبوساً على شكل “نحلة”، الذي تم تفسيره باعتباره إشارة غير مباشرة على جهودها لإقناع الطرف الفلسطيني بالحل السلمي.